الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عطية في «المُحرَّر الوجيز» :
ذكر ابن عطية في فهرسة شيوخه، الذي ذكر فيه من تلقى عنهم من الشيوخ رواية أو إجازة، والمصنفات التي أخذها عنهم، فذكر أنه أخذ كتاب سيبويه، وديوان الحماسة لأبي تمام، ومختصر تفسير الطبري، ولذلك فإن شواهد ابن عطية لا تكاد تخرج عن شواهد هذه المصنفات (1).
وهو يسند الشاهد أحيانًا للعلماء الرواة كابن الأعرابي، كما في قوله: «وأنشد ابن الأعرابي:
في كُلِّ مَا يومٍ وكُلِّ لَيلاهْ
…
حتى يقولَ مَنْ رآهُ إِذْ رَاهْ
يَا وَيْحَهُ مِنْ جَمَلٍ مَا أَشقَاهْ (2)» (3).
وربما يكون نقل هذه الأبيات عن كتب أبي الفتح ابن جني فقد رواها بسنده عن ابن الأعرابي (4). حيث إن من مصادره كتب ابن جني كما سيأتي.
ويرجع كثيرًا لأبي عبيدة، كما في قوله: «و {خَوَّلْنَاكُمْ} [الأنعام: 94](5) معناه: أعطيناكم، وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد بيت زهير:
هنالكَ إِنْ يُسْتَخْوَلوا المالَ يُخْوِلوا
…
وإِنْ يُسئلوا يُعطوا وإن يُيْسِروا يُغلوا (6)» (7).
وهذه الأبيات منقولة من «مجاز القرآن» ، فقد رواها أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء (8).
وعند تفسير قوله تعالى: {وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 7](9)، وهو يتحدث
(1) انظر: فهرس ابن عطية 106، 114، 115، 116، 118، 141.
(2)
هذا الرجز نسبه ابن جني لِدَلَمٍ أَبو زُغَيبٍ، كما في لسان العرب 4/ 395 (دلم)، وهو في الخصائص 1/ 267 من غير نسبة عن ابن الأعرابي.
(3)
المحرر الوجيز 5/ 177.
(4)
الخصائص 1/ 267، 3/ 151.
(5)
الأنعام 94.
(6)
ديوان زهير 112، وانظر: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف 273.
(7)
المحرر الوجيز 6/ 11.
(8)
مجاز القرآن 2/ 188.
(9)
الفاتحة 7.
عن قراءة من قرأ (الضَّأْلِين)(1)، نقل ابن عطية عن ابن جني فقال: «قال أبو الفتح: وعلى هذه اللغة قولُ كُثَيّر:
إذا مَا العَوالي بِالعَبِيطِ احْمَأَرَّتِ (2)
وقول الآخر (3):
وللأرضِ أَمَّا سُودُها فَتَجلَّلَتْ
…
بَيَاضًا وأَمَّا بِيْضُهَا فادهأَمَّتِ (4)» (5).
وهذا النقل من كتاب الخصائص لابن جني مع تصرف قليل (6).
وينقل دون سندٍ عن كبار العلماء الرواة كأبي زيد الأنصاري في مثل قوله: «وأنشد أبو زيد» (7). كما ينقل عن المقتضب للمبرد كما في قوله: «وذهب المبرد في باب التعجب من «المقتضب» إلى أن هذه الآيةَ تقريرٌ واستفهامٌ لا تعجب، وأن لفظة «أَصْبَرَ» بِمعنى اضطر وحبس، كما تقول: أَصْبَرْتُ زَيدًا على القتل
…
قال: ومثله قول الشاعر (8):
قُلتُ لَهَا أُصْبِرُهَا دَائِبًا:
…
أَمثَالُ بِسْطَام بنِ قيسٍ قَليلْ (9)» (10).
