الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستشهاد بالشاهد الشعري في غير موضعه، وإذا أراد الباحث الاستشهاد بالشاهد الشعري على مسألةٍ مُشكلةٍ وَجَبَ عليه مراجعة أقوال العلماء في هذا الشاهدِ، فينظر ما يقوله أهل التحقيق في هذا الشاهد، ودلالته، حتى يتبين له الصواب.
أمثلة تدل على أثر الشاهد الشعري في توجيه القراءات وتعليلها، من جهة نفي الشك عن صحتها، وتصويبها من حيث العربية.
أثر الشاهد الشعري في توجيه القراءات في كتب التفسير:
وأما أَثَرُ الشاهد الشعري في توجيه القراءات والاحتجاج لها فقد رافق الاحتجاجَ للقراءات وتوجيهها منذ بدأت هذه القراءات على يد أئمتها الأُوَل، وقد تقدم احتجاج أبي عمرو بن العلاء لبعض أوجه قراءته التي سُئِلَ عنها، وقد كان الإمام الطبري رائدًا من رواد المفسرين في الاحتجاج للقراءات، وتوجيهها، معتمدًا في ذلك على علمه الغزير بالقراءات، والآثار، وتفسير السلف، واللغة وشعر العرب. وقد صنَّفَ كتابًا مُفردًا في القراءات وعللها والاحتجاج لها، ولكنَّه فُقِدَ ولم يصل إلينا، وقد اطلع عليه الأهوازي المقرئ (1) فقال في وصفه:«وله - أي الطبري- في القراءاتِ كتابٌ جليلٌ كبيرٌ رأيتهُ في ثَماني عشرةَ مُجلدة إِلا أَنَّه كان بِخطوطٍ كبارٍ، ذَكَرَ فيه جَميعَ القراءات من المشهورِ والشواذِّ وعَلَّلَ ذلكَ وشَرَحَهُ، واختار منها قراءة لم يَخرجْ بِها عن المشهور» (2)، غير أن كتابه التفسير ظَلَّ متضمنًا لما يُحتاجُ إليه في التفسير من أوجه التعليل للقراءات وتوجيهها، وهي مواضع كثيرة. وأغلب مسائل النحو التي تعرض لها الطبري في تفسيره، جاءت عند مناقشته للقراءات القرآنية
(1) هو أبو علي الحسن بن علي الأهوازي المقرئ، شيخ القراء في عصره، ولد سنة 362 هـ بالأهواز وتوفي سنة 446 هـ. انظر: غاية النهاية 1/ 219 - 220.
(2)
معجم الأدباء 18/ 45.
وتوجيهها من حيثُ الإعراب، واستشهاده بشواهد النحو الشعرية في ذلك. (1) وكتابهُ في التفسير كتاب تفسيرٍ وتوجيهٍ وتعليلٍ واحتجاجٍ للقراءات.
ثم جاء الزمخشري (ت 538 هـ) فصنف تفسيره «الكشاف» ، واستشهد فيه بشواهد الشعر على توجيه القراءات، لكنه لم يكثر من ذلك، واعتمد في توجيه القراءات على المتقدمين من أهل القراءات، وإن كان قد رَدَّ بعض القراءات المتواترة، لكنه مُقلِّدٌ في ذلك للنحويين المتقدمين كالفراء وغيره (2)، وقد ذكر في تفسيره القراءات الشاذة، وذكر توجيهها، واستشهد لها بالشعر في مواضع متفرقة من تفسيره. (3)
وأما ابن عطية فهو من أكثر المفسرين عناية بالاستشهاد بالشعر لتوجيه معاني القراءات المختلفة في تفسيره، وقد انتفعَ بكتب العلماء الذين سبقوه إلى التصنيف في الاحتجاج للقراءات كأبي علي الفارسي، وابن جني، وابن خالويه، وبكتب التفسير التي عُنيت بذلك وأهمها تفسير الطبري، وقد ذكر ابن عطية من الكتب التي أخذها بالإجازة عن شيوخه كتاب أبي علي الفارسي «الحجة» وهو أَهمُّ كتبِ الاحتجاجِ للقراءات (4)، غير أَنَّ لابن عطية من العلم باللغة والتفسير والقراءات ما جعله يوازن بين احتجاجات المتقدمين للقراءات، ويَختارُ من بينها ما أيَّده الدليل، مِمَّا يدل على شخصيةٍ علميةٍ متميزة، مِمَّا جَعَلَ بعض الدارسين يُفرِدُ جُهودَهُ في القراءات من خلال تفسيره بدراسةٍ مستقلةٍ. (5)
(1) انظر: الطبري النحوي من خلال تفسيره لزكي الآلوسي 39 - 59.
(2)
خزانة الأدب 4/ 420.
(3)
انظر: الكشاف 1/ 14، 33، 105، 356.
(4)
انظر: فهرس ابن عطية 113 - 114، أبو علي الفارسي لعبد الفتاح شلبي 172 وما بعدها.
(5)
انظر: مواقف النحاة من القراءات القرآنية من خلال تفسير ابن عطية الأندلسي، =