الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما تدلُّ عليهِ كلمةِ الحُورِ من معنى البياض في اللغة. قال الطبري: «وهذا الذي قاله مجاهدٌ من أَنَّ الحُوْرَ إِنَّما معناها أَنَّه يَحارُ فيها الطَّرْفُ، قولٌ لا معنى له في كلامِ العرب؛ لأَنَّ الحُورَ إِنَّما هو جَمعُ حَوراء
…
والحَوراءُ إنما هي فَعْلاءُ من الحَوَرِ، وهو نَقاءُ البَياضِ، كما قيلَ للنقيِّ البياضِ من الطعامِ: الحَواريُّ» (1). وذكر مثل ذلك أهل اللغة (2).
الاستشهاد بالشواهد على المعاني الغريبة
.
وقد يكون الاستشهاد بالشعر لغرابة المعنى الذي فسرت به الآية، فيكون ورودها في شواهد الشعر كاشفًا للمراد بها في القرآن، ومؤيدًا لتفسير من فسرها بهذا المعنى الغريب، ومن أمثلة ذلك:
1 -
عند تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الكهف: 52](3) اختلف المفسرون في المقصود بقوله: {مَوْبِقًا} ، فمنهم مَنْ فَسَّرهُ بالعداوةِ، ومنهم من ذكر أنه وادٍ في جهنم، ومنهم مَنْ فسَّرَه بالمَهْلِك. قال ابن عطية: «واختلف المتأولون في قوله: {مَوْبِقًا} ، قال عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك ومجاهد: هو وادٍ في جهنم يَجري بدمٍ وصديدٍ، وقال الحسنُ:{مَوْبِقًا} معناهُ: عداوةً، و {بَيْنَهُمْ} على هذا ظَرفٌ
…
وقال ابن عباس: {مَوْبِقًا} معناهُ: مَهْلِكًا، بِمنْزِلةِ موضع، وهو من قولكِ: وَبَقَ الرجلُ، وأَوبَقَهُ غيرهُ إذا أهلكهُ، و {بَيْنَهُمْ} على هذا التأويلِ يصحُّ أن يكونَ ظَرفًا، والأظهرُ فيه أن يكون اسْمًا، بِمعنى: تواصلهم أمرًا مهلكًا لهم، ويكون {بَيْنَهُمْ} مفعولًا أولًا لِجَعَلْنا». (4)
(1) تفسير الطبري (هجر) 21/ 65، وانظر: تفسير الطبري (هجر) 5/ 443 - 444.
(2)
انظر: تهذيب اللغة 5/ 228 - 229، مقاييس اللغة 2/ 115 - 116، الصحاح 2/ 639، لسان العرب 3/ 385 (حور).
(3)
الكهف 52.
(4)
انظر: المحرر الوجيز 10/ 414 - 415، تفسير الطبري (هجر) 15/ 295 - 298، الجامع لأحكام القرآن.
غير أنَّ أبا عُبيدة ذهب إلى أَنَّ {مَوْبِقًا} بِمعنى: المَوعِد (1)، وقد حكاه الطبري على وجه التضعيف له فقال: «وكان بعضُ أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: المَوبِقُ: المَوعِدُ، ويستشهدُ لقيلهِ ذلك بقول الشاعر (2):
وحادَ شَرورَى فالسِّتَارَ فلَمْ يَدَعْ
…
تِعارًا لَهُ والوادِيَيْنِ بِمَوبِقِ (3)
ويتأَولهُ: بِموعد» (4). وقال ابن عطية عن قول أبي عبيدة: «وعَبَّرَ بعضهم عن المَوبِقِ بالمَوعِدِ، وهذا ضعيف» (5).
فقد ورد تفسير المفسرين للفظةِ بِخلافِ ما ذهبَ إليهِ أبو عُبيدةَ، فلعل أبا عبيدة قد جاء بشاهدٍ من الشعرِ ليستشهدَ بهِ على هذا المعنى، لعلمهِ بغرابته، غير أن أبا عبيدة قد انفرد بهذه الرواية للبيت، كما انفرد بهذا التفسير للآية فلم يقبل المفسرون قوله.
2 -
ورد في قوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97](6) قراءات، فقرأ أبو جعفر من العشرة:{لَنَحْرُقَنَّهُ} (7)، وقيل في تفسيرها: إِنَّها مِن البَرْدِ بالمَبَارِد. قال الطبري: «لنَحْرُقَنَّهُ بفتح النونِ وضمِّ الراء بمعنى لَنَبْرُدَنَّهُ بالمَبَارِدِ، مِنْ حَرَقْتُهُ أَحْرُقُهُ وأَحْرِقُهُ، كما قال الشاعر (8):
(1) انظر: مجاز القرآن 1/ 406.
(2)
هو خفاف بن نُدْبَة السُّلَمي.
(3)
رواية الديوان:
فَجادَ شَرُورَى فالسِّتَارَ فأصبحتْ
…
تَعارُ له فالواديانِ بِمَودقِ
وشَرورى، والستار، ويعار: مواضع في بلاد بني سُلَيم. والمَوْدِقُ: مكانُ الوَدْقِ وهو المَطَرُ. انظر: ديوانه 77، الأصمعيات 26
(4)
تفسير الطبري (هجر) 15/ 298.
(5)
المحرر الوجيز 10/ 415.
(6)
طه 97.
(7)
هي رواية ابن وردان عنه، وقراءة علي بن أبي طالب والأعمش. انظر: النشر 2/ 241، إتحاف فضلاء البشر 1/ 188.
(8)
هو عامر بن شقيق الضبي.