الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُركَّبٌ؛ إذ لا صلةَ لـ «ذا» . (1)
ومعنى أنَّ «ماذا» في مَحلِّ رفعٍ على أَنَّها مبتدأ، والمعنى: أيُّ حديثٍ عسى الواشونَ أَنْ يتحدثوا به؟ فلا يقدرون في وشايتهم على أكثر من أن يقولوا: إِنني لكِ مُحِبُّ وعاشق. ومعنى قول ابن عطية: لا صلة لذا، أي لا تكون بمعنى الذي؛ لأن عسى لا تكون صلة للموصول الاسمي. (2)
وتعقبه أبو حيان فقال: «وما ذكره ابن عطية من أنه إذا كانت اسمًا مركبة فهي في موضع نصبٍ إلا في ذلك البيت لا نعرفهُ. بل يجوز أن نقول: مَاذا مَحبوبٌ لك، ومَنْ ذا قائم، على تقدير التركيب، فكأنك قلتَ: ما مَحبوبٌ، ومَنْ قائِمٌ، ولا فرقَ بين هذا وبين مَنْ ذا تضر به، على تقديره: مَن تضرُّ بهِ، وجَعْلِ «مَنْ» مبتدأ». (3)
وقال السمين الحلبي وهو يعدد أحوال «ماذا» : «الثالثُ: أَن يُغَلَّبَ حكمُ «ما» على «ذا» فيُتركا ويصيرا بِمنزلةِ اسمٍ واحدٍ، فيكونَ في مَحلِّ نصبٍ بالفعلِ بعدَهُ، والأجودُ حينئذٍ أَن يُنْصَبَ جوابُه والمبدلُ منه». (4) وهذا الكلام موافق لما ذهب إليه ابن عطية في الآية، وزاد ابن عطية باستثناء إعراب بيت الشعر على هذا الوجه، وذكر أبو حيان أنه لا يعرف هذا الإعراب في البيت. والشاهد من إيراد المثال أن ابن عطية قد أورده ليبين استثناءه من إعرابه كما في الآية.
الاستشهاد للتوجيه الإعرابي
.
أكثر ما يحتج المفسرون للتوجيه الإعرابي عند توجيههم للقراءات
= واكتفى المحقق بذكرها في الحاشية كنسخة أخرى. انظر: 2/ 158.
(1)
المحرر الوجيز (ط. قطر) 2/ 215 - 216، (ط. المغرب) 2/ 157 - 158.
(2)
انظر: البحر المحيط 2/ 151.
(3)
البحر المحيط 2/ 151.
(4)
الدر المصون 1/ 230.
المختلفة نحويًا، وأكثر ما يكونُ ذلك في كتبِ الاحتجاج للقراءات، وكتب إعراب القرآن، وهي حافلة بالشواهد النحوية. (1) ومن أمثلة هذه الشواهد في كتب التفسير:
1 -
في تفسير الطبري عند قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68](2) ذهب الطبري إلى أنَّ «ما» في الآية اسمٌ موصولٌ منصوبٌ بالفعل (يَختار)، وأنها بمعنى (الذي)، ثم يتساءل عن خبر كان فيقول: «فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت من أَنَّ {مَا} اسمٌ منصوب بوقوع (يَختار) عليها فأين خَبَرُ {كَانَ} ؟ فقد علمت أن ذلك إذا كان كذلك كما قلت، أن في {كَانَ} ذكرًا من {مَا} ، ولا بد لكان إذا كان كذلك من تمام، وأين التمام؟
قيل: إن العرب تجعل لحروف الصفات (3) إذا جاءت الأخبار بعدها أحيانًا أخبارًا كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها. ذكر الفراء أن القاسم بن معن أنشده قول عنترة:
أَمِنْ سُميَّةَ دَمعُ العينِ تَذريفُ
…
لو كانَ ذا منكَ قبلَ اليومِ مَعروفُ (4)
فرفع «معروفًا» بحرف الصفةِ - وهو مِنْ -، وهو لا شكَّ خَبَرٌ لـ (ذا)، وذكر أنَّ المفضلَ أنشده ذلك:
لو أَنَّ ذا منكَ قبلَ اليوم معروفُ». (5)
وتقدير الآية على ما ذهب إليه الطبري: «ما كان لهم الخيرة فيه» .
(1) انظر: الحجة في القراءات السبع للفارسي 7/ 242، المحتسب لابن جني 2/ 441 - 473، أعراب القرآن للنحاس 1/ 683 وقد اشتمل على 602 من شواهد الشعر معظمها نحوية.
(2)
القصص 68.
(3)
هي حروف الجر في اصطلاح أهل الكوفة.
(4)
انظر: ديوانه 91، وروايته فيه كما أنشده المفضل.
(5)
تفسير الطبري (هجر) 18/ 299 - 300.
