الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه أسباب مبنية على استعراض الشواهد الشعرية في كتب النحو واللغة، وما يقال فيها يقال في شواهد التفسير أيضًا.
-
الوهم في توثيق الشاهد:
مع هذه العناية بنسبة الشواهد إلى قائليها، والحرص على توثيق الشواهد إلا أنه ربما وهم المفسر في نسبة شاهد إلى غير قائله، أو نسبته إلى قائله بغير ما اشتهر به مما يوقع القارئ في الوهم. ومن أمثلة ذلك:
1 -
أورد الطبري قول الشاعر:
ظَلَمَ البِطاحَ به انهلالُ حَريصةٍ
…
فَصفا النِّطافُ بِها بُعَيدَ المُقْلَعِ
فنسبه لعمرو بن قميئة في موضعين (1)، وانفرد بنسبته إلى ابن قميئة مع إنه لا يوجد لابن قميئة قصيدة على هذا الروي (2)، ولم يجد محقق الديوان من نسب هذا البيت لابن قميئة غير الطبري، في حين إن هذا البيت ضمن قصيدة طويلة للحادرة الغطفاني، كما في ديوانه. (3)
2 -
ومن الأمثلة أَنَّ ابن عطيةَ أوردَ قول الأخطل يهجو جريرًا:
كنتَ القَذى في مَوجِ أخضرَ مُزبدٍ
…
قَذَفَ الأَتيُّ بهِ فَضَلَّ ضَلالا (4)
ونسبه لجرير، وليس في ديوانه. (5) كما نسب بيتًا لذي الرمة وهو لكعب بن زهير كما في ديوانه من قصيدته البُردة (6).
ومن أمثلة نسبة الشاهد إلى قائله بحيث يدخل الوهم على القارئ في نسبته، قول ابن عطية: «والزوج في كلام العرب: امرأة الرجل، ويقال زوجة، ومنه بيت أبي فراس:
(1) انظر: تفسير الطبري (هجر) 1/ 559، 3/ 56.
(2)
انظر: ديوان ابن قميئة 207.
(3)
انظر: ديوان الحادرة 48.
(4)
انظر: ديوان الأخطل 252.
(5)
المحرر الوجيز (قطر) 3/ 163.
(6)
انظر: المحرر الوجيز 4/ 141، وبيت كعب في ديوانه 86، وشرح قصيدة كعب بن زهير 175، تفسير الطبري (هجر) 7/ 117.
وإِنَّ الذي يَسعَى ليُفسدَ زَوجَتي
…
كَسَاعٍ إلى أُسدِ الشَّرى يَسْتَبيلُها (1)». (2)
وأبو فراس هو الفرزدق، وهذا من أبياته التي استشهد بها المفسرون واللغويون، غير أنه لم يشتهر عند العلماء بهذه الكنية، وإنما اشتهر بها الشاعر أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني، وهو شاعر متأخر توفي سنة 357 هـ. (3) ولا يحتج بشعره في اللغة، فربما أوقع هذا في الوهم، ورُدَّ الشاهدُ لكون أبي فراس الحمداني من المتأخرين.
ومِمَّا يؤخذ على المفسرين إيرادهم شاهدين من الشعر منسوبين لآدم عليه السلام، مع علمهم باختلاقهما، وضعفهما، وهما فيما قيل:
تغيَّرتِ البلادُ ومَنْ عَليها
…
فوجهُ الأرضِ مُغْبَرٌّ قَبيحُ
تغيَّر كُلُّ ذِي طَعمٍ ولَونٍ
…
وقَلَّ بَشَاشةَ الوجهُ المليحُ
وقد رواهما الطبري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (4)، وابن عطية (5)، ولم ينبها على وضعهما. وقال القرطبي بعد إيرادههما: «في أبياتٍ كثيرةٍ ذكرها الثعلبي وغيره
…
قال القشيري وغيره: قال ابن عباس: ما قال آدمُ الشعرَ، وإِنَّ محمدًا والأنبياءَ كلهم في النهي عن الشعر سواءٌ، لكن لما قُتِلَ هابيلُ رثاه آدمُ وهو سرياني، فهي مرثية بلسان السريانيةِ أوصى بها إلى إبنهِ شِيث، وقال: إِنك وصِيي فاحفظ مني هذا الكلامَ ليُتوارث، فحُفظت منه إلى زمانِ يعرب بن قحطان، فترجم عنه يعربُ بالعربية وجعله شعرًا». (6)
وقال ابن كثير تعليقًا على هذه الأبيات: «وهذا الشعر فيه نظر، وقد يكون آدم عليه السلام قال كلامًا يتحزن به بلغته، فألفه بعضهم إلى هذا،
(1) انظر: ديوان الفرزدق 2/ 113.
(2)
المحرر الوجيز (قطر) 3/ 481.
(3)
انظر: ديوانه 5.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 8/ 325 - 326.
(5)
انظر: المحرر الوجيز (قطر) 4/ 414.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 140.