الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا دليل على شدة تحريم الغيبة، وقبيح أثرها (1).
ومن الأمثلة أيضًا قول القرطبي عند تفسيره قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: 109](2): «وإنما خص الأذقان بالذكر؛ لأن الذقن ها هنا عبارة عن الوجه، وقد يُعَبَّر بالشيءِ عمَّا جَاورَه، وبِبَعضهِ عن جَميعِهِ، فيقال: خَرَّ لوجههِ سَاجِدًا، وإن كان لم يسجد على خَدِّهِ ولا عَينهِ. ومن ذلك قول الشاعر (3):
......................
…
فَخَرَّ صَريعًا لِليدينِ ولِلفَمِ (4)
فهذه أمثلة مختصره عن أوجه اعتماد القرطبي وغيره من المفسرين على الشاهد الشعري في كتب التفسير، وسيأتي مزيد من الأمثلة.
-
شعراء شواهد التفسير:
تفاوتت حظوظ الشعراء في الاستدلال بشعرهم في كتب التفسير تفاوتًا كبيرًا، فمنهم من أكثر المفسرون من الاستشهاد بشعره كالأعشى البكري، والنابغة الذبياني، وامرئ القيس الكِنديِّ من شُعراءِ الجاهليةِ، ولبيد بن ربيعة العامري، والعجاج، وجرير، والفرزدق ثلاثتهم من تميم، وذي الرُّمَّةِ العَدويِّ من شعراء الإسلام.
وقد قمتُ بِحَصر جَميع الشواهد في كتب التفسير التي درستها وقائليها، ونسبت كُلَّ شاعرٍ إلى قبيلته وعصرِه، ومقدار الشعر الذي استُشهِدَ به من شعره لدى كُلِّ مفسرٍ من المفسرين الذين شَملتهم هذه الدراسة، وقيدتُ ذلك في جدول، وقد رتبتُ أسماء الشعراء بحسبِ كثرةِ
(1) انظر: المثل السائر 1/ 189.
(2)
الإسراء 109.
(3)
هو جابر بن حني التغلبي.
(4)
صدره:
تَنَاوَلَه بالرمحِ ثُمَّ اتَّنَى لَهُ
…
................................
واتَّنَى أي: انثنى أدغم النون في الثاء ثم أبدلها تاءً. فوقع فيها إدغام وإبدال. انظر: المفضليات 441.
شواهدهم في كتب التفسير، مبتدأً بأكثرهم، ومبينًا أمام كلِّ شاعرٍ قبيلتَهُ التي ينتسبُ إليها، وعصره الزمني الذي عاش فيه، والمفسر الذي استشهد بشعره، وقد استبعدت من الجدول من لم يكن له من الشعراء إلا شاهد واحد، أو شاهدان خشية إطالة الإحصاء بما لا غناء به على القارئ ولا على البحث:
• الشعراء الذين اعتمد عليهم المفسرون في الاستشهاد:
م
…
الشاعر
…
القبيلة
…
العصر
…
الطبري
…
الزمخشري
…
ابن عطية
…
القرطبي
1
…
الأعشى ميمون بن قيس
…
بكر
…
جاهلي
…
118
…
23
…
112
…
130
2
…
النابغة الذبياني
…
غطفان
…
جاهلي
…
53
…
8
…
48
…
96
3
…
لبيد بن ربيعة العامري
…
هوازن
…
مخضرم
…
46
…
14
…
45
…
81
4
…
العجاج
…
تَميم
…
إسلامي
…
44
…
7
…
16
…
49
5
…
رؤبة بن العجاج
…
تَميم
…
إسلامي
…
44
…
15
…
20
…
45
6
…
جرير بن عطية
…
تميم
…
إسلامي
…
37
…
14
…
51
…
73
7
…
ذو الرمة
…
الرِّبَاب
…
إسلامي
…
34
…
19
…
46
…
61
8
…
حسان بن ثابت
…
الأزد
…
مُخضرم
…
30
…
