الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرب. ولا يمكن الاطمئنان إلى هذا العدد القليل من الروايات لتحديد ما يمكن أن يُمَثِّل منهجًا للصحابة في الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم - باستثناء ابن عباس وسيأتي الحديث عنه - لقلة ما روي عنهم من ذلك، وليس هناك إلا روايات مفردة لا يمكن أن تشكل منهجًا واضح القَسَمَات.
وقد رُوي عن ابن عباس أنه سأل تلاميذه عن معنى الحَرَجِ في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78](1) وقال: إذا تعانيتم في شيء من القرآن فانظروا في الشعر، فإن الشعر عربي. ثم دعا ابن عباس أعرابيًا، فقال: ما الحرج؟ قال: الضيق. قال: صدقت (2). وقد ذكر ابن الأنباري بعد إيراده عددًا من المسائل عن عبد الله بن عباس، فكان ابن عباس يجيب عن كل سؤال، ويستشهد على جوابه ببيت من الشعر، كثرة ما روي من ذلك عن الصحابة فقال:«وهذا كثير في الحديث عن الصحابة والتابعين - أي الاستشهاد بالشعر في التفسير - إلا أَنَّا نَجْتَزئ بما ذكرنا كراهيةً لتطويل الكتاب، وإنما دعانا إلى ذكر هذا أَنَّ جَماعةً لا علم لهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا معرفة لهم بلغة العرب، أنكروا على النحويين احتجاجهم على القرآن بالشعر» (3). وابن الأنباري قد ذُكِرَ في ترجمتهِ أَنَّهُ كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت من الشواهد الشعرية في تفسير القرآن الكريم (4). ورُبَّما يكون ما ذكره ابن الأنباري صحيحًا، غير أنه لم يُحفظ من هذه الروايات عن الصحابة إلا النَّزْرُ القليل.
أمثلة من تفسير الصحابة واستشهادهم بالشعر:
من تلك الروايات التي رويت عن الصحابة ما رُويَ عن عمر بن
(1) الحج 78.
(2)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 16/ 642.
(3)
إيضاح الوقف والابتداء 1/ 99 - 100، والإتقان 1/ 149.
(4)
انظر: معجم الأدباء 5/ 411.
الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [النحل: 47](1) فسأَلَ عن معنى التَّخُوّفِ. فقام رجلٌ من قبيلةِ هُذيلٍ وقال: «التخوفُ عندنا التنقصُ» ، فلم يُسلِّم له عمر بن الخطاب بجوابه، وإنما طلب حُجةً وشاهدًا على صحة قوله كما هي عادته في التحقق والاستيثاق، فأنشدهُ الهذليُّ قولَ شاعرهم يصف ناقته:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنها تَامِكًا قَرِدًا
…
كَمَا تَخَوَّفَ عُوْدَ النبَّعْةِ السَّفِنُ (2)
فقال عمر رضي الله عنه: «أيها الناس، تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسيرَ كتابكم» (3). وهذا التفسيرُ للتخوِّفِ هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد وغيرِهما (4) من المفسرين وأهل اللغة كابن الأعرابي واللحيانيُّ حيث قال:«تَخوَّفتُ الشيءَ: تنقصته، قال الله عَزَّوَجَلَّ: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} أي: على تَنقُّصٍ» (5).
وفَرَّقَ ابنُ عاشور بينَ: «تَخَوَّفَ» اللازم والمتعدِّي من حيث المعنى، فقال:«التخوُّفُ في اللغة يأتي مصدر «تَخَوَّفَ» القاصر بِمعنى: خافَ، ومصدر «تَخَوَّفَ» المتعدي بِمعنى: تنقَّص، وهذا الثاني لغة هذيل (6)، وهي من اللغات الفصيحة التي جاء بها القرآن» (7). وقد اختلف العلماء كما تقدم في نسبة الشاهد الشعري الذي يستدل به بعض المفسرين في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه، وفي
(1) النحل 47.
(2)
تقدم تخريجه ص 58، وانظر: شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري 78.
