الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ نَظَرْتُكُمُ أَعشاءَ صَادرةٍ
…
للخَمسِ طالَ بِهَا حَوزي وتَنْسَاسي (1)
ومنه قول الله عَزَّوَجَلَّ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13](2) يعني به: انتظرونا» (3).
فقدم الشاهد الشعري على الشاهد من القرآن في استشهاده، وفعل مثل ذلك في كثير من المواضع في تفسيره، ومثله بقية المفسرين.
استيفاء جوانب الاستشهاد في الشاهد الشعري:
يعد المفسرون الشاهد الشعري وثيقة لغوية، وحجة مقبولة، ولذلك يُقلِّبُونَهُ على وجوهه، فيستقصون كل ما يُمكن أن يدل عليه هذا البيت من اللغة والنحو والبلاغة، وقد تقدمت الإشارة إلى طرف من هذا عند الحديث عن أنواع الشاهد الشعري، وسَمَّيتُ هذا النوعَ بـ «الشواهدِ المشتركة» . لكن أكتفي هنا بالإشارة إلى هذه المسألة لكونها صورة من صور اعتماد المفسرين على الشاهد الشعري، وحرصهم على استفياء جميع دلالاته. وأكتفي بِمِثالٍ واحد للدلالة على هذا الجانب، مع ما تقدم في البحث.
وردَ في كتبِ التفسير قولُ الشاعرِ:
أقبلَ سيلٌ جاءَ من عندِ اللهْ
…
يَحْردُ حَرْدَ الجِنَّةِ المُغِلَّةْ (4)
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذا الشاهدَ موضوعٌ، ومع ذلك استشهدَ به المفسرونَ بكافةِ وجُوههِ، فاستشهدوا بِجَانبه اللغويِّ على معنى قولهِ:{حَرْدٍ} ، في قوله تعالى:{وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)} [القلم: 25](5).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
الحديد 13.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 2/ 467 - 468.
(4)
نُسِبَ لحسان بن ثابت كما في إصلاح المنطق 55، 296، وليس في ديوانه، قال أبو حاتم: هذا البيت مصنوعٌ، صَنَعَةُ مَن لا أَحْسَنَ اللهُ ذِكرَه يعني قطربًا. وقوله: المُغلّة يُحتملُ أن يكونَ من الغُلَّةِ التي هي العَطَشُ. وأن يكون من الغَلَّةِ التي هي الرَّيع والفائدة. انظر: اللآلي شرح الأمالي 1/ 31، وانظر حاشية الميمني.
(5)
القلم 25.
فقال الطبري: «فإذا كان
…
غيرُ جائزٍ عندنا أن يتعدى ما أجْمعت عليه الحجةُ، فما صح من الأقوال في ذلك إلا أحد الأقوال التي ذكرناها عن أهل العلم. وإذا كان ذلك كذلك، وكان المعروفُ من معنى الحَرْدِ في كلام العرب القَصْدَ، من قولهم: قد حَرِدَ فلانٌ حَرْدَ فُلانٍ: إذا قَصَدَ قَصْدَهُ، ومنه قولُ الراجزِ:
وجَاءَ سيلٌ كانَ مِنْ أمرِ اللهْ
…
يَحْرِدُ حَرْدَ الجِنةِ المُغلةْ
يعني: يقصدُ قصدَها، صحَّ أن الذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال: معنى قوله: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)} وغدوا على أمرٍ قد قصدوهُ واعتمدوهُ واستسروهُ بينهم قادرين عليه في أنفسهم» (1).
واستشهدوا به على حذف اللام الأخيرة من لفظ الجلالة (الله) من باب التخفيف، وهي لغة لبعض العرب، قال ابن عطية:«وحذفت الألف الأخيرة من «الله» لئلا يُشكلَ بِخطِّ اللاتِ، وقيل: طرحت تَخفيفًا، وقيل: هي لغةٌ فاستعملت في الخط، ومنها قول الشاعر ابن الأعرابي:
أَقبلَ سيلٌ جاءَ مِن أمرِ الله
…
يَحْرِدُ حَرْدَ الجنَّةِ المُغلَّهْ» (2).
كما استشهدوا به على التخفيف في اللغة فقال القرطبي: «وحكى المهدوي عن النخعي وإبن وثاب ثلاث وربع بغير ألف في ربع فهو مقصور من رباع إستخفافا كما قال:
أَقبلَ سيلٌ جاءَ مِن عندِ الله
…
يَحْرِدُ حَرْدَ الجنَّةِ المُغلَّهْ» (3).
فهذه ثلاثة أوجه استُشهدَ عليها بشاهد شعري واحد، بحيث استوفى المفسرون ما فيه من أوجه الاستشهاد، وربما زادت أوجه الاستشهاد في بعض الأبيات عن هذا، وربما لم يكن في البيت إلا وجه واحد، وكل
(1) تفسير الطبري (هجر) 23/ 179، المحرر الوجيز 16/ 82 - 83، الجامع لأحكام القرآن 18/ 242.
(2)
المحرر الوجيز 1/ 58.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 16.