الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: لم يُجِبْهُ (1). وهذا الشاهد من أكثر الشواهد دورانًا في كتب التفسير واللغة شاهدًا على هذا الوجه، وهو أن صيغة «افعل» بمعنى «استفعل» (2). قال ابن قتيبة: «شَكرتُكَ وشَكرتُ لكَ، ونَصحتُكَ ونصحتُ لكَ، وكِلْتُكَ وكِلْتُ لكَ، واستجبتُكَ واستجبتُ لكَ، قال الشاعر
…
». ثم ساق بيت الغنوي (3).
4 - الشواهد الصوتية
.
تعرَّض المفسرون في كتب التفسير لقضايا صوتيةٍ كتسهيلِ الهَمز وتَحقيقهِ، والإدغامِ (4)، والإمالةِ وغير ذلك من الظواهر الصوتية. ويوردون الشواهد الشعرية التي تشهدُ لِمَا ذهبوا إليهِ، وهي المقصودة بالشواهد الصوتية.
ومن أمثلة هذه الشواهد:
1 -
ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود: 111](5) من قول الفراء: «وأمَّا مَنْ شَدَّدَ «لَمَّا» (6) فإِنَّه - والله أعلم - أَرادَ: (لَمَنْ مَا لَيُوفينَّهم)، فلما اجتمعت ثلاثُ ميماتٍ حذفَ
(1) المحرر الوجيز 2/ 87.
(2)
مجاز القرآن 1/ 67، 170، 2/ 107، تأويل مشكل القرآن 230، 296، تفسير الطبري (شاكر) 1/ 320، 2/ 49، 3/ 483، 7/ 488، 10/ 435، الكشاف 1/ 456، 2/ 208، 3/ 420، المحرر الوجيز 1/ 130 الدر المصون 1/ 159، الجامع لأحكام القرآن 1/ 148، أمالي ابن الشجري 1/ 95، خزانة الأدب 10/ 437.
(3)
أدب الكاتب 523.
(4)
بدأ الخليل دراسة الأصوات رغبة في ترتيب معجمه اللغوي وبيان سبب ذلك الترتيب، وأما سيبويه فقد درس الأصوات في كتابه لتعلقها بالإدغام وما يَحسُن فيهِ وما لا يَحسُن. انظر: العين 1/ 57، الكتاب 4/ 436، الدراسات الصوتية عند علماء التجويد لغانم الحمد 47 - 48.
(5)
هود 111.
(6)
قرأ بالتشديد عاصم وحمزة وابن عامر وأبو جعفر. انظر: التيسير 126، النشر 2/ 280، الكشف 1/ 536.
واحدةً، فَبقيت اثنتان، فأُدْغِمَت في صاحبتها. ثُمَّ أنشد الفراءُ على ذلك ثلاثة شواهد شعرية. الأول منها قول الشاعر (1):
وإِنِّي لَمِمَّا أُصدرُ الأمرَ وجْهَهُ
…
إذا هو أعيا بالسَّبيلِ مَصادرُهْ (2)
والشاهد في قوله: «لَمِمَّا» ، أصلها «لَمِنْ مَا» ، قُلبت النونُ ميمًا، واجتمعت ثلاثُ ميماتٍ، فحُذفت الوسطى، فصارتْ «لَمِمَّا» . و «ما» على هذا القول بِمَعنى «من» . وما ذهب إليه الفراء في توجيه هذه القراءة ردَّهُ بعضُ النحويِيْن، كابن الحاجب فقال:«وهذا بعيد لا ينبغي أَن يُحملَ عليه كتابُ الله، فإِنَّ حذفَ مثل هذه الميم استثقالًا لم يثبت في كلامٍ ولا شعرٍ، فكيف يُحملُ عليه كتابُ الله تعالى» (3). واختار ابنُ الحاجب أَنَّها لَمَّا الجازمةُ حُذِفَ فعلُها للدلالة عليه، والتقديرُ: لَمَّا يهملوا أو لَمَّا يُتركوا؛ لدلالة ما تقدم من قوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105](4)، ثُمَّ ذكر الأشقياءَ والسعداءَ ومُجازاتِهم، ثم بَيَّنَ ذلكَ بقوله:{لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود: 111]، ثُمَّ ختم بقوله:«وما أَعرفُ وجهًا أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهةِ أن مثله لم يقع في القرآن، والتحقيقُ يأَبَى استبعادَهُ لذلك» (5)، وقالَ بِمِثله أبو حيان (6).