16
…
46
…
102
9
…
الفرزدق
…
تَميم
…
إسلامي
…
30
…
21
…
44
…
49
10
…
امرؤ القيس
…
كندة
…
جاهلي
…
30
…
17
…
76
…
153
11
…
زهير بن أبي سلمى
…
مزينة
…
جاهلي
…
28
…
14
…
47
…
89
12
…
أمية بن أبي الصلت
…
ثقيف
…
جاهلي
…
26
…
2
…
16
…
52
13
…
أبو ذؤيب الهذلي
…
هذلي
…
مخضرم
…
24
…
4
…
22
…
31
14
…
الأخطل
…
تغلب
…
إسلامي
…
23
…
4
…
15
…
16
15
…
عنترة بن شداد
…
عبس
…
جاهلي
…
18
…
3
…
14
…
55
16
…
النابغة الجعدي
…
هوازن
…
مخضرم
…
16
…
3
…
9
…
25
17
…
عدي بن زيد العبادي
…
تَميم
…
إسلامي
…
16
…
2
…
24
…
24
18
…
الطرماح بن حكيم
…
طيء
…
إسلامي
…
16
…
1
…
9
…
7
م
…
الشاعر
…
القبيلة
…
العصر
…
الطبري
…
الزمخشري
…
ابن عطية
…
القرطبي
19
…
أوس بن حجر
…
تَميم
…
جاهلي
…
15
…
1
…
9
…
16
20
…
الحطيئة
…
عبس
…
مخضرم
…
14
…
8
…
11
…
25
21
…
أبو النجم العجلي
…
بكر
…
إسلامي
…
14
…
4
…
3
…
20
22
…
عبدالمطلب بن هاشم
…
قريش
…
جاهلي
…
14
…
2
…
0
…
4
23
…
تميم بن مقبل
…
هوازن
…
مخضرم
…
13
…
0
…
14
…
18
24
…
كعب بن مالك
…
الأزد
…
إسلامي
…
13
…
0
…
14
…
14
25
…
طرفة بن العبد
…
بكر
…
جاهلي
…
13
…
3
…
15
…
19
26
…
كعب بن زهير
…
مزينة
…
مخضرم
…
10
…
1
…
8
…
14
27
…
أبو الأسود الدؤلي
…
كنانة
…
مخضرم
…
10
…
1
…
3
…
9
28
…
حاتم الطائي
…
طيء
…
جاهلي
…
9
…
2
…
3
…
15
29
…
عمرو بن كلثوم
…
تغلب
…
جاهلي
…
8
…
3
…
9
…
21
30
…
الكميت بن زيد
…
أسد
…
إسلامي
…
8
…
4
…
11
…
17
31
…
القطامي التغلبي
…
تغلب
…
إسلامي
…
8
…
3
…
8
…
9
32
…
عبيد بن الأبرص
…
أسد
…
جاهلي
…
8
…
2
…
5
…
7
33
…
ابن أحمر الباهلي
…
باهلة
…
مخضرم
…
8
…
4
…
2
…
7
34
…
عامر بن الطفيل
…
بنو عامر
…
جاهلي
…
8
…
3
…
3
…
4
35
…
الشماخ بن ضرار
…
ذبيان
…
مخضرم
…
7
…
4
…
7
…
19
36
…
الأحوص الأنصاري
…
الأزد
…
إسلامي
…
7
…
2
…
3
…
8
37
…
عبد الله بن الزبعرى
…
قريش
…
مخضرم
…
7
…
3
…
3
…
8
38
…
توبة بن الحمير
…
هوازن
…
إسلامي
…
7
…
1
…
1
…
4
39
…
الراعي النميري
…
هوازن
…
إسلامي
…
6
…
2
…
8
…
21
40
…
النمر بن تولب
…
الرِّباب
…
مخضرم
…
6
…
2
…
7
…
12
41
…
يزيد بن مُفَرِّغ الحميري
…
حمير
…
إسلامي
…
6
…
3
…
5
…
7
42
…
معبد بن أبي معبد
…
خزاعة
…
جاهلي
…
6
…
1
…
3
…
6
43
…
المتنخل الهذلي
…
هذيل
…
مخضرم
…
6
…
1
…
0
…
6
م
…
الشاعر
…
القبيلة
…
العصر
…
الطبري
…
الزمخشري
…
ابن عطية
…
القرطبي
44
…
الأسود بن يَعْفُر
…
تَميم
…
جاهلي
…
6
…
3
…
5
…
3
45
…
علقمة بن عبدة
…
تميم
…
جاهلي
…
5
…
2
…
11
…
12
46
…
جميل بن معمر
…
قضاعة
…
إسلامي
…
5
…
4
…
2
…
7
47
…
حُميد الأرقط
…
تَميم
…
إسلامي
…
5
…
1
…
1
…
5
48
…
دريد بن الصمة
…
هوازن
…
جاهلي
…
5
…
