الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* الطريق الخامس: روى أبو الحسن الطَّسْتيُّ (1)، عن أبي سَهْلٍ الجُنْدِيسَابُوريِّ، عن يَحيى بنِ أَبي عُبيدةَ بَحرِ بنِ فَرُّوخٍ المكيِّ، عَن سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ، عَن عِيسى بن دأبٍ، عن حُميدٍ الأعرجِ، وعبدِ الله بنِ أبي بكرِ بن مُحمدٍ، عن أبيهِ أبي بكرِ بنِ مُحمد (2). وذكر السيوطيُّ في «الدر المنثور» من هذا الطريق 245 مسأَلةً مَعزوَّةً للطستي، وكذلك في الإتقان (3). والأَثَرُ بِهذا الإسناد ضعيف جدًا، ولا يُحتجُّ به (4).
هذه هي الأسانيد التي رويت بها مسائل نافع بن الأزرق، وقد اختلفت هذه الروايات في عدد المسائل، وزاد فيها محمد بن السائب الكلبي (ت 146 هـ)، وزاد غيره، حتى بلغت ثَلاثَمائة وثلاثين مسألة. فأصلُ هذه المسائل ثابت، غير أن أكثر أسانيدها ضعيف لا يوثق به، وقد أشار إلى ضعف أسانيد مسائل ابن الأزرق عدد من العلماء، منهم الألوسي في تفسيره حيث قال بعد ذكره لإحدى هذه المسائل:«وخَبَرُ ابن الأزرقِ قد قيلَ فيه ما قيل» (5) أي من الطعن فيه وتضعيفه.
ثانيًا: نقد متن المسائل:
يُمكنُ توجيه عدد من الانتقادات لمتن هذه المسائل، مما يطعن في صحة غالب هذه المسائل، مما سبق الحديث على أسانيده وطرقه، ومن هذه الانتقادات:
(1) هو المحدث الثقة المسند، أبو الحسين عبدالصمد بن علي بن محمد بن مُكْرَم البغدادي الطستي - نسبة إلى الطست وعمله. عاش ثمانين سنة، وتوفي سنة 346 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 15/ 555 - 556.
(2)
انظر: مسائل الإمام الطستي 9.
(3)
1/ 382 - 416.
(4)
هذا الطريق مُعَلٌّ بِعَللٍ فأَبو سَهْلٍ السريُّ بنُ سهل الجُنْدِيسابوريُّ قال فيه البيهقيُّ: «لا يُحتجُّ بهِ» . انظر: ميزان الاعتدال 8/ 114. ويَحيى بنُ أبي عبيدةَ لا يُعرفُ، وعيسى بنُ يزيدَ بن بَكرِ بنِ دَابٍ الليثيُّ المَدَنِيُّ، قال فيه البخاريُّ، وأبوحاتم الرازيُّ: «منكرُ الحديث». انظر: ميزان الاعتدال 5/ 375.
(5)
روح المعاني للألوسي 4/ 131.
أولًا: أَنَّ المسائل تضمنت ألفاظًا سُئِلَ عنها ابنُ عباس ليست من الغريب لوضوحها وسهولتها، إذ إنه لو جاز له أن يَسألَ عن معاني أمثال هذه الكلمات: رِئْيَا، حَميم آنٍ، تَتْبِيب، حَنِيذ، رِبِّيون، فما يَجوزُ له أن يسأل عن مثل: عذابٍ أليمٍ، أطعموا البائِسَ، اضربُوا كُلَّ بَنَانٍ، وعشرات غيرها مِمَّا يُعَدُّ متداولًا مفهومًا لا يَحتاج إلى سؤال، حتى لو كان نافع بن الأزرق يقصد بأسئلته التعنت والمُماراة، فالمتوقع من المتعنت والمُجادل أن يَعْمدَ إلى السؤال عن الغامض البعيد، لا إلى الظاهر القريب.
ثانيًا: وجود شواهد شعرية لشعراء بعد نزول القرآن، كحسان بن ثابت وأمية بن أبي الصلت، بل بعد هؤلاء أمثال عمر بن أبي ربيعة، وهؤلاء الشعراء متأثرون فيما قالوا بعد الإسلام بالقرآن بعد أن قرأوه وتدارسوه، وهذا لا يغيب عن سائلٍ كنافعِ بنِ الأزرق، حيث يقول في سؤاله لابن عباس بعد جوابه له:«وهل كانت العرب تعرف ذلك من قبل أن يُنَزَّلَ الكتابُ على محمد صلى الله عليه وسلم» (1). فيستبعد قبول نافع بهذه الشواهد لتأخرها.
ثالثًا: وجود شواهد شعرية في هذه المسائل لشعراء بعد ابن عباس بزمنٍ طويلٍ، وجهالة كثير من قائلي الشواهد، وهذه من العقبات التي واجهت محمد فؤاد عبد الباقي (ت 1388 هـ) حين درس هذه المسائل ضمن «معجم غريب القرآن» . ففي لفظ «الحُسْبَان» تستشهد الرواية عند السيوطي بقول حسان بن ثابت، ويعلق على ذلك عبدالباقي بقوله:«ليس في ديوانه» (2)، وكذلك في ألفاظ أخرى كـ «رِبِّيون» ، و «ضِيْزَى» ، و «المُعْصِرات» (3). هذا دون الكلام عن الأبيات المختلف في نسبتها، أو المنسوبة إلى أكثر من قائل، أو الأبيات التي تصرف فيها الرواة حذفًا أو زيادة.
(1) مسائل نافع بن الأزرق 35.