(3)
سبق تخريجه، ويضاف: الموافقات 1/ 58، تفسير الطبري (هجر) 14/ 236، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 98، معاني القرآن للزجاج 3/ 201، الجامع لأحكام القرآن 10/ 109، المحرر الوجيز (قطر) 8/ 427 - 429.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 14/ 234 - 238، الجامع لأحكام القرآن 10/ 110، التفسير الصحيح لحكمت بشير 3/ 185.
(5)
أمالي القالي 1/ 212، الجامع لأحكام القرآن 10/ 110.
(6)
التحرير والتنوير 14/ 167.
(7)
انظر: لغة هذيل للدكتور عبد الجواد الطيب 128.
القصة ما يرجح نسبته لشاعر من شعراء هذيل، قد يكون أبو كبير الهذلي وقد يكون غيره، ولذلك قال ابن عاشور:«نسب في الكشاف هذا البيت لزهير، وكذلك في الأساس، وليس زهير بهذلي، ونسبه صاحب اللسان إلى ابن مقبل وليس ابن مقبل بهذلي. وكيف وقد قال الشيخ الهذلي لعمر: قال شاعرنا، فهو هذلي، ووقع في تفسير البيضاوي أن الشيخ الهذلي أجاب عمر بقوله: نعم، قال شاعرنا أبو كبير. وقال الخفاجي: البيت من قصيدة له مذكورة في شعر هذيل، فنسبة البيت إلى أبي كبير أثبت» (1).
والظاهر أن هذه القصة قد وقعت في خلافة عمر رضي الله عنه، ولم أجد أقدم من هذا التفسير لهذه المفردة قبل هذه القصة، مما جعل بعض العلماء يقرر أن الصحابة لم يكونوا يُعنَون بالسؤال عن المعاني الدقيقة للمفردات القرآنية إذا كان السياق العام للآية بيّنًا وظاهرًا، وأن ذلك هو معهود العرب في كلامها وخطابها، وأن العرب «لا ترى الألفاظ تعبدًا عند محافظتها على المعاني، وإن كانت تراعيها أيضًا، فليس أحد الأمرين عندها بِمُلتزم، بل قد تبني على أحدهما مرة، وعلى الآخر أخرى، ولا يكون ذلك قادحًا في صحة كلامها واستقامته» (2). وهذا جارٍ في المعاني والألفاظ والأساليب.
وهذه القصة التي تقدمت عن خفاء معنى «التخوُّف» على عمر رضي الله عنه، ومثلها لفظة «الأبِّ» على أبي بكر رضي الله عنه (3)، ضعفها بعض العلماء (4)، بحجة أن الثقة بِها غير متحققة؛ فإنه من المستبعد أن تبقى غير واضحة لجمهور الصحابة ولاسيما القرشيون، وأبو بكر وعمر هما رأس
(1) التحرير والتنوير 14/ 167.
(2)
الموافقات 2/ 131.
(3)
انظر: الإتقان 2/ 4، فتح الباري 6/ 211.
(4)
انظر: فتح الباري 6/ 211، المفردات لعبد الحميد الفراهي ص 46.
الصحابة، ويخفى عليهما هذا، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُسئل عن معانيها. وذلك أن القرآن الكريم ما نزل إلا للبيان، وقد قال الله تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44](1) ومعنى {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} وضحت، فإن هذا كان اعتراضهم، وأما كونها تفصيلًا لإجْمَالٍ فهذا لا قدح فيه. قال تعالى:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)} [هود: 1](2). وكذلك قوله تعالى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي بعيد عن العقل أن يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام لا يفهمه قومه، فأيُّ فائدة لهذا الكلام؟ ولذلك قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4](3).
غير أنه يمكن القول: إن خفاء بعض الألفاظ على هؤلاء الصحابة وارد، ولا سيما إذا لم تكن من لغة قومهم، ولا يتعلق بمعرفتها حكم شرعي، وكان معناها العام مفهومًا من سياق الآيات. وفي قصة عمر بن الخطاب عندما قرأ قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 31](4) وقوله: «كل هذا قد علمناه، فما الأبُّ؟ ثم ضرب عمر بيده، ثم قال: لعمرك إن هذا لهو التكلف، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب
…
وما يتبين فعليكم به، وما لا فدعوه» (5). وقد عقب الزمخشري على هذه القصة بقوله:«ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفًا عندهم .... ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن» (6).