(1) هذه قراءة أيوب السختياني كما في إعراب القراءات السبع لابن خالويه 1/ 52، والمحتسب لابن جني 1/ 26
(2)
البيت منسوب لكثير كما في الخصائص 3/ 148، ولم أجده في ديوانه، ولم ترد هذه اللفظة إلا في بيت آخر من قصيدة أخرى، يمدح فيه بشر بن مروان، هو:
وأنتَ ابنَ لَيْلَى خَيرُ قَومكَ مَشهَدًا
…
إذا مَا احْمَأَرَّتْ بالعَبيطِ العَوَامِلُ
انظر: ديوانه 154، وانظر: حاشية محقق الخصائص 3/ 126 رقم (12).
(3)
هو كثير عزة.
(4)
انظر: ديوانه 59.
(5)
المحرر الوجيز 1/ 88 - 89، 5/ 18.
(6)
انظر: الخصائص لابن جني 3/ 148.
(7)
المحرر الوجيز 8/ 62.
(8)
هو الحطيئة.
(9)
رواية الديوان:
قلتُ لَهَا أَصْبِرُها صَادِقًا
…
وَيْحَكِ أَمْثَالُ طَريفٍ قَليلْ
ومعنى أَصْبِرُهَا: أي أَحلفُ لَها يَمينَ صَبْرٍ، أي يَمينَ حَبْسٍ، يُحبس على اليمين حتى يحلف. انظر: ديوانه 297.
(10)
المحرر الوجيز 2/ 54.
وهذا النص في كتاب «المقتضب» (1)، غير أنه لا يكتفي بالنقل هنا، بل يتعقب المبرد في روايته للشاهد فيقول:«الضبط عند المبرد بضم الهمزة وكسر الباء - أُصْبِرُهَا -، ورُدَّ عليه في ذلك؛ فإنَّه لا يُعرف في اللغة «أَصْبَرَ» بمعنى «صَبَرَ» ، وإنما البيت أَصْبُرُهَا بفتح الهمزة وضم الباء، ماضيه «صَبَرَ» ، ومنه المصبورةُ، وإنما يرد قول أبي العباس - أي المبرد - على معنى: أجعلها ذات صبر» (2).
وينقل ابن عطية عن أبي علي الفارسي كما في قوله: «ويظهر من كلام أبي علي الفارسي في بعض تعاليقه أن الجنَّ يدخلون في لفظةِ النَّاسِ، وأنشد على ذلك:
فقلتُ: إِلى الطعامِ، فَقالَ منهم:
…
أُنَاسٌ يَحْسدُ الإنسَ الطعَامَا (3)» (4).
وينقل عن الطبري كما في قوله: «وأنشد الطبريُّ:
فَإِنْ كنتَ سِيدَنَا سُدْتَنَا
…
وإِنْ كنتَ لِلخَالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ (5)» (6).
وينقل عن ابن الأنباري كما في قوله: «حكاه عنه ابن الأنباري وأنشد» (7).
وابن عطية يعتمد في أحيان كثيرة على شرح الفراء والطبري وأبي عبيدة للشاهد الشعري ويوافقهم غالبًا ويخالفهم أحيانًا (8).
وينقل عن أبي العباس ثعلب، وأبي الحسن الأخفش كما في قوله: «وقال أحمدُ ابن يحيى ثعلب: عَابدُ كَشَارفٍ وشَرَف، ومنه قول القينة:
(1) المقتضب 4/ 184.
(2)
المحرر الوجيز 2/ 54 - 55.
(3)
البيتُ لشَمِر بن الحارث الضبي كما في شرح شواهد الإيضاح لابن بري 278.
(4)
المحرر الوجيز 3/ 152، وانظر: 4/ 219 - 220، 6/ 94، 7/ 91 - 92، 8/ 278.
(5)
الشاهد للعبدي أنس بن مساحق كما في مجاز القرآن 1/ 127، وفي حماسة أبي تمام 1/ 143 منسوب لرجل من نبهان هو حريث بن عناب بن مطر.
(6)
المحرر الوجيز 4/ 113، وانظر: المحرر الوجيز 5/ 94، 6/ 178 - 179، 7/ 18، 7/ 21، 8/ 249.
(7)
المصدر السابق 13/ 151.
(8)
المحرر الوجيز 3/ 236، 7/ 80.
