الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل هذه العبارة، وبعده الإمام ابن الجوزي (ت 597)(1)، ثم الرازي (ت 606). (2)
وبعد ابن الصلاح كان القرطبيَّ (ت 671)(3)، من أكثر من يكرر هذه العبارة في تفسيره، ويذكرها غيرهم من المفسرين على قلةٍ. (4)
ولم أجد الطبري ذكر أهلَ المعاني في تفسيره، مع كثرة تكراره لكلمة المعاني جَمع مَعنى، ومثله ابن عطية فلم يذكرها إلا مرة واحدة نقلًا عن مكي بن أبي طالب. وأما الزمخشري فقد استعمل كلمة المعاني جمعًا للمعنى، واستعمل كلمة أصحاب المعاني ويعني بها العِلْمَ المعروف في البلاغة، وهو «عِلْمٌ يُعرفُ به أحوالُ اللفظ العربي التي بِها يُطابقُ مقتضى الحال» . (5) وقد أشار في مقدمة تفسيره إلى أهميته للمفسر وبالغ في ذلك.
المقصود بأهل المعاني عند المفسرين:
يظهر من تتبع إطلاق المفسرين المتقدمين لهذه العبارة أن المراد بها أوسعُ مِن المُصنِّفينَ تَحتَ اسم «معاني القرآن» ، وإنما يعنون بها مَنْ تكلَّمَ في المعاني الدقيقة لآيات القرآن الكريم، والتي تَحتاجُ إلى دقةٍ في الاستنباط. فكأَنَّ المقصود بأهلِ المعاني أَهلُ التحقيق والنظر الدقيق دون
(1) زاد المسير 1/ 241، 510، 2/ 45، 163، 3/ 118، 292، 511، 4/ 276، 448، 458، 6/ 41، 488، 7/ 86، 176، 8/ 43، 8/ 285، 369، 9/ 225.
(2)
انظر: التفسير الكبير للرازي 8/ 35، 12/ 186، 13/ 66، 131، 140، 14/ 167، 15/ 36، 46، 127، 146، 16/ 30، 68، 70، 79، 95، 130، 158، 18/ 157، 19/ 153، 161، 20/ 33، 70، 135، 21/ 26، 70، 30/ 4، 6، 16، 24، 205، 31/ 100.
(3)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 3/ 299، 4/ 99، 289، 6/ 346، 386، 7/ 338 وغيرها.
(4)
انظر: إرشاد العقل السليم لأبي السعود 2/ 118.
(5)
الإيضاح للقزويني 12، معجم المصطلحات البلاغية لأحمد مطلوب 632.
غيرهم مِمَّنْ تكلم في تفسير القرآن. سواء كان طريق الوصول لهذه المعاني الدقيقة هو اللغة، أو الجمع بين آيات القرآن، أو الاستدلال بدليلٍ خارجٍ عن ذلك على معنى من المعاني.
وقد تنبه مُحققو كتاب «معاني القرآن» للفراء لهذا عندما أشاروا إلى أَنَّ «هذا التركيبَ يُعْنَى بهِ ما يُشْكِلُ في القرآنِ، ويَحتاجُ إلى بعضِ العناءِ في فَهمهِ، وكان هذا بإزاءِ معاني الآثارِ، ومعاني الشِّعْرِ، أو أبيات المعاني» . (1)
وقد تتبعت إطلاقات المفسرين لعبارة أهل لمعاني، فوجدت المقصود بها لا يخرج عن الأصناف التالية:
1 -
المصنفين لكتب «معاني القرآن» .
وهذا يصدق عليه قول ابن الصلاح السابق، ومن ذلك قول السمعاني الذي يُعَدُّ من أول من أكثر من ذكر هذه العبارة، فقد وردت عنده في ثلاثةٍ وخَمسينَ موضعًا، منها مواضع ذكر فيها صراحةً المقصودَ بأهل المعاني وأنهم المصنفون لكتب المعاني، مثل قوله:«وهذا قول الفراء والزجاج وأكثر أهل المعاني» . (2)
2 -
المفسرين.
وقد يطلق المفسرون هذه العبارة، ويقصدون بها المفسرين على وجه العموم، سواء كانوا من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم. ومن ذلك قول الرازي: «أما قوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)} [الانشقاق: 18](3) فاعلم أن أصل الكلمة من الاجتماع، يقال: وَسَقْتُه فاتَّسَقَ، كما يقالُ: وصلتُه فاتَّصلَ، أي جَمعتُه فاجتمع
…
وأما أهلُ المعاني فقال ابن عباس: {إِذَا اتَّسَقَ} أي: استوى واجتمعَ، وتكاملَ، وتَمَّ واستدارَ،
(1) مقدمة تحقيق معاني القرآن للفراء 1/ 11.
