الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كله (1). ولذلك عده ابن كثير من أخص أصحاب ابن عباس (2).
وقد نقل التابعون أقوالًا عن ابن عباس تحث على الاستعانة بالشعر في التفسير، فعن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال: شهدت ابن عباس وهو يُسأَلُ عن عربية القرآن فينشد الشعر (3). وعن سعيد بن جبير ويوسف بن مهران قالا: ما نحصي كم سمعنا ابن عباس يُسأَلُ عن الشيء من القرآن فيقول: هو كذا وكذا، أما سمعت الشاعر يقول: كذا وكذا (4).
والذين تفرغوا للتفسير من التابعين قليل، وجُلُّ المنقول في التفسير عن مُجاهدِ بنِ جَبْرٍ، وعكرمة، وقتادة، وسعيد بن جبير، والحسن البصري. وأبرز من ظهر في رواياته الاستشهاد بالشعر في التفسير هم أصحاب ابن عباس من التابعين، وأبرزهم في ذلك عكرمة، ثم مُجَاهد، ثم يأتي بعدهما في ذلك عبدالرحمن بن زيد بن أسلم من المدينة المنورة وأما غيرهم فلا تكاد تجد لهم إلا الرواية أو الروايتين، والغالب أنك لا تجد لهم شيئًا في ذلك.
أبرز من عني بالاستشهاد بالشعر من التابعين:
- مُجَاهدُ بن جَبْر (ت 104 هـ). فأما مجاهد فقد انقطع لتفسير القرآن وتعليمه، حتى قال عن نفسه: استفرغ علمي القرآن (5). وقد وردت عنه عدة روايات في التفسير استشهد فيها بالشعر، فمن ذلك قوله عند تفسير قوله تعالى:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} [الرحمن: 22](6) حيث قال: اللؤلؤ، عظام اللؤلؤ، والمرجان: اللؤلؤ الصغار. قال الكلبي: وهي بلغة
(1) انظر: تفسير الطبري 1/ 90.
(2)
انظر: البداية والنهاية 9/ 250.
(3)
انظر: فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 981.
(4)
انظر: المصدر السابق 2/ 963.
(5)
انظر: المعرفة والتاريخ 1/ 712، وسير أعلام النبلاء 4/ 452، غاية النهاية 2/ 42.
(6)
الرحمن 22.
أهل اليمن، وأنشدني شعر جَبَلَةَ بنِ عَدَيٍّ الكِنْدِيِّ الذي يقال له الذائدُ:
أَذُودُ القَوافيَ عَنِّي ذِيَادا
…
ذِيَادَ غُلامٍ تَنَقَّى جِيَادَا
وأَعْزِلُ مَرجَانَهَا جَانِبًا
…
وآَخذُ مِنْ دُرِّهَا المُستَجَادَا (1)
ورُبَّمَا يفسِّر مجاهدُ الآية، ثم ينقل الشاهد الشعري عن ابن عباس، كما في تفسير قوله تعالى:{وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} [الانشقاق: 17](2) حيث قال مجاهد في تفسيرها: مَا جَمَع، قال ابن عباس:
مُسْتَوسِقَاتٍ لَو يَجِدْنَ سَائِقَا (3)
وابن عباس هو أول من استشهد بهذا الشاهد على هذا المعنى، ونقل عنه ذلك مجاهد، ثم تناقله المفسرون بعد ذلك في كتبهم (4).
- عكرمة مولى ابن عباس (ت 105 هـ). وأما عكرمة فقد برز في التفسير باللغة مع الاستشهاد على تفسيره بالشعر، وهو في ذلك يسير على نهج شيخه ابن عباس، فمن الروايات التي رويت عن عكرمة في الاستشهاد بالشعر في التفسير، أنه سأله رجل عن الزنيم، فقال: هو ولد الزنى، وتَمثَّلَ ببيت شعر:
زَنِيْمٌ ليسَ يُعْرَفُ مَنْ أَبُوهُ
…
بَغِيُّ الأُمِّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمِ (5)
وعنه أيضًا، الزنيمُ: الدَّعيُّ الفاحشُ اللئيمُ، ثُمَّ قال:
زَنِيْمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ زِيَادةً
…
كَمَا زِيدَ في عَرْضِ الأَدِيْمِ الأَكَارِعُ (6)
(1) إيضاح الوقف والابتداء 1/ 74 - 75.
(2)
الانشقاق 17.
(3)
تقدم تخريج الشاهد ص، وانظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 66.
(4)
انظر: مجاز القرآن 2/ 291، تفسير الطبري (هجر) 24/ 245، الجامع لأحكام القرآن 20/ 182.
