الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: منهج المفسرين في توثيق الشاهد الشعري
.
التوثيقُ مصدرٌ للفعل وَثَّقَ بالتشديد، يقال: وثّقَه توْثيقًا فهو موَثَّقٌ: أحْكَمَه وإنه لموثَّق الخلْقِ، أي: مُحْكَمُه. ويقال: وَثِق به ثقةً، أي: ائْتَمَنَه (1). وأصل مادة «وَثِقَ» يدل على العَقْدِ والإِحكامِ (2).
والمراد بتوثيق الشاهدِ إحكامُ نسبتهِ، سواءً كانت هذه النسبةُ لقائلهِ، أو قَبيلتهِ أو راويهِ، أو من أنشده من المتقدمين، وتوثيقُ الشاهد لدى المعاصرينَ إِحكامُ ورودهِ عندَ المُتقدمين منسوبًا لشاعر أو قبيلة (3).
وقد عُنِي المتقدمون من المفسرين وعلماء اللغة بنسبة الشعر إلى قائليه عند الاستشهاد به على مسائل اللغة والتفسير؛ إذ البيت المجهول القائل تضعف مرتبته عن المنسوب إلى قائله، ومع هذا لا تخلو كتب اللغة والتفسير من الأبيات المجهولة القائل، وقد وقع كثير من المؤلفين في الوهم في نسبة الشواهد الشعرية، فنسبوها لغير قائليها، وممن رأيته شدد في ذلك الإمام الصَّغاني حيث أشار إلى وهم كبار علماء أهل اللغة في نسبة شواهد الشعر فقال عن الأزهري:«وهذا أبو منصور الأزهري شيخ عهده وزمانه، وإمام عصره وأوانه، والمشار إليه في كثرة النُّقَلِ، والمضروب إليه أكباد الإبل، أنشد في «كلل» (4) للعجاج:
حتى يَحُلُّونَ الرُّبى كلالا (5)
(1) انظر: تاج العروس (وثق).
(2)
انظر: مقاييس اللغة 6/ 85.
(3)
انظر: المعجم الوسيط 1011 - 1012.
(4)
انظر: تهذيب اللغة 9/ 451.
(5)
انظر: ديوانه 122.
وهو لرؤبة لا للعجاج، والرواية «قومًا يَحلون» ، وأنشد في «رك ض» لرؤبة:
والنسرُ قد يركضُ وهو هافِ (1)
وهو للعجاج لا لرؤبة.
وأنشد في «ك د س» (2) لعبيد:
وخيلٍ تكدَّسُ بالدَّراعين
…
كمَشي الوُعولِ على الظاهرَة (3)
وهو لمهلهل لا لعبيد» (4).
وأخذ على الجوهري وهمه في نسبة شاهد من الشعر لابن مقبل أوقعه في الخطأ في تقرير المادة اللغوية فقال: «وأما أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، الذي تخر له جباه أهل الفضل، وحكم له بحيازة السبق والنصل، فإنه قال في تركيب (س ع ب)(5)، قال ابن مقبل:
يعلونَ بالمردقوشِ الوردِ ضاحيةً
…
على سَعابيبِ ماءِ الضالةِ اللَّجزِ
ثم قال: «أرادَ اللِّزِج فَقَلَبَه» . وذكر في فصل اللام من باب الزاي: اللَّجِز قَلْب اللِّزج، وأنشد البيت (6). فلو كان هذا المقبل اطلع على ديوان شعر ابن مقبل لعلم أنه ليست له قصيدة زائية وأنها نونية، وأول القصيدة:
قد فرَّقَ الدهرُ بين الحيِّ بالظَّعَنِ
…
وبينَ أهواءِ شرْبٍ يومَ ذي يَقنِ (7)
وقبل البيت الذي ذكره:
يثنينَ أعناقَ أُدْمٍ يَختلينَ بِها
…
حَبَّ الأَراكِ وحَبَّ الضَّالِ مِنْ دَنَنِ
يعلون
…
(1) انظر: تهذيب اللغة 10/ 39.
(2)
انظر: نهذيب اللغة 10/ 46.
(3)
البيت لمهلهل، انظر: ديوانه 37.
(4)
العباب الزاخر واللباب الفاخر 34.
(5)
انظر: الصحاح 1/ 147.
(6)
انظر: الصحاح 2/ 891.
(7)
ديوان ابن مقبل 301.