(2)
السمعاني 3/ 532، 4/ 314، 396، 5/ 271، 6/ 32.
(3)
الانشقاق 18.
وذلك ليلة ثلاثة عشر إلى ستة عشر». (1) فأدخل ابنَ عباسٍ مع أهل المعاني، وهو من الصحابة ولم ينسبه أحد إلى أهل المعاني ممن ترجم له، ولكن لأَنَّه ممن تكلم في معاني الآيات وتفسيرها، صح إطلاق ذلك عليه باعتبار ما نقل عنه من التفسير والنظر الدقيق.
وربما أطلقوها على مفسري التابعين، كما في قول القرطبي:«وقال جَماعةٌ من أهلِ المعاني منهم الضحاكُ والفراء في قوله تعالى: {مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] (2) على التقديم والتأخير؛ لأن الواو لا توجب الرتبة. والمعنى: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد أن تَنْزِل من السماء» . (3) والضحاك (ت 105) متقدمُ الوفاةِ، ويُعدُّ في طبقة مفسري التابعين (4) ولكن لكلامه عن معاني الآيات أدخله مع أهل المعاني كالفراء.
وربما قصدوا بها عموم أهل التفسير، كما في قول السمعاني:«وذكر الفراء عن بعض أهل المعاني أن معنى الآية يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يستمعونَ، وسائرُ النحاةِ أنكروا تقدير الباء ها هنا» . (5)
وعندما رجعت لقول الفراء إذا هو يقول: «وقوله: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} [هود: 20] (6) على وجهين: فَسَّرهُ بعضُ المفسرين: يُضاعفُ لهم العذابُ بما كانوا يستطيعونَ السمع ولا يفعلون» . (7)
وكثيرًا ما ينسب السمعاني قولًا لأهل المعاني، وهو قول المفسرين، ومن ذلك قوله: «قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: 90](8) قال أبو عبيدة: معناه إِلَّا الذينَ ينتسبونَ إلى
(1) التفسير الكبير 31/ 100.
(2)
آل عمران 55.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 4/ 99.
(4)
انظر: البرهان للزركشي 2/ 294، تفسير الضحاك للدكتور محمد شكري 1/ 6.
(5)
تفسير السمعاني 2/ 421.
(6)
هود 30.
(7)
معاني القرآن 2/ 8.
(8)
النساء 90.
قومٍ، وأنشد فيه قول الشاعر (1):
إذا اتصلَتْ قَالت: أَبَكْرَ بنَ وَائلٍ
…
وبَكْرٌ سَبَتْها والأُنُوفُ رَوَاغِمُ (2)
يعنى إذا انتسبت تلك القبيلة. وأنكرَ أهلُ المعاني هذا على أبى عبيدةَ، وقالوا هذا لا يستقيم في معنى هذا الاستثناء المنعُ من القتلِ، وما كان المنعُ لأجلِ النسبةِ فإِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقاتل المشركين من قريش وإن كانوا من نسبه بل معنى قوله:{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ} [النساء: 90] أَي: يُخالطونَ ويتصلونَ بقومٍ كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعةٌ وعهدٌ». (3) والذين أنكروا هذا على أبي عبيدة هم المفسرون كالطبري. (4)
3 -
اللغويين والنحويين.
رُبَّما يعبر المفسرون كالسمعاني بأهل المعاني بما يوحي أنه يعني به النحويين خاصة في مثل قوله: «قال أهل المعاني من أرباب النحو» (5) ومثل ذلك قول ابن جُزَيٍّ الكلبي: «وصنف في معاني القرآن جماعة من النحويين كأبي إسحاق الزجاج، وأبي علي الفارسي، وأبي جعفر النحاس» . (6) وقال الرازي: «وهذا قولُ جَميعِ أهل المعاني والعربية» . (7) ولذلك عَرَّفت مُحققةُ «معاني القرآن» للأخفش معانيَ القرآنِ بأَنَّهُ: «التفسير النحوي للقرآن» . (8)
4 -
البلاغيين.
وربما عنى المفسرون بأهل المعاني أهل العناية بالبحث في بلاغة القرآن خاصة، ولا سيما ما سُمِّي بعلم المعاني منه، وكثيرًا ما ينقل
(1) هو الأعشى.
(2)
انظر: ديوانه 81
(3)
تفسير السمعاني 1/ 459 - 460.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 7/ 293، المحرر الوجيز 4/ 201 - 202.
(5)
تفسير السمعاني 2/ 83، 3/ 75.
(6)
التسهيل لعلوم التنزيل 1/ 10.
(7)
المصدر السابق 21/ 70.
(8)
مقدمة تحقيق معاني القرآن للأخفش لهدى قراعة 1/ 33.