2
…
13
…
5
49
…
ليلى الأخيلية
…
هوازن
…
إسلامية
…
5
…
1
…
2
…
4
50
…
أبو زبيد الطائي
…
طيء
…
مخضرم
…
5
…
2
…
3
…
3
51
…
خفاف بن ندبة
…
سليم
…
جاهلي
…
5
…
2
…
1
…
2
52
…
فرعان بن الأعرف
…
تميم
…
مخضرم
…
5
…
1
…
1
…
1
53
…
العباس بن مرداس
…
سليم
…
مخضرم
…
5
…
2
…
4
…
2
54
…
عمر بن أبي ربيعة
…
قريش
…
إسلامي
…
4
…
5
…
4
…
24
55
…
عبد الله بن رواحة
…
الخزرج
…
مخضرم
…
4
…
3
…
3
…
15
56
…
الخنساء
…
سليم
…
مخضرمة
…
4
…
4
…
8
…
12
57
…
بشر بن أبي خازم
…
أسد
…
جاهلي
…
4
…
2
…
2
…
6
58
…
عبد الله بن قيس الرقيات
…
قريش
…
إسلامي
…
4
…
6
…
6
…
5
59
…
سلامة بن جندل
…
تَميم
…
جاهلي
…
4
…
1
…
4
…
4
60
…
ضباعة بنت عامر
…
قشير
…
جاهلية
…
4
…
1
…
0
…
4
61
…
عمرو بن معد يكرب
…
مذحج
…
مخضرم
…
4
…
2
…
9
…
2
62
…
جلهمة بن الخيبري
…
-
…
جاهلي
…
4
…
1
…
1
…
1
63
…
عمرو بن جلهاء
…
مدين
…
جاهلي
…
4
…
1
…
3
…
3
64
…
مسكين الدارمي
…
تَميم
…
إسلامي
…
3
…
1
…
1
…
5
65
…
زياد الأعجم
…
عبد القيس
…
إسلامي
…
3
…
2
…
0
…
5
66
…
الأشهب بن رميلة
…
تميم
…
إسلامي
…
3
…
1
…
4
…
4
67
…
ساعدة بن جؤية الهذلي
…
هذلي
…
جاهلي
…
3
…
1
…
3
…
4
68
…
خداش بن زهير
…
هوازن
…
جاهلي
…
3
…
1
…
1
…
4
م
…
الشاعر
…
القبيلة
…
العصر
…
الطبري
…
الزمخشري
…
ابن عطية
…
القرطبي
69
…
إبراهيم بن هرمة
…
قريش
…
إسلامي
…
3
…
2
…
3
…
4
70
…
شريح بن طبيعة الحطم
…
بكر
…
مخضرم
…
3
…
1
…
1
…
3
71
…
زائدة بن صعصعة
…
فقعس
…
-
…
3
…
1
…
0
…
3
72
…
أبو عمرو بن العلاء
…
مازن
…
إسلامي
…
3
…
1
…
0
…
3
73
…
أحيحة بن الجلاح
…
الأزد
…
جاهلي
…
3
…
1
…
2
…
3
74
…
علباء بن أرقم اليشكري
…
بكر
…
جاهلي
…
3
…
1
…
0
…
3
75
…
المرقش الأكبر
…
بكر
…
جاهلي
…
3
…
1
…
2
…
3
76
…
المسيب بن علس
…
بكر
…
جاهلي
…
3
…
1
…
1
…
3
77
…
حذيفة بن بدر اليربوعي
…
تميم
…
جاهلي
…
3
…
1
…
0
…
3
78
…
غيلان بن سلمة الثقفي
…
ثقيف
…
جاهلي
…
3
…
1
…
1
…
3
79
…
نفيل بن حبيب الخثعمي
…
خثعم
…
جاهلي
…
3
…
0
…
0
…
3
80
…
المتلمس الضبعي
…
ضبيعة
…
جاهلي
…
3
…
1
…
3
…
3
81
…
أسيد بن عنقاء الفزاري
…
فزارة
…
جاهلي
…
3
…
0
…
0
…
3
82
…
زيد بن عمرو بن نفيل
…
قريش
…
جاهلي
…
3
…
0
…
1
…
3
83
…
عمرو بن قميئة
…
قيس
…
جاهلي
…
3
…
1
…
0
…
3
84
…
جران العَوْد
…
نمير
…
جاهلي
…
3
…
0
…
0
…
3
85
…
عبدمناف بن ربعي
…
هذيل
…
جاهلي
…
3
…
1
…
1
…
3
86
…
أبو نخيلة السعدي
…
تَميم
…
إسلامي
…
3
…
0
…
1
…
3
87
…
الزبرقان بن بدر
…
تميم
…
مخضرم
…
3
…
0
…
0
…
3
88
…
زيد الخيل الطائي
…
طيء
…
مخضرم
…
3
…
0
…
4
…
3
89
…
ذو الأصبع العدواني
…
عدوان
…
مخضرم
…
3
…
1
…
3
…
4
90
…
