الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117](1): «و «بَديع» مَصروفٌ من مُبْدِعٍ، كبَصِيْرٍ من مُبْصِرٍ، ومثله قول عمرو بن معد يكرب:
أَمِنْ رَيْحَانةَ الدَّاعي السَّمِيعُ (2)
يريد: المُسْمِع» (3).
مدى الاعتماد على الشاهد الشعري في تفسير القرطبي:
أما القرطبي فقد أودع تفسيره جميع شواهد المفسرين الذين سبقوه، وأضاف إليها كثيرًا من شواهد اللغويين والنحويين، ولا سيما شواهد سيبويه، فجاء كتابه حافلًا بالشواهد الشعرية، حيث بلغت أَربعةَ ألافٍ وثَمانِمائةٍ وسبعةَ شواهدٍ شعريةٍ (4807)، وهو عدد كَبيرٌ لا يوجد في غيره من التفاسير المطبوعة مع عدم تمحضها كلها للاستشهاد اللغوي والنحوي، وهذا يدل على عناية القرطبي بهذا الدليل في تفسيره، وقد اعتمد القرطبي كثيرًا على الشاهد الشعري في تفسيره اللغوي للغريب، وفي توجيهه للقراءات توجيهًا نحويًا، وغير ذلك من جوانب التفسير، ومن أمثلة ذلك:
أولًا: اعتماد الشاهد الشعري في تفسير الغريب
.
يعد جانب غريب القرآن في تفسير القرطبي من الجوانب المهمة التي عوَّلَ فيهَا على الشاهد الشعري، حيث لا تكادُ تَمرُّ لفظةٌ من غريبِ القرآنِ إِلَّا ويطيلُ الكلامَ حولها مُستشهدًا بشاهدٍ شعري أو أكثر على معناها في اللغة، وقد تجاوزت شواهده الشعرية لغريب القرآن ثلاثة وستين وخمسمائة وألف شاهد من الشعر (1563) وهو عدد يصل إلى أكثر من نصف شواهد القرطبي اللغوية، إذا استثنيت الشواهد الأدبية
(1) البقرة 117.
(2)
تقدم تخريجه ص 000.
(3)
المحرر الوجيز 1/ 339، للمزيد من الأمثلة انظر: 2/ 87.
والتاريخية من مجموع شواهد التفسير التي بلغت أربعة الآف وثمانمائة وسبعة شواهد شعرية (4807).
1 -
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158](1)، حيث قال:«والمَروةُ واحدةُ المَرْوِ، وهي الحجارةُ الصغارُ التي فيها لِيْنٌ، وقد قيل: إنها الصِّلابُ. والصحيحُ أنَّ «المَرْوَ» الحجارةُ، صَلِيبُها ورخوها، الذي يتشظى وترقُّ حاشيته، وفي هذا يقال: المرو أكثر، ويقال في الصليب، قال الشاعر (2):
وتُولِّى الأرضَ خُفًّا ذابِلًا
…
فإِذا مَا صَادفَ المَرْوَ رَضَخْ (3)
وقال أبو ذؤيب:
حتى كَأَنِّي لِلحَوَادثِ مَرْوَةٌ
…
بِصَفَا المُشَقَّرِ كُلَّ يَومٍ تُقْرَعُ (4)» (5).
فقد اعتمد القرطبي في اختياره لتفسير المروة عند العرب، وأنها الحجارة صليبها ورخوها، كل ذلك تسميه العرب مَرْوًا على شاهدين من الشعر، أحدهما للأَعشى البَكريِّ، والآخر لأبي ذؤيبٍ الهُذَلي، مِمَّا يعني أَنَّها لغةٌ عربيةٌ مشتركة بين عدة قبائل.
2 -
ومن الأمثلة كذلك على اعتماده على الشاهد في تفسير الغريب قوله: «قوله تعالى: {أَوِ اعْتَمَرَ} [البقرة: 158](6) أي: زار، والعُمْرَةُ:
(1) البقرة 158.
(2)
هو الأعشى ميمون بن قيس يصف ناقته.
(3)
رواية الديوان:
وتُولِّى الأرضَ خُفًّا مُجْمَرًا
…
فإِذا مَا صَادفَ المَرْوَ رَضَحْ
أي أن ناقته تطأ الأرض بخف صلب مجتمع، إذا وطأ المرو سحقها. انظر: ديوانه 291.
(4)
المُشَقَّرُ: سوقٌ بالطائف، وقيل بهجر. ويُروى «المُشرَّق» ، وهو موضع بالخيفِ من مِنى. انظر: ديوانه 34، ديوان الهذليين 1/ 3، شرح أشعار الهذليين 1/ 3، 9، وانظر بحث بعنوان (المُشَقَّر في الشعر الجاهلي) للدكتور عبد الحميد المعيني بمجلة الدرعية، العددان 6، 7 شهري 4، 7 - 1420 هـ ص 546.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 2/ 165.
(6)
البقرة 158.