وقد روى الحاكم أن عمر رضي الله عنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية فقال: «هو نبت الأرض مما تأكله الدواب والأنعام، ولا يأكله الناس» (7). وقال ابن حجر في خبر أبي بكر: إنه منقطع، وفي خبر عمر:
(1) فصلت 44.
(2)
هود 1.
(3)
إبراهيم 4.
(4)
عبس 31.
(5)
تفسير الطبري (هجر)، فضائل القرآن لأبي عبيد 2/ 211، الكشاف 4/ 704 - 705.
(6)
الكشاف 4/ 705.
(7)
المستدرك 3/ 539.
هو صحيح عنه (1).
وقد تعرض أبو عبيدة لتفسير التخوف في هذه الآية فقال: «مَجازُهُ: على تَنقُّص» (2)، ثُمَّ استشهد بشاهدين من الشعر، الأول قول العباس بن مرداس:
أُلامُ عَلى الهِجَاءِ وكُلُّ يومٍ
…
يُلاقِيْنِي مِن الجِيْرانِ غُولُ
تَخَوَّفَ غدرُهُم مَالي وأُهدي
…
سَلاسلَ في الحُلوقِ لها صَليلُ (3)
أي تنقص قدرهم مالي. سلاسلُ: يريدُ القوافي تُنشَدُ فهو صليلُها، وهو قلائد في أعناقهم. والثاني قول طرفة:
وجَاملٍ خَوَّفَ مِنْ نَيبهِ زَجرُ المُعَلَّى أُصُلًا والسَّفيح (4)
خَوَّفَ مِن نِيبِهِ، أي: لا يَدَعُهُ يَزيدُ (5).
فأبو عبيدة قد وافق الهذلي في أن معنى التخوف التنقص، ولكنه لم يورد الشاهد الشعري الذي في قصة عمر، في حين أورد الطبري شاهد الهذلي، وشاهد أبي عبيدة معًا (6).
وهناك مثال آخر على هذا المنهج في التفسير، فقد اختلف عبد الله بن عباس مع معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وقيل
(1) انظر: فتح الباري 6/ 211.
(2)
مجاز القرآن 1/ 360.
(3)
انظر: الأغاني 14/ 314.
(4)
روايةُ الديوان «خَوَّعَ» ، وهي كذلك في لسان العرب، قال في اللسان مادة «خوع»: «والتَّخَوُّع: التَّنَقُّص. وخَوَّعَ مالُه: نَقَص، وخَوَّعَه هو وخَوَّعَ وخَوَّفَ منه؛ قال طرَفةُ ابن العَبد:
وجامِلٍ خَوَّعَ من نِيبِه
…
زَجْرُ المُعَلَّى، أُصُلًا، والسَّفِيحِ
يعني ما يَنحرُ في المَيْسِر منها
…
ويُروى: خَوَّف، والمعنى واحد. وكُلُّ ما نَقص، فقد خَوَّع». انظر: ديوانه 16، ملحق ديوان طرفة في ديوان الشعراء الستة 183، لسان العرب 4/ 247 - 248.
(5)
انظر: مجاز القرآن 1/ 360.
(6)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 14/ 235.
عبد الله بن عمرو في قراءة قوله تعالى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86](1)، فكان معاوية وعمرو يقرآن:{حَامِيَة} ، وكان ابن عباس يقرأ:{حَامِيَةً} . فطلبا من عبد الله بن عباس شاهدًا من الشعر على صحة ما ذهب إليه، فلم يستحضر شاهدًا، غير أنه بعد خروجه لقي نافع بن الأزرق، وكان نافع يحفظ شعر تُبَّع، فأنشده قوله:
فرأَى مغيبَ الشمسِ عند غُروبِها
…
في عَينِ ذي خُلُبٍ وثأطٍ حَرمدِ (2)
والخُلُب هو الطين، والثأط هو الحمأة، والحرمد هو الأسود (3). فأيد هذا الشاهدُ الشعريُّ قراءةَ ابن عباس (4).