أبو عنقاء الفزاري
…
فزارة
…
مخضرم
…
3
…
0
…
0
…
3
91
…
مقيس بن صبابة الفهري
…
قريش
…
مخضرم
…
3
…
0
…
2
…
3
92
…
أمية بن الأسكر
…
كنانة
…
مخضرم
…
3
…
1
…
1
…
3
93
…
مالك بن عوف
…
هوازن
…
مخضرم
…
3
…
0
…
1
…
3
وقد استبعدت الشعراءَ الذين ليس لهم في كتب التفسير وخاصة الطبري إلا شاهدٌ واحدٌ أو شاهدان، وعددهم مائتان واثنان وسبعون شاعرًا (272) تقريبًا، وقد لخصت عصورهم مع غيرهم في الجدول الآتي:
عدد الشواهد
…
عدد الشعراء
الجاهليين
…
المخضرمين
…
الإسلاميين
…
المجهولين
…
المَجموع
10 فأعلى
…
9
…
8
…
10
…
0
…
27
5 -
9
…
9
…
8
…
9
…
0
…
26
3 -
4
…
20
…
5
…
8
…
1
…
39
2
…
18
…
7
…
6
…
31
…
42
1
…
74
…
36
…
56
…
166
…
265
المَجموع
…
130
…
64
…
89
…
198
ومن خلال هذين الجدولين لأسماء الشعراء في كتب التفسير، وعدد شواهدهم، يتضح ما يلي:
أولًا: أن المفسرين قد اعتمدوا على شعراء الجاهلية اعتمادًا كبيرًا، وأنهم لم يكونوا يعدلون بشعرهم شعر غيرهم، والدليل على ذلك أن الطبري قد استشهد بشعر مائة واثنين وعشرين شاعرًا جاهليًا أمكن معرفتهم، وقد يكون من جُملة الأبيات المَجهولة من قالها من شعراء الجاهلية، من مجمل شعراء الشواهد الذين استشهد الطبري بشعرهم وعددهم يصل إلى ثلاثمائة وعشرة شعراء، وهي نسبة تُمثلُ 39.3 % من شعراء الطبري في تفسيره.
وقد استشهد لهم بِمَا يزيد عن خَمسمائةٍ وخَمسينَ شاهدًا شعريًا من مجموع شواهده المنسوبة التي بلغت ألفًا وثلاثمائة وأربعين شاهدًا شعريًا، وهو يمثل نسبة 41% من الشعر المنسوب في تفسير الطبري
لشعراء الجاهلية. يقول الأصمعي: جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عَشْرَ حِجَجٍ، فلم أسمعهُ يَحتجُّ ببيتٍ إِسلاميٍّ (1). وقد تأثر المفسرون بمنهج أبي عمرو فقدموا شعراء الجاهلية، وأكثروا من الاستشهاد بشعرهم. ورغبة في موازنة منهج المفسرين بمنهج أهل اللغة عمدت إلى «لسان العرب» (2) لابن منظور لأنظر نصيب شعراء الجاهلية من شواهده الشعرية، فوجدت أن ابن منظور قد استشهد بما يزيد عن اثنين وثلاثين ألف شاهد من الشعر، المنسوب منها لقائله بلغ واحدًا وعشرين ألفًا، وأغفل الباقي، وقد درس أحد الباحثين هذا فظهر له أن الشعراء الذين نسبت إليهم هذه الشواهد وأمكن معرفة عصورهم الأدبية بلغوا ثلاثمائة شاعر، جاءت نسبتهم لعصورهم كما يأتي:
40 % ينتمون للعصر الجاهلي، و 10 % من طبقة الشعراء المخضرمين الذين أدركوا الإسلام، و 15 % من شعراء صدر الإسلام، و 30 % من الشعراء الأمويين، ونسبة ضئيلة جدًا تقارب 0.5 % ينتمون للعصر العباسي (3). وهذا يعني أن نسبة شعراء الجاهلية تقارب النصف، والنصف الآخر ينتمي للعصر الإسلامي والأموي، وهذه نتيجة مقاربة لما في كتب التفسير أيضًا.
