الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَمَّا كَفَفْنَا الحَرْبَ كَانتْ عُهُودُكُمْ
…
كَلَمْحِ سَرابٍ في الفَلا مُتَأَلِّقِ (1)
يريدُ بذلكَ: قلتم لنَا: كُفُّوا لِنَكُفَّ. وذلك أنَّ «لعلَّ» في هذا الموضعِ لو كان شَكًّا لم يكونوا وَثَّقُوا لَهُم كلَّ مَوثِق» (2).
واكتفى الطبري بهذا الشاهد الشعري دليلًا على ما اختاره في معنى «لعل» في الآية، مِمَّا أَبَانَ عن منهجه في اعتماد الشاهد الشعري دليلًا منفردًا.
- وفي موضع آخر عند تفسيره قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15](3) قال: «وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} ، فأدخلت الواو في الجواب، كما قال امرؤ القيس:
فَلمَّا أَجَزْنَا سَاحةَ الحَيِّ وانْتَحَى
…
بِنَا بَطْنَ خَبْتٍ ذِي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ (4)
فأَدخلَ «الواو» في جَواب «لَمَّا» ، وإنَّما الكلامُ: فلمَّا أجزنا ساحةَ الحيّ، انتحى بنا. وكذلكَ:{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا} لأن قوله: {وَأَجْمَعُوا} هو الجواب» (5).
وقد سار المفسرون على هذا المنوال في اعتمادهم على الشاهد الشعري منفردًا في كثير من المسائل، وهذا ظاهر للناظر في كتبهم (6).
-
الاعتماد على الشاهد الشعري بتقديمه على غيره من الشواهد
.
لم يتبين لي تعليل مقبولٌ في ترتيب الشواهد عند المفسرين، وإنما يستشهد المفسر على مسألته بما يرد على ذهنه أول وهلة، وبما يحضره حين تأليفه للكتاب، ومن ذلك قول أبي جعفر النَّحاس وهو يبين منهجه
(1) الحماسة البصرية 1/ 25، أمالي بن الشجري 1/ 77، تفسير القرطبي 1/ 277، 12/ 282.
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 1/ 364 - 365.
(3)
يوسف 15.
(4)
انظر: ديوانه 142.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 15/ 574 - 575.
(6)
انظر: الكشاف 3/ 237، 258، 291، 364، المحرر الوجيز 3/ 58، 79، 4/ 219، الجامع لأحكام القرآن 1/ 227، 275، 276، 291، 3/ 53، 108، 342.
في إيراد مسائل اللغة وشواهدها في كتابه: «وأَذكرُ مِن قولِ الجِلَّةِ من العلماءِ باللغةِ، وأَهلِ النَّظَرِ ما حَضَرني» (1)، ثم لا يزال يكثر الأدلة حتى يستوفي. ويقول أبو حيان وهو يذكر صورَ «مَنْ» في اللغة وجوازُ أن يُحملَ الكلام على لفظها أو على معناها، فلما ذكرَ «مَنْ» الموصوفة قال:«ليس مِنْ مَحفوظي مِنْ كلامِ العَرب مراعاةُ المَعْنَى، يعنِي تقولُ: مررتُ بِمَن مُحْسِنونَ لكَ» (2).
فدل على أنه يستشهد بما يحضره حال إملائه لتأليفه، أو تأليفه، بل إن بعض المفسرين قد يَحتاجُ إلى تنقيبٍ وبَحثٍ عن الشواهدِ، فلا تَقَعُ له إلا بعدَ طولِ تتبعٍ ومراجعة، ومن ذلك أَنَّ ابنَ قتيبةَ على سَعةِ مَحفوظهِ من الشِّعرِ، سُئِلَ عن لفظةِ «جهنَّمَ» ، وهل ذُكرت في الشعر القديم فقال: «هذا يحتاج إلى تتبعٍ وطَلَبٍ، وقد تذكرتُ، فلم أذكر إلا شيئًا وجدته في شعر أمية بن أبي الصلت قال
…
» (3). ثُمَّ ذَكَرَ أبياتًا. ومثله الجاحظ على سعة عارضته وحفظه للشاعر يقول بعد أن ذكر بيتًا للنمر بن تولب: «وما أحسن ما قال النمر بن تولب، ولقد جهدت أن أصيب بيت شعر مثل هذا للعرب فما قدرت عليه» (4).
غَيرَ أَنَّ تقديم المفسر في استشهاده للشاهد الشعري على غيرهِ يوحي بنوعِ مَزيَّةٍ له، وقد تقدم الإشارة إلى منهج المفسرين في ترتيب الشواهد الشعرية، وأنهم كثيرًا ما يصدرون الأدلة بالشاهد الشعري، ومن أمثلة تقديم الشاهد الشعري، مما يوحي باعتماده، والاعتضاد بِمَا بعده، ومن ذلك قولُ الطبري عند تفسيره لقوله تعالى:{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13](5): «يقال منه: نَظَرْتُ الرَّجُلَ أَنْظُرُهُ نَظرةً، بِمَعنى: انتظَرْتُهُ وَرَقَبْتُه، ومنه قول الحطيئة:
(1) معاني القرآن الكريم 1/ 42.
(2)
انظر: الدر المصون 1/ 122.
(3)
المسائل والأجوبة 62.
(4)
البرصان والعرجان 293.
(5)
البقرة 104.