وهذان المثالان اللذان تذكرهما كتب التفسير من استشهاد الصحابة بالشعر على تفسير مفردات قرآنية فحسب، يمكن اعتبارها بداية لطريقة أصبحت فيما بعد من الطرق التي اتبعها المفسرون في تفسيرهم للقرآن الكريم بلغة العرب.
ويمكن من خلال الأمثلة القليلة المتوفرة وصف طريقة الصحابة في الاستشهاد بالشعر على تفسير القرآن الكريم، في التالي:
1 -
ذكر الشاهد الشعري مجردًا من الشرح. وذلك كالمثال السابق الذي نُقل عن عمر بن الخطاب، فقد سأل الهذلي عن الشاهد على صحة قوله: إنَّ التخوَّفَ عندهم هو التنقص، فذكر له الشاهد الشعري، فَسَلَّمَ له، ولم يطالبه بشرح بيت الشعر، مع أن الذين ذكروا البيت بعد ذلك شرحو معناه، لخفاء بعض عباراته مثل «التَّامِك» و «القَرِد» و «السَّفَن» (5).
وكذلك ابن عباس في مسائله فإنه لا يزيد على أن يقول ألم تسمع
(1) الكهف 86.
(2)
ينسب هذا البيت لتُبَّع اليماني كما في تفسير القرطبي 11/ 49، والبحر المحيط 6/ 159، ويُنْسَب لأمية بن أبي الصلت كما في ديوانه 335.
(3)
انظر: غريب القرآن لابن قتيبة 270.
(4)
انظر: الكشاف 2/ 744.
(5)
التامك: السنام المرتفع، والقَرِدُ: المرتفع، أو كثيرُ القردان، والسَّفَن: المِبْرَدُ الذي ينحت به الخشب. انظر: الموافقات للشاطبي 1/ 59 حاشية المحقق.
قول الشاعر كذا، أو كما قال الشاعر كذا، من غير شرح وتفصيل. وهذا المنهج في الاستشهاد سببه أن المفسر من الصحابة كان إذا أحال السائل على الشاهد الشعري يحيله على شيء معلوم لديه تمام العلم، لأن الشعر كان هو العلم الذي أتقنته العرب، ولم يكن لهم علم سواه (1)، فكان الشعر سهل الفهم، واضح العبارات، فعندما يحال السائل إليه يكتفي ويستغني عن السؤال. ولذلك حث عمر رضي الله عنه على تعلم الشعر، والحرص عليه، لما فيه من توضيح كثير من ألفاظ القرآن الكريم.
2 -
الاستشهاد بأشعار الجاهليين، والمخضرمين. فأبو كبير الهذلي الذي نُسِبَ إليه الشاهد في قصة عمر رضي الله عنه كان جاهليًا (2)، والبيت الآخر كان لأمية بن أبي الصلت وهو شاعر معاصر لهم (3).
3 -
الاكتفاء بالشاهد الشعري الواحد في الجواب، فلا يطالب السائل بالمزيد من الشواهد الشعرية. ومن الأمثلة غير ما تقدم أن ابن عباس سئل عن معنى الآية:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} [الانشقاق: 17](4) فقال: ما جَمَعَ.
ألم تسمع قول الشاعر: (5)
مُسْتَوسِقَاتٍ لَمْ يَجِدْنَ سَائِقَا (6)
4 -
نسبة الشعر إلى قائله، أو قبيلته. من مثل قول ابن عباس لما سُئِلَ عن معنى قوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4](7) قال: لا تَلْبَسهَا على غَدْرَةٍ ولا فَجْرَةٍ. ثم قال: أَلا تسمعونَ قولَ غيلانَ بنِ سلمة (8):
(1) انظر: طبقات فحول الشعراء 1/ 22.
(2)
انظر: الشعر والشعراء 2/ 670.
(3)
انظر: المصدر السابق 1/ 369.
(4)
الانشقاق 17.
(5)
غير منسوب.