ثانيًا: يأتي الشاعر الأعشى في مقدمة شعراء الجاهلية عند الطبري، فقد استشهد له الطبري بمائة وثمانية عشر شاهدًا، واستشهد له القرطبي بمائة وثلاثين شاهدًا شعريًا، ولعل هذا نتيجة عناية العلماء قديمًا بشعره،
(1) انظر: إنباه الرواة 4/ 133.
(2)
اخترت لسان العرب لأَنَّه جَمع خَمسةَ معاجم لغوية متقدمة هي تَهذيب اللغة للأزهري، والمُحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، مع حواشي ابن بري عليه، والنهاية لابن الأثير. ولم يكن لابن الأثير إلا النقل، دون أن يغير شيئًا منه كما ذكر في مقدمته. انظر: لسان العرب 1/ 18 - 19.
(3)
انظر: معجم الشعراء في لسان العرب للدكتور ياسين الأيوبي 23 - 24.
فقد كان أبو عمرو بن العلاء يحث تلاميذه على العناية بشعر الأعشى للاستشهاد به، حيث يقول:«عليكم بشعر الأعشى» (1). وكان أهل الكوفة - وهم أهل رواية الشعر - يُقدِّمونَ الأعشى على غيره (2)، وقد تضمنت كتب التفسير كثيرًا من شعره، بل تكاد تجد قصائد له استشهد المفسرون بغالب أَبياتِها، مثل قصيدته الرائية التي مدح بها عامر بن الطفيل في المنافرة بينه وبين عمرو بن علاثة، ومطلعها:
شَاقَتْكَ مِنْ قَتْلَةَ أَطْلالُهَا
…
بِالشَّطِّ فَالوِتْرِ إلى حَاجِرِ (3)
فقد استشهد المفسرون بأكثر أبياتها على مسائل لغوية، وصرفية وغيرها (4)، كما ورد كثير من أبيات معلقته في كتب التفسير (5).
ويأتي بعده النابغة الذبياني الذي استشهد له بثلاثةٍ وخَمسين شاهدًا شعريًا، أكثرُها من معلقته التي مطلعها:
يا دَارَ ميَّةَ بالعلياءِ فالسَّنَدِ
…
أَقْوَتْ وطَالَ عليها سَالفُ الأَبَدِ (6)
ثم يأتي في المرتبة الثالثة بين شعراء الجاهلية عند الطبري امرؤ القيس بن حجر، فقد استشهد له الطبري بثلاثين شاهدًا شعريًا، معظمها من معلقته، وقصيدته اللامية التي لا تقل جودة عن معلقته، والتي مطلعها:
أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُّها الطَّلَلُ البَالي
…
وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخَالي (7)
(1) انظر: جمهرة أشعار العرب 1/ 201 وما بعدها.
(2)
انظر: طبقات فحول الشعراء 1/ 52.
(3)
انظر: ديوانه 189.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 2/ 433، 9/ 173، 2/ 20، 10/ 308، 1/ 504، 24/ 113، 9/ 145، 146، 4/ 618، 17/ 466، 20/ 556، 24/ 114، مجاز القرآن 1/ 36، 187، 219، 2/ 89، 153، 202، 286.
(5)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 4/ 673، 10/ 203، 15/ 77، 305، 18/ 470، 471، 21/ 156، 571.
(6)
انظر: ديوانه 19.
(7)
انظر: ديوانه 27.
في حين جاء امرؤ القيس في مقدمة الشعراء جَميعًا عند القرطبي في تفسيره، فقد استشهد له القرطبيُّ بِمائةٍ وثلاثةٍ وخَمسين شاهدًا شعريًا، ثم يتسلسل الشعراء الجاهليون بعد ذلك فيأتي زهير، وعنترة، وطرفة الذين يبين الجدول مقدار شواهدهم الشعرية عند الطبري وعند غيره.