أَلا يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
…
وهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بِالفِنَاءِ (1)
وقال أبو الحسن الأخفش: هوَ جَمعُ «عَبِيْدٍ» ، وأنشد:
أنسُبِ العَبْدَ إِلى آبائهِ أَسودَ الجلدةِ مِنْ قومٍ عُبُد» (2).
وينقل كثيرًا عن سيبويه (3)، وعن الفراء والكسائي كما في قوله: «وقال الفراء والكسائي: هو مجزوم على الدعاء. ومنه قول الشاعر:
فلا يَنبسطْ مِنْ بينِ عَينيكَ ما انْزَوَى
…
ولا تَلقني إِلَّا وأنْفُكَ رَاغمُ» (4).
وربما نبَّهَ ابن عطية إلى أن الذي نقل منه قد نقل عن غيره كما في قوله تعقيبًا على نقلٍ للزجاج عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)} [الحج: 17](5): «وخبر «إِنَّ» قوله تعالى: {اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} ثم دخلت «أن» على الجزء مؤكدة، وحسن ذلك لطول الكلام، فهي وما بعدها خبر «إِنَّ» الأولى، وقرن الزجاج هذه الآية بقول الشاعر (6):
إِنَّ الخليفةَ إِنَّ اللهَ سَرْبَلَهُ
…
سِربالَ مُلكٍ بهِ تُرجى الخَواتيمُ (7)
ثم تعقبه بقوله عن الزجاج: «نقله من الطبري» (8). وهذا الشاهد ذكره الطبري عند هذه الآية في تفسيره (9).
وينقل عن تفسير الثعلبي كما في قوله: «وأنشد الثعلبي:
(1) البيت لقينة غير مُسمَّاةٍ ضمن أبيات أخرى في «تاج العروس» 5/ 145 (شرف)، والشارفُ من النوق المُسِنَّةُ الهَرِمَةُ، والجمعُ شَوَارِفُ وشُرُفٌ كَكُتُبٍ، وشُرَّف مثلُ رُكَّع. وقيل: شُرْفٌ مِثلُ بَازلٍ وَبُزْلٍ. انظر: تاج العروس 5/ 145 (شرف).
(2)
المحرر الوجيز 5/ 145.
(3)
المحرر الوجيز 6/ 84، 10/ 88، 2/ 67.
(4)
المصدر السابق 9/ 85.
(5)
الحج 17.
(6)
هو جرير بن عطية.
(7)
ديوانه 2/ 672.
(8)
المحرر الوجيز 11/ 185.
(9)
تفسير الطبري (هجر) 16/ 486.
أصابَ الكلام فلم يستطعْ
…
فأخطا الجوابَ لَدى المفصلِ (1)
ويشبهُ أَنَّ أَصَابَ مُعَدَّى صَابَ يَصُوبُ» (2).
كما ينقل عن الزجاج، كما في قوله: «وأنشد الزجاجُ:
أَبيضُ لا يرهبُ الهزالَ ولا
…
يقطعْ رحْمًا ولا يَخُونُ إِلا (3)» (4).
وربَّما جَمعَ المصادر فأحال على أكثر من مصدر كما في قوله: «قال أبو عبيدة وتابعه القتبي (5) وغيره: «يرجون» . في هذه الآية بمعنى يخافون، واحتجوا ببيت أبي ذؤيب:
إذا لَسعتهُ النحلُ لم يَرْجُ لَسْعَهَا
…
وخَالفها في بَيتِ نُوبٍ عَواسل (6)» (7).
القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» .
وأما القرطبي فإنه ينقل كثيرًا عن أبي عبيدة والفراء والطبري وسيبويه وغيرهم. فمن ذلك قوله: «وأنشد ابن الأعرابي:
حِمىً لا يُحَلُّ الدهرَ إِلا بإِذنِنَا
…
ولا نسألُ الأقوامَ عهدَ المياثقِ (8)» (9).
وقوله: «وقيل تسبيحهم رفع الصوت بالذكر، قاله المفضل، واستشهد بقول جرير:
(1) لم أهتد إلى قائله.