(6)
انظر: مجاز القرآن 2/ 292، وانظر: تفسير الطبري (هجر) 24/ 247، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 68 - 69
(7)
المدثر 4.
(8)
هو غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي، من شعراء الطائف، مخضرم أدرك الإسلام وأسلم. انظر: طبقات فحول الشعراء 1/ 269.
إِنِّي بِحَمْدِ الله لا ثَوبَ فَاجرٍ
…
لَبِسْتُ ولا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ (1)
فهو قد نسب الشاهد لقائله، لتأكيد المعرفة بالشعر وقائله، ولا يمكن القول لتأكيد صحة الاحتجاج، لعد ظهور مسألة عصور الاحتجاج بعد.
6 -
عدم القناعة بغير شواهد الشعر، كما في قصة نافع فقد كانت كل الشواهد من الشعر. ولذلك يقول المبرد: ومِمَّا سأَلهُ - أي نافع بن الأزرق - عنه: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1، 2](2) فقال ابن عباس: تأويله: هذا القرآن. ثم قال المُبَرِّدُ: هكذا جاء، ولا أحفظ عليه شاهدًا عن ابن عباس، وأنا أحسبه لم يقبله إلا بشاهد (3).
فهو يعني أن نافعًا لم يكن ليقبل تفسير ابن عباس إلا بشاهد من شعر العرب، غير أنه لم يحفظ المبرد ذلك الشاهد.
ومن سمات الشواهد الشعرية في تفسير الصحابة أنها جميعها شواهد لغوية، ولم يرد عنهم شاهد على مسألة نحوية لعدم الحاجة إليها، ومن الأدلة على ذلك غير ما تقدم، المسائلُ التي سُئِلَ عنها ابن عباس من نافع بن الأزرق، فكلها شواهد لغوية (4). وستأتي.
وأما عبد الله ابن عباس فهو ترجُمان القرآن، وهو سيد المفسرين لمن بعده، ولم ينقل عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير أكثر مما نقل عنه، وما آتاه الله من العلم بالقرآن إنما حصل له ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، حيث دعا له بقوله:«اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (5). وقد كان مقدمًا على أقرانه عند أمير المؤمنين عمر بن
(1) انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 63، تهذيب اللغة 6/ 127.
(2)
البقرة 1 - 2.
(3)
انظر: الكامل 3/ 1149 - 1150.
(4)
انظر: تاريخ التراث العربي لسزكين 1/ 41، مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس 8.
(5)
مسند الإمام أحمد برقم 2397، 2879، 3032، 3102، طبقات ابن سعد 2/ 365، صحيح ابن حبان برقم 7055، المستدرك برقم 6280، وأصل هذا الحديث في الصحيحين.
الخطاب رضي الله عنه، حتى كان يجعله في العلم في مصاف البدريين مع صغر سنه (1). وكان فقيه الصحابة عبد الله بن مسعود يثني عليه بقوله:«نعم ترجمان القرآن ابنُ عباس» (2). وقد اشتهر عن ابن عباس أنه إذا سُئِلَ عن الشيء من عربية القرآن ينشد الشعر، ويقول إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب (3). ومعنى هذا أنه يُستشهد بالشعر على تفسير القرآن لا على القرآن نفسه (4).
ويُعَدُّ ابنُ عباس أولَ من فتح باب الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم، بمنهجية واضحة يصح أن يقال عنها منهج، وأشهر ما روي عنه من ذلك ما يُعرفُ بمسائلِ نافع بن الأزرق، التي نقلت إلينا، ولأهميتها، وكونها الوثيقة الأولى في هذا المنهج أُفرِدَ لها المبحث الثاني.
(1) انظر: صحيح مسلم، الأثر رقم 3024.
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 366، المصنف 12/ 111، فضائل الصحابة برقم 1562، 1863، تفسير الطبري 1/ 40.
(3)
المصنف برقم 29974، زوائد فضائل الصحابة برقم 1916.
(4)
فضائل القرآن لأبي عبيد الهروي 343، وينظر: مجالس ثعلب 317، وتفسير القرطبي 1/ 24.