ثالثًا: أما الشعراء المخضرمون فقد استشهد الطبري بشعر سبعةٍ وستين شاعرًا مُخضرمًا، وهم يُمثلون 21.6% من مجموع الشعراء لدى الطبري، وقد استشهد لهم بِمائتين وثلاثة وسبعين شاهدًا شعريًا، وأوفرهم حظًا في الاستشهاد بشعره عند الطبري هو لبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه فقد استشهد له باثنين وأربعين بيتًا من الشعر، ثم يأتي بعده أمية بن أبي الصلت وله من الشواهد الشعرية أربعة وعشرون شاهدًا، ثم يأتي حسان بن ثابت رضي الله عنه وله سبعة عشر بيتًا، وهكذا بقية الشعراء المخضرمين كما هو في الجدول.
رابعًا: أما الشعراء الإسلاميون فيقاربون المخضرمين من حيث النسبة، فقد استشهد الطبري بشعر أربعةٍ وستين شاعرًا أي 20.6 % من مجموع شعراء الطبري، وأورد لهم من الشواهد ثلاثمائة وتسعة وسبعين شاهدًا شعريًا.
ويأتي على رأس شعراء الإسلام عند الطبري من حيث عدد الشواهد الشعرية العَجَّاجُ الراجز حيث أورد له أربعة وأربعين شاهدًا شعريًا، ثم يأتي بعده جرير بن عطية وله سبعة وثلاثون شاهدًا شعريًا، ومثله الفرزدق وله ستة وثلاثون شاهدًا وهكذا كما هو مبين في الجدول. ويبقى بعد ذلك ما يقارب 19% من شعراء الطبري لم أستطع تحديد عصرهم الزمني، ولعل البحث يكشف مستقبلًا عن تحديد عصورهم الزمنية فتكون النتائج أكثر دقة.
خامسًا: تَبَيَّنَ من خلال الجدول التزام المفسرين بِما قرره العلماء
في الاحتجاج بشعر الشعراء، حيث لم يستشهد الطبري بشعر أحد من الشعراء المُحدثين، وتوقف في استشهاده عند ثلاثة شعراء كان العلماء يجعلونهم آخرَ الحُججِ، وهم إبراهيم بن هَرْمة (ت 176 هـ)، حيث استشهد له بثلاثة شواهد (1)، وابن ميادة الذبياني (ت 149 هـ) استشهد له بشاهد واحد (2)، وأبو نخيلة الراجز (ت 145 هـ) استشهد له بثلاثة شواهد (3)، وقد أدخلت هؤلاء الثلاثة في الإسلاميين لأنهم عاشوا أكثر حياتهم في الدولة الأموية في البادية، ولذلك يقول الأصمعي (216 هـ):«سَاقَةُ الشعراءِ ابنُ ميَّادةَ (ت 149 هـ)، وابنُ هَرْمَةَ (ت 176 هـ)، ورُؤبَةُ (ت 145 هـ)، وحَكَمُ الخُضَريُّ (150 هـ)، ومَكينُ العُذريُّ (160 هـ)، وقد رأيتُهم أجْمعين» (4).
وأما الزمخشري فقد استشهد ببيت مفرد لأبي تمام ولم يقرنه بغيره وقد تقدم، ورأيته عند تفسيره لقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187](5)، وذكر ما روي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه في فهمه للآية، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم له:«إِنَّكَ لَعَريضُ القَفَا» . فأشار الزمخشري إلى أن هذا القول يشار به إلى قلة الفطنة، فقال: «قلتُ: غَفَلَ عن البَيَانِ، ولذلك عَرَّض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قفاه؛ لأنه مما يستدل به على بلاهة الرجل، وقلة فطنته، وأنشدتني بعض البدويات لبدويِّ:
عَريضُ القَفَا مِيْزَانُهُ في شِمَالِهِ
…
قَدِ انحَصَّ مِنْ حَسْبِ القَراريطِ شَارِبُه (6)» (7).
فقد يُفهم من هذا أن هذه البدوية أنشدته لشاعر متأخر، وربما
(1) انظر: تفسير الطبري (هجر) 6/ 211، 13/ 410، 16/ 278.
(2)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 7/ 384.
(3)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 1/ 447، 19/ 394.
(4)
الشعر والشعراء 2/ 753، وخزانة الأدب 1/ 8، 425.
(5)
البقرة 187.
(6)
لم أعثر عليه ولا على قائله.
(7)
الكشاف 1/ 390.
