الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنون علامةٌ لكونِ الفاعل جَمعًا، كتاء التأنيث». (1) وهذا الذي ذهب إليه البغدادي أحد الأوجه في إعراب هذه الجملة. وقد اشتهرت هذه المسألة عند النحويين بمسألة «أكلوني البراغيث». وقد ذكر السيرافي في شرح كتاب سيبويه: في قولهم: «أكلوني البراغيث» . ثلاثة أوجه:
أحدها: ما قاله سيبويه، وهو أنهم جعلوا الواو علامةً تؤذنُ بالجماعةِ وليست ضميرًا، ويكون الاسم الظاهر بعدها فاعلًا، وهذا الذي اختاره البغدادي كما تقدم.
والثاني: أن تكون البَراغيثُ مبتدأً، وأكلوني خَبَرًا مُقدَّمًا، فالتقدير: البراغيثُ أكلوني.
والثالث: أن تكون الواو ضميرًا على شَرطِ التفسيرِ، والبَراغيثُ بَدلًا من الضمير. (2)
الاستشهاد للوجه المرجوح
.
قد يورد المفسرون الشواهد من الشعر لبيان شاهد الوجه المرجوح ودليله الذي استدل به، إما نقلًا عن القائل به، أو نيابة عنه في ذلك لاستكمال أوجه المسألة. ومن أمثلة ذلك:
1 -
ذكر الطبري أوجه القراءة في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً} [البقرة: 282](3) فذكرَ أَنَّ عامةَ قرأَةِ الحِجازِ والعراقِ قرأوا بالرفعِ {إِلَّا أَنْ تكونَ تَجارةٌ حاضرةٌ} وقرأها عاصمُ وحدَهُ بالنَّصْبِ (4)،
(1) خزانة الأدب 5/ 234.
(2)
انظر: أمالي ابن الشجري 1/ 202 - 203، كتاب سيبويه، 1/ 78، 3/ 209، مجاز القرآن 1/ 101، 2/ 34، الأصول لابن السراج 1/ 71، 136، 172، 2/ 82، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 490، شرح الكافية الشافية لابن مالك 1/ 577، خزانة الأدب 5/ 234، 7/ 346، 9/ 218، كتاب الشعر للفارسي 2/ 473 وقد استوفى المحقق تخريج هذه المسألة.
(3)
البقرة 282.
(4)
قراءة الرفع هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر: السبعة 194.
فقال الطبري: «وانفرد بعضُ قرأة الكوفيين بقراءته بالنصب
…
وذلك وإن كان جائزًا في العربية إذ كانت العرب تنصب النكرات المنعوتات مع «كان» وتضمر معها في «كان» مجهولًا، فتقولُ: إن كان طعامًا طيِّبًا فأتِنا بهِ. وترفعُها فتقولُ: إِنْ كانَ طعامٌ طيبٌ فأتِنا بهِ، فتُتْبِعُ النكرةَ خَبَرَها بِمثلِ إعرابِها- فإن الذي أختار من القراءة، ثم لا أستجيز القراءة بغيره، الرفع في «التجارة الحاضرة» ؛ لإجماع القرأة على ذلك، وشذوذ من قرأ ذلك نصبًا عنهم، ولا يُعترضُ بالشاذِّ على الحُجَّةِ. ومِمَّا جاء نصبًا قول الشاعر (1):
أَعَيْنَيَّ هَلَاّ تَبكيانِ عِفَاقا
…
إذا كانَ طعنًا بينهمْ وعِنَاقا (2)
وقول الآخر (3):
وللهِ قَومي أَيُّ قَومٍ لِحُرَّةٍ
…
إذا كان يومًا ذا كواكبَ أَشْنَعا (4)». (5)
وهذانِ الشاهدان أوردهما الطبري لوجه النصب الذي ردَّ القراءة به، وعدَّ القراءةَ به شاذةً، مع أَنَّها قراءةٌ متواترةٌ وهي إحدى القراءات السبع. وقد انفرد الطبري برده هذه القراءاة، دون غيره من العلماء. (6) والشاهد من المثال أنَّ الغرض من ذكر الطبري للشاهدين هو الاحتجاج لقراءةِ النَّصبِ، مع رده القراءة بها. وردُّه للقراءةِ غَيْرُ صحيحٍ، والقراءة متواترة السند، ولها وجهٌ صحيحٌ في العربية، كما في شواهد الشعر التي ذكرها وغيرها، وليس هذا موضع بسط ذلك.
(1) لم أعثر عليه.
(2)
انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 186.
(3)
قيل: هو عمرو بن شأس.
(4)
انظر: الكتاب 1/ 47، كتاب الشعر للفارسي 1/ 232، خزانة الأدب 8/ 521.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 6/ 80 - 81، 8/ 41.
(6)
انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 185، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/ 365 - 366، الحجة لأبي علي الفارسي 2/ 320، إعراب القرآن للنحاس 1/ 300، التيسير 85، النشر 2/ 237، المحرر الوجيز 2/ 370.
2 -
عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36](1) ذهب الطبري إلى أَنَّ الضمير في قوله: {فِيهِنَّ} يعود على الأشهر الأربعة، فيكون معنى الآية: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسكم باستحلال حرامها. واستدل على صحة تفسيره هذا بأَنَّ الله قال: {فِيهِنَّ} وهذا الضمير يدل على جَمعِ القِلَّةِ ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولو كان المقصود فلا تظلموا في الاثني عشر شهرًا أنفسكم، لقالَ: فلا تظلموا فيها أنفسكم. (2)
غير أن الطبري ذكر أن الوجه الذي ردَّه جاء في لغة العرب على قلةٍ، فقال: «فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون ذلك كنايةً عن الاثني عشر، وإن كان الذي ذكرتَ هو المعروفُ في كلام العرب؟ فقد علمتَ أَنَّ من المعروف من كلامها إخراجُ كناية ما بين الثلاث إلى العشر بالهاء دون النون، وقد قال الشاعر (3):
أَصْبَحْنَ في قُرْحٍ وفي داراتِها
…
سَبْعَ ليالٍ غَيْرَ مَعْلُوفاتِها (4)
ولم يقل: مَعْلوفاتهنَّ، وذلك كناية عن السَّبْعِ؟
قيل: إِنَّ ذلك وإِنْ كان جائزًا، فليس الأَفْصحَ الأعرفَ في كلامها، وتوجيهُ كلامِ الله إلى الأفصحِ الأَعرفِ، أولى من توجيههِ إلى الأَنكرِ». (5)
فقد أورد الطبري الشاهد للوجه المرجوح الذي ورد على قلةٍ في
(1) التوبة 36.
(2)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 14/ 240، معاني القرآن للفراء 1/ 435.
(3)
نسبه الفراء لأبي القمقام الفقعسي كما في معاني القرآن 1/ 435، وقد يكون لعمر بن لجأ التيمي من أبيات له في الأصمعيات 34، وجزم بنسبته له محمود شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري 14/ 241.
(4)
قُرْح: سوق وادي القرى. انظر: معجم البلدان 4/ 53، شرح الحماسة للمرزوقي 4/ 1822.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 14/ 240 - 241.