(2)
المحرر الوجيز 14/ 35، الكشف والبيان للثعلبي 6/ 187.
(3)
البيت للأعشى كما في ديوانه 278.
(4)
المحرر الوجيز 7/ 92.
(5)
هو ابن قتيبة.
(6)
انظر: ديوانه 201، مجاز القرآن 1/ 275، والشاهد من شواهد المفسرين المشهورة، وهو في وصفِ رجل حاذق يتدلى إلى عسلٍ محفوظٍ في مَكمنهِ في حال غيابِ النَّحلِ العاملات عنه، ولا يخشى لَسْعَ النحلِ، لنفاسةِ العسلِ، ولذتهِ. انظر: ديوان الهذليين 1/ 143، والرواية الأخرى «عوامل» بدل «عواسل» .
(7)
المحرر الوجيز 9/ 12.
(8)
البيت لعياض بن درة الطائي كما في نوادر أبي زيد 65.
(9)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 171.
قَبحَ الإلهُ وجوهَ تغلبَ كُلَّمَا
…
شَبَحَ الحَجِيْجُ وكَبَّرُوا إِهْلالا (1)» (2).
وقوله ينقل كلامًا لأبي عمرو الشيباني من كتابه «الجيم» دون إشارة للمصدر: «ورجل مُيَمَّم يظفر بكل ما يطلب، عن الشيباني، وأنشد:
إِنَّا وَجَدِنَا أعصرَ بنَ سَعْدِ
…
مُيَمَّمَ البيتِ رَفيعَ المَجْدِ (3)» (4).
كما ينقل عن سيبويه كما في قوله: «وحكى الكسائي والفراء: {أَنُلْزِمْكُمُوهَا} بإسكان الميم الأولى تخفيفًا، وقد أجاز مثل هذا سيبويه، وأنشد:
فاليومَ أَشربْ غَيْرَ مُستحقبٍ
…
إِثْمًا من اللهِ ولا وَاغِلِ (5)» (6).
وهذا من شواهد سيبويه (7).
كما ينقل القرطبي عن الأصمعي كما في قوله: «قال الأصمعيُّ: وسَمعتُ ابن أبي طرفةَ - وكانَ مِنْ أَفصحِ مَنْ رأيتُ - يقولُ: سَمعتُ شِيخَانَنَا يقولون: لقيتُ مِنْ فلانٍ عِرْقَ القِرْبَةِ، يعنون الشدةَ، وأنشدني لابن الأَحْمر:
ليستْ بِمشتمةٍ تُعَدُّ وعفوُها
…
عرقَ السِّقَاءِ على القُعُودِ اللَّاغِبِ (8)
قال أبو عبيد: أراد أنه يسمع الكلمة تغيظه وليست بشتم فيؤاخذ صاحبها بها، وقد أبلغت إليه كعرق القربة، فقال: كعرق السقا لما لم يمكنه الشعر. ثم قال: على القعود اللاغب، وكان معناه أن تعلق القربة على القعود في أسفارهم، وهذا المعنى شبيه بما كان الفراء يحكيه، زعم أنهم في المفاوز في أسفارهم يتزودون الماء فيعلقونه على الإبل
(1) ديوانه 1/ 52.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 190.
(3)
البيت غير منسوب كما في الجيم لأبي عمرو الشيباني 3/ 327.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 151.
(5)
البيت لامرئ القيس كما في ديوانه 122.
(6)
المصدر السابق 5/ 19.
(7)
الكتاب 4/ 204.
(8)
البيت في لسان العرب 9/ 160.
يتناوبونه، فكان في ذلك تعب ومشقة على الظهر، وكان الفراء يجعل هذا التفسير في علق القربة باللام» (1).
كما ينقل القرطبي عن أبي عُبَيدٍ القاسم بن سلَّام كما في قوله: «قال أبو عُبَيدٍ (2): وأَنشدَني أَعرابيٌّ مِن بَنِي أَسد:
وقلنَ لَهُ أَسْجِدْ لِلَيلى فَأَسْجَدا (3)
يعني البعيرَ إذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ» (4). وهذا منقول من كتاب «الغريب المصنف» لأبي عبيد (5).