تكون أنشدته لشاعر بدوي متقدم يحتج بشعره، وعلى كلا الحالين فإن الزمخشري لم يستشهد بهذا الشاهد على لغة القرآن، وإنما أراد أن يوضح معنى الكناية في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه وهذا خارج عن المؤاخذة (1).
وأما ابن عطية فقد توقف عند شعراء الاحتجاج المجمع عليهم عند العلماء، ولم يستشهد للمولدين إلا نادرًا مع النص على ذلك، وعدم إفراد شواهدهم، بل يقرنها بشواهد لشعراء الاحتجاج. ومن ذلك قوله: «وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16](2) هو أن العرب أجرت الرسول مجرى المصدر في أن وصفت به الجمع والواحد والمؤنث، ومن ذلك قول الهذلي (3):
أَلِكْنِي إليها وخَيْرُ الرَّسولِ
…
أَعلمُهمْ بنِوَاحي الخَبَرْ (4)
وقولُ الشاعرِ وإن كان مولَّدًا:
إِنَّ الَّتي أَبصَرتَها
…
سَحَرًا تُكَلِّمُني رَسولُ (5)» (6).
والشاعر المولد الذي يعنيه هو أبو نواس. كما استشهد ببيتٍ للشافعي، واعتذر بأَنَّ أبا عبيدةَ قد استشهد به (7). كما استشهد ببيتين للمتنبي على المعنى (8).
وأما القرطبي فقد استشهد بشعر عدد من الشعراء العباسيين يزيدون عن خَمسةَ عشر شاعرًا، كأبي نواس، وبشار، وأبي العتاهية، وأبي تَمَّام، والمتنبي، وغيرهم، إلا أنه لم يحتج بهم في مسائل اللغة ولا الغريب ولا النحو إلا في موضع واحد استشهد فيه ببيت لأبي تمام مع
(1) انظر استشهاد الزمخشري بابن الرومي 1/ 552.
(2)
الشعراء 16.
(3)
هو أبو ذؤيب الهذلي.
(4)
انظر: ديوان الهذليين 1/ 146.
(5)
انظر: ديوان أبي نواس 289.
(6)
المحرر الوجيز (قطر) 11/ 96.
(7)
انظر: المحرر الوجيز (قطر) 11/ 449.
(8)
انظر: المحرر الوجيز (قطر) 15/ 132، 137.
بيت للفرزدق (1) فلم يفرده بالاستشهاد، وأمَّا الأصل في إيراده شواهد المحدثين من الشعراء أن يستشهد بها في مسائل البلاغة والأدب (2).
ومن ذلك ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)} [إبراهيم: 49](3)، حيث ذكر أن الإصفاد يأتي في اللغة بِمعنى العطاء، ويأتي بمعنى القيد، فقال: «وقيل: صَفَدتُهُ وأَصْفَدتُهُ جاريانِ في القَيدِ والإعطاءِ جَميعًا، قال النابغة:
........................
…
فَلَمْ أُعَرِّضْ أَبيتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ (4)
فالصَّفَدُ العَطاءُ؛ لأَنَّهُ يُقَيّدُ ويُعْبِدُ، قال أبو الطيب:
وقَيّدْتُ نَفسي في ذَرَاكَ مَحبَّةً
…
ومَنْ وَجَدَ الإحسانَ قَيدًا تَقيَّدَا (5)» (6).
فالقرطبي هنا لم يستشهد ببيت المتنبي لمعنى لغوي للكلمة، وإنما استشهد به استشهادًا معنويًا، وهو أَنَّ العطاءَ سُمِّي صَفَدًا لأَنَّه يُقيّدُ الآخذَ بِمعروفِ المُعطي قَيدًا مَعنويًا، لأنهُ يكون أسيرًا لمعروفه، إِنْ كان حُرًّا يَحفظُ المعروفَ، ولذلك قال المتنبي قبل هذا البيت:
ومَا قَتَلَ الأحرارَ كالعَفْوِ عنهمُ
…
ومَنْ لكَ بِالحُرِّ الذي يَحفظُ اليَدَا
إذا أنتَ أَكْرمتَ الكريمَ مَلكتهُ
…
وإِنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تَمرَّدا
فالقرطبي لم يستشهد بشعر المتنبي على أنه حجة في اللغة، ولا بغيره من الشعراء المُحدَثِين، وإنما كان يستأنس بشعرهم في مثل هذه المسائل (7).
