الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاءت على الأفصحِ من لغةِ العَربِ، وإن كان غيرهُ فصيحًا جائزًا.
- ومن ذلك ما جاء عند تفسير قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152](1) حيث قال: «والعرب تقول: نصحتُ لكَ، وشكرتُ لكَ، ولا تكاد تقول: نصحتُكَ. وربَّما قالتْ: شَكرتُكَ، ونَصحتُكَ، من ذلك قول الشاعر (2):
هُمُ جَمَعُوا بُؤْسَى ونُعْمَى عَليكُمُ
…
فَهَلَاّ شَكرْتَ القَومَ إِذْ لَمْ تُقَاتِلِ (3)
وقال النابغةُ في «نصحتُك» :
نَصحتُ بَنِي عَوفٍ فَلَمْ يَتَقبَّلُوا
…
رسُولي ولَم تَنْجَحْ لَديهمْ وَسَائِلي (4)» (5).
فالطبري قد اعتمد على الشاهد الشعري في إثبات الأوجه اللغوية الأخرى، التي تقولها العرب، مع أن الذي ورد في القرآن الكريم هو الأفصح.
ثانيًا: اعتماد الطبري الشاهد الشعري في المسائل النحوية
.
تعرض الطبري في تفسيره لكثير من القضايا النحوية، ومن ذلك توجيه الآيات من حيث الإعراب، وقد كان للشاهد الشعري حضور ظاهر في مثل هذه المسائل، وقد بلغت شواهد النحو الشعرية في تفسير الطبري مائتان وثلاثين شاهدًا شعريًا (230)، وكلها لشعراء الاحتجاج، وقد تابع الكوفيين في شواهده، فهو يذكر معظم إن لم يكن كل شواهد الكوفيين النحوية، ويذهب في توجيهها مذهبهم، ولا سيما الفراء، فهو أكثر النحويين الذين تكرر ذكرهم في تفسيره، ولذلك فقد عده بعض الباحثين كوفي المذهب في النحو (6).
(1) البقرة 152.
(2)
هو عمر بن لجأ كما في البحر المحيط 1/ 447.
(3)
معاني القرآن للفراء 1/ 92.
(4)
انظر: ديوانه 143.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 3/ 212.
(6)
انظر: الطبري النحوي من خلال تفسيره لزكي الألوسي 62.
- ومن أمثلة ذلك ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} [البقرة: 177](1)، وهو يُبَيّنُ سَببَ نَصْبِ {وَالصَّابِرِينَ} في هذه القراءة، حيث يقولُ:«وأَمَّا (الصَّابرين) فَنَصْبٌ، وهو مِنْ نَعْتِ «مَنْ» على وجه المدح؛ لأَنَّ من شأن العَرَب - إذا تطاولت صفةُ الواحد - الاعتراضُ بالمدحِ والذمِّ بالنصب أَحيانًا، وبالرَّفع أحيانًا، كما قال الشاعرُ (2):
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمَامِ
…
وَلَيْثَ الكَتيبةِ في المُزْدَحَمْ
وذَا الرأَي حِينَ تُغَمُّ الأُمُورُ
…
بذَاتِ الصَّلِيلِ وذَاتِ اللُّجُمْ (3)
فَنَصَبَ «ليثَ الكتيبةِ» و «ذَا الرأي» عَلى المدحِ، والاسمُ قبلَهُما مَخفوضٌ؛ لأَنَّه من صفةِ واحدٍ، ومنه قول الآخر:
فليتَ التي فيها النُّجومُ تَواضَعَتْ
…
عَلى كُلِّ غَثٍّ مِنهمُ وسَمَينِ
غُيُوثَ الوَرَى في كُلِّ مَحْلٍ وَأَزْمَةٍ
…
أُسُودَ الشَّرَى يَحْمينَ كُلَّ عَرِينِ» (4).
فقد اعتمد الطبري في هذه المسألة النحوية، وهي وجه نصب «الصَّابرينَ» في هذه الآية، على شاهدين من شواهد الشعرِ المُحتج به، مع بيان وجه الاستشهاد فيهما، وحكى القول الآخر في توجيه النصب بصيغةٍ تدل على تضعيف هذا القول فقال:«وقد زعم بعضهم (5) أن قوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ} نُصِبَ عَطفًا على {وَالسَّائِلِينَ} [البقرة: 177]» (6). ولم يزد على ذلك، مما يدل على اعتماده التوجيه الذي تشهد له شواهد الشعر، والتي أورد شاهدين منها.
(1) البقرة 177.
(2)
لم أعرف قائلهما.
(3)
معاني القرآن للفراء 1/ 105، خزانة الأدب 1/ 451، الإنصاف 376.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 3/ 352 - 353.
(5)
هو الفراء كما في معاني القرآن 1/ 108 وما بعدها.
(6)
تفسير القرطبي (شاكر) 3/ 353.