(5)
لم أعرف قائله، وانظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 64.
(6)
البيت لحسان كما في الكامل 3/ 1146، ونسبه محقق الكامل للخطيم التميمي وأنكر أن يكون لحسَّان وأحال لسيرة ابن هشام 1/ 386 - 387، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 1/ 21.
وعن عكرمة في قوله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)} [الرحمن: 48](1) قال: ظل الأغصان على الحيطان (2)، وفي رواية: ذواتا ظل وأغصان، ألم تسمع إلى قول الشاعر (3):
مَا هَاجَ شَوقَكَ مِنْ هَدِيلِ حَمَامةٍ
…
تَدعُو عَلى فَنَنِ الغُصُونِ حَمَامَا
تَدعو أَبا فَرْخَينِ صَادفَ ضَاريًا
…
ذَا مِخْلَبَيْنِ مِن الصُّقُورِ قَطَامَا (4)
وعن عكرمة في قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} [النازعات: 14](5) قال: الساهرة وجه الأرض، وفي لفظ قال: الأرض كلها ساهرة، ألا ترى قول الشاعر (6):
صَيدُ بَحْرٍ وصيدُ سَاهرةٍ (7)
وعن عكرمة: {أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3](8) قال: أن لا تميلوا، ثم قال: أما سَمعت قول أبي طالب:
بِمِيْزَانِ قِسْطٍ وَزنُهُ غَيْرُ عَائِلِ (9)
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه سئل عن قوله: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطارق: 7](10) قال: صلب الرجل وترائب المرأة، أما سمعت قول الشاعر:
ونِظام اللولى على ترائبها
…
شَرِقَا به اللبَّاتُ والنَّحْرُ (11)
- عبدالرحمن بن زيد (ت 182 هـ). ويأتي بعد عكرمة في
(1) الرحمن 48.
(2)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 22/ 240.
(3)
هو ثابت بن كعب الملقب بقُطْنَة، والبيتان مع ثالث في الأغاني 14/ 262.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 22/ 240، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 65، الجامع لأحكام القرآن 1/ 25.
(5)
النازعات 14.
(6)
لم أعرفه.
(7)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 24/ 76، الدر المنثور 15/ 228.
(8)
النساء 3.
(9)
انظر: ديوانه ص 17، تفسير الطبري (شاكر) 7/ 550.
(10)
الطارق 7.
(11)
انظر: الدر المنثور 15/ 350 - 351.
الاستشهاد بالشعر عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، حيث وردت عنه عدة روايات استشهد فيها بالشعر في تفسير القرآن الكريم، فمن ذلك قول ابن زيد في تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة: 46](1) قال: الوتين نياط القلب الذي القلب متعلق به، وإياه عنى الشماخ بن ضرار التغلبي بقوله:
إِذَا بلَّغْتِنِي وحَمَلْتِ رَحْلِي
…
عَرابةَ فَاشْرَقِي بِدَمِ الوَتِيْنِ (2)
وعند تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} [الجن: 15](3) قال الطبري: «وحدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المقسط: العادل، والقاسط: الجائر، وذكر بيت شِعْرٍ (4):
قَسَطْنَا عَلى الأَمْلاكِ في عهدِ تُبَّعٍ
…
ومِنْ قَبلُ مَا أَردَى النفوسَ عِقابُها (5)
وقال ابن زيد في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)} [النحل: 10](6) قال: تَرْعَونَ، قال: الإِسَامَةُ: الرَّعيةُ، وقال الشاعر (7):
مِثلِ ابنِ بَزْعَةَ أَو كآخرَ مثلهِ
…
أَولى لكَ ابنَ مُسيمةِ الأَجْمَالِ (8)
قال: يا ابنَ راعيةِ الأَجْمَال (9).
قال ابن زيد في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59](10) قال: الغيُّ الشرّ، ومنه قول الشاعر (11):
(1) الحاقة 46.
(2)
انظر: ديوانه 198، تفسير الطبري (هجر) 23/ 245.
(3)
الجن 15.
(4)
لم أعرف قائل البيت.
(5)
في روايةٍ «أدرى» بدل «أردى» ، وهي المثبتة في المطبوع، ورجحتُ الثانية وأثبتها هنا لمناسبتها للمعنى. انظر: تفسير الطبري (هجر) 23/ 334.
(6)
النحل 10.
(7)
هو الأخطل التغلبي.
(8)
انظر: ديوانه 249.
(9)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 14/ 183.
(10)
مريم 59.
(11)
هو المرقش الأصغر.