وقد تعقب ابن عطية الطبريَّ، وذكر أنه لا يتجه قوله في البيت إلا على رواية القاسم بن معن، ويكون في (كان) ضمير الشأن، فأما في الآية فلا، لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها مجرور محذوف. (1) فهذا من الاستشهاد للمسائل النحوية عند الطبري وهو كثير. (2)
2 -
وقال الطبري وهو يناقش قراءة حمزة لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229](3): حيث قرأها: {إِلَّا أَنْ يُخَافا} اعتبارًا بقراءة ابن مسعود لها، فقال الطبري: «وقراءة ذلك كذلك اعتبارًا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه خطأ، وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنما أَعملَ الخوفَ في أَنْ وحدَها، وذلك غيرُ مدفوعٍ صحتُهُ، كما قال الشاعر (4):
إذا مِتُّ فادْفِنِّي إلى جَنْبِ كَرْمَةٍ
…
تُروِّي عِظامي بعدَ موتي عُروقُها
ولا تَدفِنَّنِي بالفلاةِ فإِنَّني
…
أَخافُ إذا مَا مِتُّ أَلَاّ أَذُوقَها (5)
فأمَّا قارئهُ (إِلَّا أَنْ يُخَافا) بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكةٍ تسميتُهُ، وفي «أَنْ» فأعمله في ثلاثة أشياء:
المتروك الذي هو اسمُ ما لم يُسمَّ فاعله، وفي «أن» التي تنوب عن شيئين، ولا تقول العرب في كلامها: ظَنَّا أَنْ يقُوما. ولكن قراءة ذلك كذلك صحيحة، على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك، اعتبارًا بقراءة عبد الله الذي وصفنا، ولكن على أن يكون مرادًا به إذا قرئ كذكل: إلا أن يخافا بأن لا يقيما حدود الله، أو: على أن لا يقيما حدود الله، فيكون العامل في «أَنْ» غير الخوف، ويكون الخوف عاملًا
(1) انظر: المحرر الوجيز 12/ 182، البحر المحيط 7/ 129، الدر المصون 8/ 690.
(2)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 1/ 298، 329، 404، 569، 2/ 149، 8/ 210، 298، 9/ 30 - 31، 11/ 242، 12/ 94، 13/ 175، 478، 15/ 206، 497، 16/ 21، 198، 221، 294، 321.
(3)
البقرة 229.
(4)
هو أبو محجن الثقفي.
(5)
انظر: ديوانه 23.
فيما لم يسم فاعله، وذلك هو الصواب عندنا من القراءة». (1)
3 -
أورد القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3](2) ثم ذكر أقوال النحويين في إعراب: {الَّذِينَ} واستحسن قول الفراء (3) والأخفش (4) في كونها فاعلًا للفعل «أَسرَّ» ، حيث دلَّلَ على صحة ذلك بورود ما يشبهه في القرآن الكريم، والشعر فقال: «وهو حَسَنٌ، قال الله تعالى:{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: 71](5) وقال الشاعر (6):
بِكَ نالَ النِّضالُ دونَ المساعِي
…
فاهتدينَ النِّبالُ للأغراضِ (7)
وقال آخرُ (8):
ولكنْ دِيافِيٌّ أَبوهُ وأُمُّهُ
…
بِحَورانَ يَعْصِرنَ السَّليطَ أَقَارِبُهْ». (9)
والبيت الأول لأبي تمام، وهو شاعرٌ مُحدَثٌ لا يستشهدُ بشعره في مثل هذه المسألة، ولكن القرطبي قرنه بالذي بعده وهو للفرزدق. والشاهد في البيت قوله: فاهتدينَ النِّبَالُ، قال التبريزي في شرحه:«قد مر القول في أَنَّهُ يُرَدِّدُ مثلَ هذا الفعلَ الذي يتقدمُ فيه الضميرُ قبلَ الذكرِ، وهو عَربيُّ إلا أَنَّه قليلٌ» (10).
وأما الشاهد في البيت الثاني فقوله: يعصرن السليط أقاربُه. وهو من شواهد سيبويه (11)، وشرحه البغدادي فقال: «فأقاربه فاعلُ يَعْصِرُ،
(1) تفسير الطبري شاكر) 4/ 551.
(2)
الأنبياء 3.
(3)
انظر: معاني القرآن 2/ 198.
(4)
انظر: معاني القرآن 2/ 447.
(5)
المائدة 71.
(6)
هو أبو تمام حبيب بن أوس.
(7)
انظر: ديوانه 2/ 313.
(8)
هو الفرزدق يهجو عمرو بن عفراء. انظر: ديوانه 1/ 46.
(9)
الجامع لأحكام القرآن 11/ 268 - 269.
(10)
شرح ديوان أبي تمام للتبريزي 2/ 313، ومثله المتنبي فإنه يكثر من استعمال هذا الإسلوب في شعره كما ذكر ابن الشجري في أماليه 1/ 201.
(11)
انظر: الكتاب 2/ 40.