الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَكَرًا كان أو أنثى حتى يَموت، ثم جُعِلَ كُلُّ قتلٍ تغريقًا». (1)
فالقرطبي ذكر أن التغريق معناه القتل، وكان هذا كافيًا لفهم الشاهد، لكنه أتى بما وراء ألفاظ الشاهد وهي ما كان يفعله بعض العرب من تغريق المولود في زمن القحط في ماء السَّلَى، فزاد هذا الشاهدَ وضوحًا وجلاءً. وقد ذكر أهل اللغة مثل ذلك. (2)
-
خفاء معنى كثير من لغة العرب لموت أهلها
.
وذكر ابن فارس أنَّ من أسباب الحاجة إلى شرح اللغة ذهاب كثير من لغة العرب، وذهاب من يحسنها، ويفهم معانيها، وأنه قد بقيت مفردات وتراكيب كثيرة خفي معناها على العلماء، ولم تفسر تفسيرًا يطمئنُّ إليه (3)، ولكنني لم أعثر في كتب التفسير على مثال من هذه المفردات التي ذكرها ابن فارس. هذه أهم الأسباب - فيما يظهر - التي دعت المفسرين إلى شرح شواهد الشعر في كتب التفسير.
منهج المفسرين في شرح الشاهد الشعري وبيان دلالته على المعنى:
الشَّرحُ هو الكشفُ والتبيينُ والتوضيح (4)، ويُعَدُّ الشاهدُ الشعري في كتب التفسير جزءًا من التفسير والبيان الذي يؤتى به لتوضيح معاني المفردات والتراكيب في القرآن الكريم، بل إن الشاهد الشعري يعد عند أهل اللغة شارحًا للمفردات، فقد سئل الأصمعي عن معنى الألمعي، فأنشد بين أوس بن حجر:
الأَلمعيُّ الذي يَظُنُّ بكَ الظنَّ
…
كأَنْ قد رأَى وقد سَمِعَا (5)
(1) الجامع لأحكام القرآن 1/ 388 - 389.
(2)
انظر: لسان العرب 10/ 56 (غرق).
(3)
انظر: الصاحبي 58 - 65، المزهر 1/ 66.
(4)
انظر: لسان العرب 7/ 73 (شرح).
(5)
انظر: ديوانه 98.
ولم يزد على ذلك. (1) كما أَنَّ المفسرين لا يتوسعون في شرح الشواهد الشعرية إلا في مواطن الخلاف والردود على غيرهم في فهم الشاهد أو الاستشهاد به. ولذلك فإن المفسرين لم يقصدوا إلى تفسير الشعر على نحو ما يفعل شراح الدواوين، وإنما كانوا يقصدون إلى تفسير القرآن الكريم، والاستدلال على صحة هذا التفسير بالشعر، فشرح الشعر يأتي تبعًا في كتب التفسير، وليس على وجه الاستقلال، ويكون ذلك بقدر حاجة التفسير، وبيانه لمعاني القرآن الكريم.
وقد مرَّ شرحُ الشعرِ بِمراحل منذ نشأته على يد شعراء الجاهلية أنفسهم، حتى استقر على يد أمثال أبي عبيدة والأصمعي ومن في طبقتهم، وأصبح له أعلامه المعروفون، ومنهجه الذي يسير عليه. ثم جاء أبو سعيد السكري فجمع دواوين القبائل والشعراء وشرحها، وليس له في هذا الباب نظير، وأما شرح شواهد الشعر فمن أبرز من تصدى لذلك أبو محمد يوسف السيرافي (ت 385 هـ)، فقد صنف عدة كتب في شرح شواهد الشعر التي وردت في عدة كتب مشهورة بين الناس، فشرح أبيات كتاب سيبويه، وشرح أبيات «إصلاح المنطق» ، وشرح أبيات «مَجاز القرآن» لأبي عبيدة، وأبيات «معاني القرآن» للزجاج، وشرح أبيات «الغريب المصنف» لأبي عبيدة القاسم بن سلام إلى غير ذلك. (2)
وقد قمتُ بِجمعِ كُلِّ الشواهد الشعرية التي شرحها المفسرون، لاستخلاص الأسس المنهجية العامة التي كان يعتمدها المفسرون في شرح الشاهد الشعري، ووازنت بين شرح المفسرين لها وشرح غيرهم لمعرفة حجم الحهد الذي قدمه المفسرون في هذا الباب، وقمت باختيار نماذج من تلك الشروح وعرضتها كأمثلة، وهي تعبر تعبيرًا صحيحًا عن
(1) انظر: الكشاف 3/ 489 - 490.
(2)
انظر: وفيات الأعيان 7/ 72 - 73.