المفسرون عن أهل المعاني استنباطات بلاغية من تعبير القرآن تدل على إعجاز القرآن البلاغي، ومن أدلة ذلك قول الرازي عند تفسير قوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79](1): «اتفق المفسرون على أن كلمة «عسى» من الله واجبٌ، قال أهلُ المعاني: لأَنَّ لفظة «عسى» تفيدُ الإطماعَ، ومن أطمعَ إنسانًا في شيءٍ ثم حَرَمَهُ كان عارًا، والله تعالى أكرمُ مِنْ أَنْ يُطمعَ أحدًا في شيء ثم لا يعطيه ذلك». (2)
وأما المفسرون المتأخرون فمِمَّن كرَّر هذه العبارة الإمام الشوكاني (ت 1250)، في سبعة مواضع من تفسيره، وهو ناقل لأكثرها من عبارات المتقدمين، وفيها مواضع عَنَى بِها أهلَ «علم المعاني» أحدِ علومِ البلاغة الثلاثة كما تقدم. (3)
ثم جاء الألوسي (ت 1270) في تفسيره، فكرر هذه العبارة ستًا وعشرين مرةً وهو يريدُ بِها أهلَ عِلمِ المعاني أحدِ عُلومِ البلاغةِ دون غيرهم. (4)
5 -
أهل الاستنباط.
من خلال التأمل في المقصود بعبارة «أهل المعاني» في كتب التفسير المكثرة من استعمالها، ما يؤكد أن المقصود بها أهل الاستنباط للمعاني الدقيقة من الآيات القرآنية من أهل اللغة والنحو وأهل التفسير على حد سواء. (5) وأغلب من ينصرف له إطلاق الرازي لهذا المصطلح
(1) الإسراء 79.
(2)
التفسير الكبير 21/ 26.
(3)
انظر: فتح القدير 2/ 86، 4/ 145، 170، 5/ 87، 160، 351، 434.
(4)
روح المعاني 1/ 147، 309، 4/ 136، 5/ 110، 7/ 95، 9/ 83، 185، 11/ 41، 12/ 116، 163، 13/ 27، 160، 190، 192، 14/ 20، 193، 15/ 140، 147، 229، 16/ 60، 18/ 164، 239، 19/ 111، 26/ 186.
(5)
انظر: تفسير السمعاني 1/ 205، 2/ 343، 353 - 354، 404، 412، 3/ 402.
هو من تنسب له أقوال في استخراج المعاني الدقيقة من الآيات سواء عن طريق اللغة أو غيرها، ويدخل أصحاب كتب المعاني في ذلك دخولًا أوليًا لعنايتهم بذلك.
وفي تعبير مكي بن أبي طالب ما يدل على ما تقدمَ مِنْ أنَّ أهلَ المعاني ليس مُختصًا بأهلِ اللغةِ خاصةً، وإنما يشمل مَنْ تكلَّم في لغة القرآن وإعراب الآيات ومعانيها وأحكامها حيث قال ابن عطية عند تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المائدة: 106](1) الآية: «قال مكيُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: هذه الآياتُ عند أهل المعاني مِنْ أَشكَلِ ما في القرآن إعرابًا ومعنىً وحكمًا» . (2)
وقد أدخل المصنفون في معاني القرآن إعراب القرآن في مصنفاتهم، وبعضهم نص على ذلك في عنوانه كالزجاج، وبعضهم لم يشر إلى ذلك كأبي عبيدة، والأخفش. مما يعني دخول إعراب القرآن في معاني القرآن. (3)
أما النَّحاسُ فقد أفرد لكلٍّ منهما كتابًا مختصًا به، ولعله أول من فعل ذلك بشكل ظاهر، فقد خصص كتابه «معاني القرآن» لبيان المعاني وقد سبق نقلُ كلامهِ في تقديم الكتاب، وخصَّ «إعراب القرآن» بإعرابِ القُرآنِ ومسائلِ النحو فيه، فقال في مقدمته: «هذا كتابٌ أذكرُ فيه - إن شاء الله- إعرابَ القرآن، والقراءات التي تَحتاجُ أن أُبيّنَ إعرابَها والعِللَ فيها، ولا أُخليه من اختلاف النحويين، وما يُحتاجُ إليه من المعاني، وما أجازه بعضهم ومنعه بعضُهم وزيادات في المعاني وشرح لها، ومن
(1) المائدة 106.
(2)
المحرر الوجيز (قطر) 5/ 77 ولم أجد كلام مكي في المطبوع من كتبه، ولعل قوله هذا في تفسيره «التحصيل لفوائد التفصيل الجامع لعلوم التنزيل» وهو من مصادر ابن عطية المهمة في تفسيره، ولم يُطبَع بعد فيما أعلم. وانظر في تفسير هذه الآية: معاني القرآن للزجاج 2/ 216، معاني القرآن للنحاس 2/ 380.
(3)
انظر: النحو وكتب التفسير لرفيدة 1/ 145 - 148.