وينقل القرطبي عن الفراء، من «معاني القرآن» ، وغيره من كتب الفراء، مثل كتاب المصادر (6).
فمن ذلك قوله: «قال الفراءُ: سَمعتُ بعضَ العرب يقول: كانَ مَرةً وهو ينفعُ الناسَ أَحسَابُهُم، وأنشدني بعضُ العرب:
فأَبْلِغ أَبا يَحيى إِذا مَا لقيتَهُ
…
عَلى العِيْسِ في آَبَاطِهَا عَرَقٌ يَبْسُ
بِأَنَّ السَّلاميَّ الذي بِضَرِيَّةٍ
…
أَمِيْرَ الحِمَى قَدْ بَاعَ حَقَّ بَنِي عَبْسِ
بثوب ودينار وشاة ودرهم
…
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِمَا هَاهُنَا رَأْسُ» (7).
وهذه الأبيات في «معاني القرآن» (8).
كما ينقل القرطبي من تفسير الطبري كقوله: «وأنشد الطبري في
(1) الجامع لأحكام القرآن 3/ 66.
(2)
في الجامع لأحكام القرآن: «أبي عبيدة» . وهو خطأ صوابه ما ذكرتُ.
(3)
البيت في الغريب المصنف لأبي عبيد 1/ 578.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 200، وانظر 6/ 108.
(5)
1/ 578.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 4/ 23.
(7)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 51.
(8)
انظر: معاني القرآن 1/ 52، 2/ 121 ولم أعثر على قائل هذه الأبيات.
ذلك» (1). كما ينقل عن ثعلب كما في قوله: «وأنشد ثعلب» (2).
وينقل أحيانًا على ندرة عن بعض كتب النحويين كما نقل عن كتابٍ لابن الدهان قوله: «قال ابنُ الدَّهانِ أبو محمد سعيد بن مبارك: والكوفيُّ يُجيزُ عطفَ الظاهرِ على المَجرورِ ولا يَمنعُ منهُ، ومنه قوله:
آبَكَ أَيِّهْ بِيَ أَو مُصَدِّرِ
…
مِنْ حُمُرِ الجِلَّةِ جَأْبٍ حَشْوَرِ» (3).
كما ينقل عن يعقوب بن السكيت كما في قوله: «واللَّبُوسُ كُلُّ مَا يُلْبَسُ، وأنشد ابنُ السكيت:
البَسْ لِكُلِّ حَالةٍ لَبُوسَهَا
…
إِمَّا نَعِيمَهَا وإِمَّا بُوسَهَا» (4).
كما ينقل القرطبي عن المفسرين المتأخرين كالزمخشري، فقد نقل عنه في مواضع مثل قوله: «وقال الزمخشري: حنانًا: رحْمَةً لأَبويهِ وغيرهما، وتَعطُّفًا وشَفقةً، وأنشد سيبويه:
فقالتْ: حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَا هُنَا
…
أَذُو نَسَبٍ، أَمْ أَنتَ بِالحيِّ عَارِفُ (5)» (6).
وهذا الشاهد في الكشاف عند تفسير قوله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13](7)، والزمخشري نقله عن سيبويه مع اختلاف موضع الشاهد بينهما (8).
ويقول القرطبي: «قال الجوهريُّ: أَنشدَ أَبو عُبيدٍ:
مِن اللَّوَاتِي والَّتِي واللَّاتِ
…
زَعَمْنَ أَنْ قَدْ كَبِرَتْ لِدَاتِ (9)» (10).
(1) الجامع لأحكام القرآن 6/ 111.
(2)
المصدر السابق 6/ 219.
(3)
المصدر السابق 5/ 5.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 212، وانظر 1/ 127.
(5)
البيت لمنذر بن درهم الكلبي كما في خزانة الأدب 2/ 113.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 60.
(7)
مريم 13، وانظر: الكشاف 3/ 8.
(8)
انظر: الكتاب 1/ 320، 349.