(2)
معجم غريب القرآن 276.
(3)
انظر: المصدر السابق 282، 294، 296.
رابعًا: طُبِعَ تفسير منسوب لابن عباس، جَمَعَهُ الفيروزآبادي بعنوان «تنوير المقباس» (1)، ولم أجد فيه موضعًا واحدًا استشهد فيه ابن عباس بشاهد من الشعر، مِمَّا يُشكِّكُ في صحة هذا التفسير المنسوب لابن عباس، إضافة إلى أنه من رواية محمد بن مروان السُّدِّي عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهي أوهى الطرق عن ابن عباس (2). وإن كان احتمال حذف الفيروز آبادي - الذي جَمع هذا التفسير - للشواهد الشعرية واردًا؛ رغبةً في الاختصار.
خامسًا: ورد ضمن مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس ما «رُوي عن عكرمةَ أَنَّ نافعَ بنَ الأزرقِ قال لابن عبَّاسٍ: يا أَعمى البصرِ، أَعمى القلبِ، تَزعمُ أَنَّ قومًا يَخرجونَ من النارِ، وقد قال الله جل وعز:{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة: 37](3)؟
فقالَ ابن عباس: ويَحكَ، اقرأ مَا فَوقَها، هَذا للكفارِ» (4).
وهذه الرواية مُنْكَرَةٌ؛ لسوء الأدب مع الصحابي الجليل ابن عباس، وقد أنكرها الزمخشريُّ فقال تعقيبًا عليها:«وكفاك بِما فيه من مواجهةِ ابنِ الأزرقِ ابنَ عَمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو بين أَظْهُرِ أعضَادهِ من قريش، وأَنْضَادِهِ من بَنِي عبد المطلب، وهو حَبْرُ الأُمَّةِ وبَحْرُها ومُفَسِّرُها، بالخِطابِ الذي لا يَجْسُرُ عليهِ أحدٌ من أهل الدنيا، ويرفعهُ إلى عِكرمةَ دَليلينِ نَاصَّيْنِ أَنَّ الحديثَ فِريةٌ مَا فيها مِرْيَةٌ» (5)، وأنكرها
(1) جَمعه الفيروزآبادي من كتب التفسير التي أدخل أصحابها هذا الطريق في تفاسيرهم كالثعلبي والواحدي، وهو طريق لا يعتمد عليه، ولا تصح نسبته لابن عباس. ولا عبرة بما ذكره الزركلي في الأعلام 4/ 95 من ثناءه على هذا التفسير. انظر: تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة لعبد العزيز الحميدي 1/ 27.
(2)
انظر: الإتقان للسيوطي 2/ 189، وحبر الأمة عبد الله بن عباس ومدرسته في التفسير بمكة المكرمة للدكتور عبد الله سلقيني 103.
(3)
المائدة 37.
(4)
تفسير الطبري (هجر) 8/ 407، الكشاف للزمخشري 1/ 630، الدر المنثور 2/ 280.
(5)
الكشاف 1/ 630.
كذلك الزيلعي (1).
سادسًا: استبعاد حصول هذه المسائل بطولها في مجلس واحد، حتى ذهب بعض الباحثين إلى أنه «ليس من المعقول أن يسألَ نافعٌ عن نَحو مائةِ مسألةٍ وخَمسٍ وثَمانينَ كلمةً في مَجلسٍ واحدٍ، ليجيبه ابن عباس بمائة وخَمسةٍ وثَمانين بيتًا من الشعر، تُحفَظُ لِفَورها، ويرويها الحاضرون سماعًا دون نسيان» (2). مع إنه يمكن أن يستأنس بما ذكره المبرد من قوله: «ويروى من غير وجهٍ أن ابن الأزرق أتى ابن عباس يومًا فجعل يسأله حتى أَمَلَّهُ، فجعل ابن عباس يظهر الضجر
…
» (3). مِمَّا يعني أنه قد أطال في الأسئلة على ابن عباس.
سابعًا: اتَّهَمَ بعض الباحثين هذه القصة بالوضع من أساسها، مستدلًا بذلك على وضع الشعر الجاهلي لأسباب دينية، فقال:«أليس من الممكن أن تكون قصة ابن عباس ونافع بن الأزرق قد وُضعت في تكلفٍ وتصنعٍ لغرضٍ من هذه الأغراض المختلفة التي كانت تدعو إلى وضع الكلام وانتحاله، لإثبات أن ألفاظ القرآن كلها مطابقة للفصيح من لغة العرب، أو لإثبات أن عبد الله بن عباس كان من أقدر الناس على تأويل القرآن وتفسيره ومن أحفظهم لكلام العرب الجاهليين؟ » (4). غير أَنَّ هذه الاحتمالات لا تكفي للقطع بوضع هذه القصة، فمن المُحْتَمَلِ أن يكون ابنُ عباسٍ مِمَّن كان يقضي جانبًا من وقته في التماس الشواهد على تفسير الغريب من القرآن، حيث رأى الناس مقبلة على هذا النوع من العلم، فيكون جوابه عن مسائل ابن الأزرق نتيجة بحث سابق، وتأمل غير قليل في القرآن الكريم، فلا غرابة أن يجيب ابن عباس نافعًا عقب كل مسألة
(1) انظر: تَخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكشاف 1/ 394 عند الحديث رقم 411.
(2)
البيان القرآني لمحمد رجب البيومي 94 - 95.
(3)
الكامل 3/ 1152.
(4)
في الشعر الجاهلي لطه حسين 51.