الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في تفسيره لقوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر: 68]، وليصرفه عن الدلالة على خلاف قوله الذي ذهب إليه.
الاستشهاد للتفريق بين المعاني المشتركة
.
قد يورد المفسر الشاهد الشعري للتفريق بين معاني مشتركة ورد بعضها في القرآن الكريم.
1 -
من ذلك قول الطبري: «ولا نعرفُ «انظرنا» في كلام العرب إلا بمعنى: انتظرنا، وانظر إلينا.
- فأَمَّا «أَنظِرنا» بِمعنى: انتظرنا، فمنه قول الحطيئة:
وقد نَظَرْتُكُمُ لو أَنَّ دِرَّتَكُم
…
يومًا يَجيءُ بِها مَسْحِي وإِبْساسِي (1)
- وأَمَّا «انظُرنا» ، بمعنى: انظر إلينا، فمنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
ظَاهِراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنظُرْ
…
نَ كما يَنظرُ الأَرَاكَ الظِّباءُ (2)
بمعنى: كما ينظرُ إلى الأَراك الظباءُ». (3)
(1) هذا الشاهد ملفق من بيتين، وقد خلط الطبري هنا بينهما، لطبيعة الإملاء لتفسيره، فقد رواه على وجهه في تفسيره من قبل كما في 2/ 467، 468، ورواية البيتين في الديوان:
لقد مَرَيتُكُمُ لو أَنَّ دِرَّتَكُمْ
…
يومًا يَجيءُ بِها مَسْحي وإِبْساسِي
وقد نَظَرْتُكمُ إعشاءَ صادرةٍ
…
للخِمْسِ طال بِها حَوزي وتَنْسَاسي
قال محمود شاكر تعليقًا على هذا الوهم: «وهذا خطأ لا شك فيه في رواية البيت، وأثبته على حاله؛ لأنه دلالة على عجلة أبي جعفر أحيانًا في كتابة تفسيره، ودليل على حفظه الشعر، ولولا ذلك لم يخلط هذا الخلط
…
ولولا أن أثبت حال أبي جعفر في كتابه، لألغيت البيت المذكور في المتن، ولوضعت هذا البيت
…
».
…
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 8/ 437 حاشية رقم 5، وديوان الحطيئة 45 - 46.
(2)
رواية الديوان: «ظاهرات الجمال والسَّروِ .. » . وهي أجود، والسَّروُ هو الشَّرفُ.
…
انظر: ديوانه 88.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 8/ 437 - 439.
فالطبريُّ قد أَوردَ شاهدين من الشعر للتفريق بين معنى انظرنا من الإنظار، وانظرنا من النظر بالعين الباصرة، وأَنَّ هذين المعنيين هما المعروفان من معاني هذه اللفظة في العربية، وهذا غرض من أغراض الشاهد الشعري اللغوي في الاستدلال به على المعاني الدقيقة، واستعمال العرب لها.
2 -
ومن أمثلة ذلك عند الطبري في تفسيره لمعنى {الْهُونِ} في قوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93](1) حيث فَرَّقَ بين الهُونِ بضم الهاء وفتحها فقال: «العرب إذا أرادت بالهُونِ معنى الهَوان، ضَمَّت الهاء، وإذا أرادت به الرِّفقَ والدَّعةَ وخِفةَ المؤونةِ، فتحت الهاء» . (2) ثم استدل بقول جندل بن المثنى الطهوي (3):
ونَقْضَ أَيَّامٍ نقَضنَ أَسْرَهُ
…
هَونًا وأَلْقَى كُلُّ شيخٍ فَخْرَهُ (4)
على فتح الهاء، وبقول ذي الجدنِ الحميريّ:
هَوْنَكُما لا يَرُدُّ الدهرُ ما فاتا
…
لا تَهْلِكا أَسفًا في إِثْرِ مَنْ ماتا (5)
واستدرك الطبري فقال: «وقد حُكِيَ فتحُ الهاء في ذلك بِمعنى الهوانِ، واستشهدوا على ذلك ببيت عامر بن جوين:
يُهينُ النُّفوسَ وهَوْنُ النُّفُوسِ عند الكريهةِ أَغْلى لَها (6)
والمعروفُ من كلامهم، ضمُّ الهاء منه، إذا كان بمعنى الهَوانِ والذُّلِّ، كما قال ذو الإصبع العدواني:
(1) الأنعام 93.
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 11/ 541.
(3)
شاعر إسلامي راجز، كان يهاجي الراعي النميري. انظر: سمط اللآلي للميمني 2/ 644.
(4)
لم أعثر عليه عند غير الطبري. .
(5)
السيرة النبوية لابن هشام 1/ 39، الأغاني 16/ 70.
(6)
لم أجد من نسبه لعامر غير الطبري، والمشهور أنه للخنساء، وهو في ديوانها 215، والحيوان 6/ 427، وعيون الأخبار 1/ 125، وقواعد الشعر لثعلب 87، والأغاني 13/ 142 وغيرها.
اذهبْ إليكَ فما أُمِّي بِراعيةٍ
…
ترعى المَخاضَ ولا أُغْضِي على الهُونِ (1)
يعني: على الهَوانِ، وإذا كان بمعنى الرِّفْقِ، فَفَتْحُها». (2)
فقد أورد الطبري أربعة شواهد من الشعر للتفريق بين معنى الهَونِ بفتح الهاء وهو الرِّفقُ والسكينة، وبضمِّها بمعنى الهوان، وأن هذا هو المعروف المشهور من كلام العرب، وأنه قد يأتي الهَوْنُ بفتح الهاء بِمعنى الهَوَانِ كما في البيت الذي نسبه الطبري لعامر بن جوين ولكنَّ هذا قليلٌ في كلامهم.
وهذه صورة من صور الاستشهاد اللغوي بالشعر في كتب التفسير، ولكنها قليلة، وأكثر من يعنى بها الطبري وابن عطية في تفسيريهما. وما ذكره الطبري في التفريق بين المعنيين أجودُ مِمَّا ذكره أهل الغريب، من حيث كثرة الشواهد، ووضوح الدلالة، ومعرفة القائل (3)، والمعاجم اللغوية في التفريق بين المعنيين. (4)
3 -
عند تفسير ابن عطية لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187](5)، فسَّرَ الرفثَ بأنه كنايةٌ عن الجِماع؛ لأنَّ الله تعالى كريمٌ يُكنِّي، ثم قال تفريقًا بين معناه في الآية، ومعناه في سياقٍ آخر: «والرَّفَثُ في غير هذا ما فَحُشَ من القول، ومنه قولُ الشاعر (6):
(1) هذا من الشواهد الملفقة، التي رواها الطبري في تفسيره. والبيتان كما في المفضلية 31 هما:
عَفٌّ يؤوسٌ إذا ما خِفتُ مِنْ بَلَدٍ
…
هُونًا، فلستُ بِوقَّافٍ على الهُونِ
عَنِّي إليكَ فما أُمِّي بِراعيةٍ
…
تَرعى المَخاضَ، ومَا رأيي بِمَغبونِ
انظر: المفضليات 160، وقد رواه كما عند الطبري في لسان العرب 15/ 164 (هون).
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 11/ 541 - 542.
(3)
انظر: مجاز القرآن 1/ 200، المفردات 848 - 849، عمدة الحفاظ 4/ 308.
(4)
انظر: الجمهرة، تهذيب اللغة 6/ 440، مقاييس اللغة 6/ 21، لسان العرب 15/ 163 - 165 (هون).
(5)
البقرة 187.
(6)
هو العجاج، وسبق تخريج الشاهد.