(1) انظر: الجامع لأحكام القرآن 11/ 269.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/ 162، 3/ 284، 306، 334، 4/ 159، 313، 5/ 92، 251، 8/ 170، 268، 11/ 25، 13/ 179، 16/ 37، 335، 18/ 95، 19/ 142.
(3)
إبراهيم 49.
(4)
عجز بيت، صدره:
…
هذا الثناءُ فَإِنْ تَسمعْ بهِ حَسَنًا
…
انظر: ديوانه 27.
(5)
انظر: ديوانه 2/ 195.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 9/ 384.
(7)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 174، القرطبي ومنهجه في التفسير للقصبي زلط =
سادسًا: رغبةً في موازنةِ عملِ المفسرين بعملِ أهلِ اللغة، عمدتُ إلى «لسان العرب» لابن منظور؛ لأرى أبرز مَن احتجَّ بشعره من الشعراءِ، فكانوا على هذا النحو (1):
الشاعر
…
عصره
…
قبيلته
…
عدد شواهده
ذو الرمة
…
إسلامي
…
الرباب
…
975
الأعشى
…
جاهلي
…
قيس
…
877
رؤبة بن العجاج
…
إسلامي
…
تَميم
…
698
لبيد بن ربيعة
…
جاهلي
…
عامر
…
660
أبو ذؤيب الهذلي
…
إسلامي
…
هذيل
…
604
العجاج
…
إسلامي
…
تَميم
…
563
الكميت بن زيد
…
إسلامي
…
أسد
…
495
امرؤ القيس
…
جاهلي
…
كندة
…
440
جرير
…
إسلامي
…
تَميم
…
438
الراعي النميري
…
إسلامي
…
نُمَيْر
…
434
الفرزدق
…
إسلامي
…
تَميم
…
396
النابغة الذبياني
…
جاهلي
…
ذبيان
…
374
تَميم بن مقبل
…
مخضرم
…
قيس
…
347
عمرو بن أحمر
…
مخضرم
…
باهلة
…
318
الطرماح
…
إسلامي
…
طي
…
315
الأخطل
…
إسلامي
…
تغلب
…
304
زهير
…
جاهلي
…
غطفان
…
300
= 283، أبو عبد الله القرطبي وجهوده في النحو واللغة في كتابه الجامع لأحكام القرآن لعبد القادر الهيتي 300 - 301.
(1)
اعتمدت في هذا الإحصاء على نتائج دراسة الدكتور ياسين الأيوبي لشعراء لسان العرب وعدد شواهدهم في كتابه: «معجم الشعراء في لسان العرب» . 498 - 550.
الشاعر
…
عصره
…
قبيلته
…
عدد شواهده
كثير عزة
…
إسلامي
…
خزاعة
…
300
النابغة الجعدي
…
مخضرم
…
جعدة
…
297
ساعدة بن جؤية
…
جاهلي
…
هذيل
…
244
طرفة
…
جاهلي
…
بكر
…
243
أوس بن حجر
…
جاهلي
…
تَميم
…
234
الشماخ بن ضرار
…
مخضرم
…
غطفان
…
228
عدي بن زيد
…
جاهلي
…
عِباد
…
200
أبو النجم العجلي
…
إسلامي
…
بكر
…
200
المتنخل الهذلي
…
جاهلي
…
هذيل
…
197
حميد بن ثور
…
مخضرم
…
هلال
…
178
القطامي
…
إسلامي
…
تغلب
…
172
حسان بن ثابت
…
مخضرم
…
الأزد
…
165
بشر بن أبي خازم
…
جاهلي
…
أسد
…
145
كعب بن زهير
…
مخضرم
…
غطفان
…
144
عنترة
…
جاهلي
…
عبس
…
122
الحطيئة
…
مخضرم
…
عبس
…
120
أبو كبير
…
جاهلي
…
هذلي
…
106
وهذا الجدول يظهر بشكل عام أن أبرز الشعراء الذين احتج بهم اللغويون في إثبات اللغة، هم أبرز الشعراء الذين احتج بهم المفسرون أيضًا في كتب التفسير، كالأعشى، والنابغة الذبياني، والعجاج ورؤبة وجرير والفرزدق ولبيد، وإن كان هناك اختلاف طفيف في عدد الشواهد للشعراء هنا وهناك؛ مِمَّا يدل على وحدة المعايير والمصادر التي اعتمد عليها علماء اللغة والنحو والتفسير في دراسة لغة القرآن.