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ
…
ومَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِمَا (1)
وقال ابن زيد في قوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)} [الأنبياء: 19](2) قال: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} لا يَمَلُّون، وذلك الاستحسار. قال: و {لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20](3) و {لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38](4) هذا كُلُّهُ واحدٌ معناه، والكلامُ فيه مُختلفٌ، وهو مِن قولِهِم: بَعِيْرٌ حَسِيرٌ إذا أَعيا وقام (5)، ومنه قول علقمةَ بنِ عبدةَ:
بِهَا جِيَفُ الحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا
…
فَبِيْضٌ، وأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيْبُ (6)
وقال ابن زيد في قوله: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)} [المطففين: 25](7) الرحيق المختوم: الخمر، قال حسان:
يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عَليهمُ
…
بَرَدَى يُصَفِّقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ (8)
وأما بقية التابعين، فلم يحفظ عنهم في الاستشهاد بالشعر على التفسير إلا روايات مفردة، فالشعبي مع كونه شاعرًا ومن أحفظ الناس لشعر العرب (9)، لم يرد عنه إلا رواية واحدة - فيما وقفتُ عليه - عند تفسير قوله تعالى:{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} [النازعات: 14](10) قال الشعبي: بالأرض، ثم أنشد أبياتًا لأمية:
وَفِيها لَحْمُ سَاهِرةٍ وبَحْرٍ (11)
(1) انظر: المفضليات 247، تفسير الطبري (هجر) 15/ 574، والجامع لأحكام القرآن 6/ 84.
(2)
الأنبياء 19.
(3)
الأنبياء 20.
(4)
فصلت 38.
(5)
أي: توقَّفَ عن السَّيْر. انظر: لسان العرب 11/ 355 (قَوَمَ).
(6)
انظر: ديوانه 14، تفسير الطبري (هجر) 16/ 243.
(7)
المطففين 25.
(8)
انظر: ديوانه 122، تفسير الطبري (هجر) 24/ 215، والبَرِيصُ وبَرَدَى نَهْرَان بدمشق. انظر: معجم البلدان 1/ 556، 600.
(9)
انظر خبره مع عبدالملك بن مروان والأخطل في الأغاني 24/ 50.
(10)
النازعات 14.
(11)
انظر: المصنف 10/ 475، الدر المنثور 15/ 228.
وهو مسبوق في الاستشهاد بهذا الشاهد، فقد سبقه إليه ابن عباس رضي الله عنهما.
وأما الضحاكُ فلم يُرو عنهُ إِلَّا روايات قليلة، منها في تفسير قوله تعالى:{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)} [الواقعة: 18](1) قال: الأكوابُ جِرَارٌ ليس لها عُرًى، وهي بالنبطيةِ كوبَا، وإياها عنى الأعشى بقوله:
صَريفيَّةً طَيِّبًا طَعمُهَا
…
لَهَا زَبَدٌ بَيْنَ كُوبٍ ودَنّ (2)
وأما سعيد بن جبير فقد كان مقلًا من الاستشهاد بالشعر، والروايات عنه في ذلك قليلة جدًا، منها عند تفسير قوله تعالى:{وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36](3) قال سعيد بن جبير: القانع: السائلُ الذي يسألُ، ثم أنشد أبياتًا للشمَّاخ:
لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي
…
مَفَاقِرَهُ أَعفُّ من القَنُوعِ (4)
في حين قد فسر ابن عباس القانع بأنه الذي يقنع بما أعطي، والمعتر الذي يعترض الأبواب، وقد سأله نافع بن الأزرق عن شاهد لذلك من الشعر، فقال: أما سمعت قول الشاعر (5):
عَلى مُكْثِريهِمْ حَقُّ مَنْ يَعْتَرِيْهِمُ
…
وعندَ المُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ والبَذْلُ (6)
وأما قتادة بن دعامة فمع إنه من أحفظ التابعين لشعر العرب وأيامها (7)، وقد كان الرجلان من بني أمية يختلفان في البيت من الشعر، فيبردان بريدًا إلى قتادة في البصرة يسأله عن ذلك (8)، إلا أنه لم يُحفظْ
(1) الواقعة 18.
(2)
البيت في ديوانه 17، انظر: تفسير الطبري (هجر) 22/ 297.
(3)
الحج 36.
(4)
انظر: ديوانه 221، والمصنف 10/ 475، والدر المنثور 10/ 508.
(5)
هو زهير بن أبي سلمى.
(6)
انظر: ديوانه 114، الدر المنثور 10/ 508.
(7)
انظر: سير أعلام النبلاء 5/ 277، تذكرة الحفاظ 1/ 123، طبقات المفسرين للداودي 2/ 44.
(8)
انظر: طبقات فحول الشعراء 1/ 61، وإنباه الرواة 3/ 35.