2 -
الشاهد الثاني الذي أورده الفراء قول الشاعر (7):
كأنَّ مِنْ آخِرِها إِلقادِمِ
…
مَخْرِمَ نَجْدٍ قارعَ المَخارِمِ (8)
(1) نُسب البيت مع آخر لثلاثة شعراء هم مُضرِّسُ بن رِبعيِّ، وطُفيل بن عوف، وكعب بن زهير. انظر: شرح أبيات معاني القرآن للدكتور ناصر حسين علي 150.
(2)
انظر: معاني الفراء 2/ 29، تفسير الطبري (شاكر) 15/ 494، روح المعاني 2/ 150.
(3)
الأمالي النحوية 1/ 67 وانظر: مغني اللبيب 3/ 493، حاشية الشهاب 5/ 142.
(4)
هود 105.
(5)
الأمالي النحوية 1/ 68.
(6)
البحر المحيط 5/ 267، وانظر: مشكل إعراب القرآن لمكي 356، الجنى الداني 268.
(7)
لم أعرفه.
(8)
القادم: قادمة ظهر الراحلة، المَخرِمُ: منقطع أنف الجبل، وقيل: الطُّرقُ في الجبال، =
يقول الفراء مُعلِّقًا على مَوطنِ الشاهد: «أَرادَ: إِلى القادمِ، فحذفَ اللامَ عندَ اللامِ» (1) الأولى للتخفيف.
3 -
ومن الأمثلة ما جاء في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة: 38](2). يقول الفراء: «معناه - والله أعلم- «تَثَاقَلْتم» ، فإذا وصلتها العربُ بكلامٍ أدغموا التاءَ في الثاءِ؛ لأَنَّها مناسبةٌ لَها، ويُحدِثون أَلِفًا لَم يكنْ ليبنوا الحرفَ على الإدغامِ في الابتداءِ والوصلِ، وأنشدني الكسائيُّ شاهدًا فيه:
..................................... .... إذا مَا اتَّابَعَ القُبَلُ (3)
والشاهد فيه قوله: «اتَّابَعَ» معناه، تَتَابَعَ، إِلَاّ أَنَّ التاءَ أُدغمت في التاء فاحتيجَ إلى ألفِ الوصلِ، ومثلهُ اثَّاقَلَ، وادَّاركَ، أدغم فيهما المتقاربان واجتُلِبَت الألفُ لِتيسِيْرِ النُّطقِ. (4)
وقال الطبري في قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: 72](5): «وإِنَّما أَصلُ فادَّارَأْتُم فَتَدَارَأْتُم، ولكنْ التاء قريبةٌ من مَخرجِ الدالِ، وذلك أَنَّ مَخرجَ التاء من طرف اللسانِ وأصولِ الشفتينِ، ومَخرجَ الدالِ من طَرفِ اللسانِ وأطرافِ الثَّنِيَّتَيْنِ (6)، فأدغمت التاءُ في الدال، فجُعلت دالًا مشددةً كما قال الشاعرُ
…
». ثم أورد الشاهد السابق، ثم بَيَّنَ مَحلَّ
= والفجاج. انظر: معاني القرآن للفراء 2/ 29، لسان العرب 11/ 67 (قدم)، 4/ 76 (خرم)، تفسير الطبري (هجر) 12/ 594
(1)
معاني القرآن 2/ 29، 144، تفسير الطبري (هجر) 12/ 594.
(2)
التوبة 38.
(3)
له تتمةٌ، وهو غيرُ منسوبٍ في معاني القرآن 1/ 437 - 438، تفسير الطبري (شاكر) 2/ 224، والمحرر الوجيز 2/ 183.
(4)
انظر: الكتاب لسيبويه 4/ 475.
(5)
البقرة 72.
(6)
فيه غرابةٌ في وصفِ مَخرجِ التاءِ والدالِ. فالتاءُ تَخرجُ من فوق الثنايا العليا، مصعدًا إلى جهةِ الحنَكِ يسيرًا مِمَّا يقابلُ طرفَ اللسان، وهي مهموسة، والدال من المخرج نفسه إلا أَنَّها مَجهورَة. انظر: الكتاب 4/ 433، التمهيد لابن الجزري 119.