(9)
هذا الرجز من غير نسبة في الشعر والشعراء 1/ 88، وخزانة الأدب 6/ 80، 154.
(10)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 55.
وهذا النص منقول عن «الصحاح» للجوهري (1).
وينقل عن أبي بكر بن الأنباري في قوله: «قلتُ - أي القرطبي: قد ذكر أبو بكر الأنباريُّ في كتاب «الزاهر» له لمَّا تكلم على معنى الفِسْقِ قولَ الشاعر (2):
يَذْهَبْنَ في نَجْدٍ وغورًا غائرا
…
فواسقًا عن قَصدِها جَوائِرا (3)» (4).
وهذا النص في كتاب أبي بكر بن الأنباري المشار إليه (5).
وينقل قول الخليل بن أحمد في قوله: «وأنشد الخليلُ:
يَمَّمْتُهُ الرمحَ شَزْرًا ثُمَّ قلتُ لهُ:
…
هَذي البَسَالةُ لا لُعْبُ الزَّحَاليقِ
قال الخليل: من قال في هذا البيت: أَمَّمْتُهُ فقد أَخطأَ؛ لأنه قال: شزرًا. ولا يكون الشَّزْرُ إلا من ناحيةٍ، ولم يقصد أمامه» (6).
ويعتمد في مواضع على شرح الطبري للشاهد الشعري، كما في قوله: «وأما قول الشاعر:
................................
…
إِنِّي على الحسابِ مُقيتُ (7)
فقال فيه الطبري: «إِنَّهُ من غير هذا المعنى المُتقدِّمِ، وإِنه بِمعنى المَوقوف» (8). وهذا الشاهد في تفسير الطبري، وكلام الطبري بتمامهِ: «وأَما المُقيتُ في بيت اليهوديِّ - هو السموأل - الذي يقولُ فيه:
لَيْتَ شِعْرِي وأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا
…
قَرَّبُوهَا مَطويَّةً ودُعِيتُ
أَلِيَ الفَضلُ أَمْ عَليَّ إِذَا حُوْ
…
سِبْتُ إِنِّيْ عَلى الحِسَابِ مُقِيْتُ
فإن معناه: فإني على الحساب موقوفٌ، وهو من غير هذا
(1) انظر: 6/ 2479.
(2)
هو رؤبة بن العجاج.
(3)
انظر: ديوانه 190، الزاهر لابن الأنباري 1/ 120.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 170، وانظر: 1/ 74.
(5)
انظر: الزاهر 1/ 120.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 150.
(7)
للسموأل بن عادياء كما في ديوانه 81.
(8)
المصدر السابق 3/ 191.
المعنى» (1). وأظن الطبري قد نقل هذه الأبيات عن أبي عبيدة (2).
ويقول القرطبي: «قال ابن الشجريِّ هبةُ اللهِ بنُ عليِّ (3): ومن العَربِ مَن يأتي بالجامعِ بلفظِ الواحدِ، كما قال (4):
وَإِنَّ الذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ
…
هُمُ القَومُ كُلُّ القَومِ يَا أُمَّ خَالدِ (5)» (6).
وهذا النصُّ منقول من «أمالي ابن الشجري» (7).
وينقل القرطبي عن الجوهري كما في قوله: «قال رؤبة:
لو أَنَّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مَعَا
…
وعَادَ عَادٍ واستَجَاشُوا تُبَّعَا (8)
ذكره الجوهري» (9). وهو في الصحاح للجوهري كما ذكر (10).
وربما نقل الكلام متفرقًا، ثم أحال على عدة مصادر كما في قوله:«أن العرب استعملت «لعل» مجردة من الشك بمعنى لام كي، فالمعنى: لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا، وعلى ذلك يدل قول الشاعر:
وقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا
…
نَكُفُّ وُوَثَّقْتُم لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ
فَلمَّا كَفَفْنَا الحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ
…
كَلَمْعِ سَرابٍ في الفَلا مُتَأَلِّقِ (11)
المعنى: كفوا الحروب لنكفَّ، ولو كانت «لعل» هنا شكًا لم يوثقوا
(1) تفسير الطبري 7/ 273.
