الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أنواع الشواهد الشعرية
.
عُنِيَ علماءُ السلف بحفظ شعر العرب للاستشهاد به في تفسير القرآن الكريم، وحفظ اللغة العربية وقواعدها، والاحتجاج لذلك، وقد ذكر أصحاب التراجم أن أبان بن تغلب (ت 141 هـ) صنَّفَ كتابًا في غريب القرآن، ضمَّنَه عددًا كبيرًا من الشواهد الشعرية (1)، وأَنَّ أبا مِسْحَلٍ الأعرابيّ (2) كان «يروي عن علي بن مبارك الأحمر أربعين ألف شاهد في النحو» (3)، وأنَّ خَلَفَ بن حَيَّان الأحمر المتوفى سنة 180 هـ كان يحفظ أربعين ألف بيت شاهدًا في النحو، سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب (4)، ومن أكثر الناس حفظًا لها أبو القاسم ابن الأنباري (ت 328 هـ)، حيث ذُكِرَ في ترجَمته أنَّه كان يحفظُ ثلاثمائة ألفِ بيتٍ شاهدًا في القرآن (5). وفي ترجمة عبد الوهاب الفاميِّ الشافعي المتوفى سنة 500 هـ ذكر هو عن نفسه أنه صنفَ تفسيرًا ضَمَّنَه مائةَ ألف بيتٍ شاهدًا شعريًا من شواهد التفسير (6). وهذه
(1) انظر: معجم الأدباء 1/ 68.
(2)
هو عبدالوهاب بن حريش أبو مسحل الهمذاني النحوي اللغوي، حدث عن الكسائي، وكان أعرابيًا قدم بغداد وافدًا على الحسن بن سهل. انظر: إنباه الرواة 2/ 218، غاية النهاية 1/ 478.
(3)
انظر: غاية النهاية 1/ 478.
(4)
انظر: تاريخ آداب العرب للرافعي 1/ 354، معجم الأدباء 3/ 298.
(5)
انظر: معجم الأدباء 5/ 411، وفي رسالة صغيرة طبعت مؤخرًا بعنوان «مجلس من أمالي ابن الأنباري» حققها إبراهيم صالح، أكثر ابن الأنباري فيها الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن، صدرت عن دار البشائر.
(6)
انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 249.
الروايات تدلنا على مدى عناية العلماء بحفظ شواهد الشعر لتوظيفها في تفسير القرآن الكريم، والاستشهاد بها على تفسيره ولغته، وأساليبه.
وقد قسَّمَ الرافعيُّ الشواهدَ الشعريةَ إلى قسمين: شواهد القرآن وهي ما يورده العلماء للاستشهاد على ألفاظ القرآن عند تفسيرها وبيان معانيها، ويغلب عليها جانب اللغة. وشواهد النحو وهي ما أورده النحويون في مروياتهم ومصنفاتهم من الشواهد الشعرية التي بنوا عليها القواعد، واستشهدوا بها على مسائل النحو (1). غير أن هذا التقسيم غير حاصر لأنواع الشواهد الشعرية عامة وفي كتب التفسير خاصة. وفي إضافة الشواهد إلى القرآن نوع من التجوز في العبارة، حيث لا يقال: شواهد القرآن، لعدم حاجة القرآن إلى شواهد تؤيده، وإنما يقال شواهد التفسير. وقد نبَّهَ إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلَاّم بعد أن ذكر أنَّ ابنَ عباس كان يُسأَلُ عن القرآن فينُشدُ فيه الشعرَ بقوله:«يعني أنه كان يستشهد به على التفسير» (2).
وقد كان العلماء المتقدمون في اختيارهم للشواهد الشعرية أَهلَ عِنايةٍ بموضوع الشاهد الذي يريدونه، فإن كانت المسألة من الغريب كان لهم نوعُ عنايةٍ بشعرِ بعض القبائل كهُذيلٍ، وبعض الشعراء كرؤبة وأبيه العجَّاج، وإن كانت في المعاني كانت لهم عناية بشعر آخرين. وكنت أظن هذا يحدث اتفاقًا منهم، حتى عثرت على نصٍّ للأصمعي فيه دلالة على أنَّ العلماء كانوا يَختارون شواهدهم على بَينةٍ، فقد روى العسكريُّ بسنده فقال: «أخبَرني أَبي قال: أخبَرنا عَسَلُ بن ذَكوانَ قال: حدّثنا ابنُ أَخي الأصمعيِّ عن عَمِّه قال: تقول الرواة والعلماء: مَنْ أرادَ الغريبَ فعليه بشِعْرِ هُذيلٍ ورَجَزِ رؤبةَ والعجَّاجِ، وهؤلاء يَجتمعُ في شعرهمُ
(1) انظر: تاريخ آداب العرب للرافعي 1/ 354.
(2)
فضائل القرآن لأبي عبيد 343.