(2)
انظر: مجاز القرآن 1/ 135.
(3)
هو هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي، ولد ببغداد سنة 450 هـ وتوفي سنة 542 هـ، لغوي نحوي، يعرف بابن الشجري، واختلف في نسبته هذه، من مؤلفاته الأمالي في اللغة والنحو. انظر: نزهة الألباء 404، إنباه الرواة 3/ 356.
(4)
هو الأشهب بن رميلة.
(5)
انظر: ديوانه ضمن كتاب (شعراء أمويون)231.
(6)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 148.
(7)
انظر: أمالي ابن الشجري 3/ 57.
(8)
انظر: ديوانه 92.
(9)
الجامع لأحكام القرآن 6/ 38.
(10)
انظر: الصحاح 5/ 145.
(11)
البيتان غير منسوبين، وهما في أمالي ابن الشجري 1/ 77، والحماسة البصرية 1/ 87 وقد استوفى المحقق تخريجهما.
لهم كُلَّ موثق. وهذا القول عن قطرب والطبري» (1). وهذا الذي نقله في تفسير الطبري (2).
كما ينقل القرطبي عن ابن قتيبة كما في قوله: «وأنشد القتبيُّ (3):
يَسُدُّونَ أَبوابَ القِبَابِ بِضُمَّرٍ
…
إِلى عُنُنٍ مُستوثقاتِ الأَوَاصِرِ (4)» (5).
وهذه المصادر التي تقدمت للشاهد الشعري عند المفسرين، تشترك مع مصادر الشاهد الشعري عند النحويين واللغويين، وذلك أن الدراسات اللغوية في بدايتها كانت من أجل القرآن الكريم وتفسيره، وهذه المصادر هي التي صرح المفسرون بذكرها في تفاسيرهم، وربما أغفلتُ ذكر بعض المصادر التي لم يشر إليها، وإن كان المفسر قد أخذ عنها. ولا شك أن حصر مصادر العلماء في تلك الموسوعات التفسيرية بدقة فيه عسر، لاختلاف مناهجهم، وإغفالهم لكثير من المصادر التي أخذوا عنها بطريقة أو بأخرى.
وأختم بالإشارة إلى أهمية الرجوعِ لمصادر الشعر الجاهلي والإسلامي في العصر الراهن، وانتزاع الشواهد الشعرية اللغوية والنحوية منها، والاستدلال بِها على قواعد ومسائل لم يسبق للمتقدمين الاستشهاد بها، أو دعم المسائل القديمة بشواهد إضافية دون الاقتصار على شواهد المتقدمين التي أصبحت مُمِلَّةً عند بعض الطلاب.
وقد كان عبد الحميد الفراهي (6) يفعل هذا في مصنفاته في التفسير
(1) الجامع لأحكام القرآن 1/ 158.
(2)
انظر: تفسير الطبري 1/ 387.
(3)
لم أجده عند ابن قتيبة في المطبو ع من كتبه.
(4)
البيت لِسَلمَةَ بن الخَرشب الأَنْماري.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 9.
(6)
هو عبدالحميد بن عبدالكريم بن قربان الفراهي الهندي ولد سنة 1280 هـ وتوفي سنة 1349 هـ، له تفسير نظام الفرقان، وله كتاب المفردات في غريب القرآن، وغيره. انظر: ترجمة الفراهي بقلم السيد سليمان الندوي في مقدمة كتاب إمعان في أقسام القرآن للفراهي 15.
واللغة، ويستدرك على المفسرين المتقدمين أشياء استنادًا إلى الشواهد الشعرية التي أخذها من هذه المصادر.
وسأمثل لذلك بِما قاله في تفسير معنى «الآلاء» وكيف جَمعَ الشواهد الشعرية لتأييد رأيه الذي ذهب إليه، وخالفَ فيه المتقدمين. (1) قال: «الآلاءُ، أَجْمعوا على أَنَّ معناه: النِّعَمُ، ولكنَّ القرآن، وأشعار العرب يأباهُ. والظاهرُ أَنَّ معناه: الفِعالُ العَجيبةُ
…
ولَمَّا كان غالبُ فِعالهِ تعالى الرَّحْمةَ، ظنُّوا أَنَّ الآلاءَ هي النعم. والروايةُ عن ابن عباس رضي الله عنهما حَملتهم على هذا. ولكنَّ السَّلفَ إذا سُئلوا أجابوا حسب السؤال، والمراد المخصوص في موضعٍ مسؤول عنه
…
أما القرآن فقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)} [النجم: 55، 56](2)، بعد ذكر إهلاك الأقوام. وهكذا في سورة الرحمن.
وأَمَّا كلامُ العَربِ، فقال طَرَفَةُ:
كامِلٍ يَحْمِلُ آلآءَ الفَتَى
…
نَبَهٍ سَيِّدِ ساداتٍ خِضَمّْ (3)
وقالت مَيَّةُ بنتُ ضرارٍ تَرثي أَخاها:
كَرِيْمٍ ثَناهُ وآلاؤُهُ
…
وكافِي العَشِيْرَةِ ما غَالَها (4)
وقال المهلهلُ أخو كُليبٍ يَرثي أَخاهُ كُليبًا:
الحَزْمُ والعَزْمُ كانا مِنْ طَبائِعِهِ
…
ما كُلُّ آلآئِه يا قَومِ أُحْصِيها (5)
وقال رَبيعةُ بنُ مَقرومٍ، أَحدُ بَنِي غَيظ بن السِّيد:
ولولا فَوارِسُنا ما دَعَتْ
…
بِذاتِ السُّلَيْمِ تَميمٌ تَميما
وما إِنْ لأُوئِبَها أَنْ أَعُدَّ
…
مآثرَ قَومِي ولا أَنْ أَلوما
(1) سأنقل تخريجات المحقق الدكتور محمد أجمل الإصلاحي للشواهد باختصار، وأدع الشرح طلبًا للاختصار.
(2)
النجم 55 - 56.
(3)
انظر: ديوانه 110.
(4)
انظر: شاعرات العرب 400.
(5)
انظر: ديوانه 90.
ولكنْ أُذَكِّرُ آلآءَنا
…
حَدِيثًا وما كانَ مِنَّا قَدِيْما (1)
وقال الأجدع الهمداني:
ورضيتُ آلآءَ الكُميتِ فَمَنْ يَبِعْ
…
فَرَسًا فَليسَ جَوادُنا بِمُباعِ (2)
قال الجوهريُّ في هذا الشِّعرِ: «آلآؤهُ: خِصالُهُ الجميلةُ» . ولكنَّهُ لَم يَتثبَّت (3) على هذا المعنى الذي هو أَصلُهُ، فقال في مادةِ أَلا:«والآلاءُ: النِّعَمُ، واحدُها: أَلا بالفتحِ، وقد يُكسَرُ ويُكتبُ بالياء، مِثالهُ: مِعى وأَمعاء» (4). فاتَّبعَ ما فَهِمَ المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه. وقال فَضالةُ بنُ زيدٍ العدواني، وهو من المُعَمّرين:
وفي الفَقْرِ ذُلٌّ للرِّقابِ، وقَلَّما
…
رَأَيتُ فَقيرًا غَيْرَ نِكْسٍ مُذَمَّمِ
يُلامُ وإِنْ كانَ الصَّوابُ بِكَفِّهِ
…
ويُحْمَدُ آلآءُ البَخيلِ المُدَرْهَمِ (5)
أي: يَحمدون صفاتِ البخيلِ وفِعالهِ. وهذا البيتُ أوضحُ دَلالةً مِمَّا ذكرنا قبلَهُ على معنى الآلاءِ. وقال الحماسيُّ (في المراثي، ولم يُسمِّهِ أبو تَمَّام):
إذا ما امرؤٌ أَثْنَى بِآلآءِ مَيّتٍ
…
فلا يُبْعِدِ اللهُ الوليدَ بنَ أَدْهَما
فَما كان مِفْراحًا إذا الخَيْرُ مَسَّهُ
…
ولا كان مَنَّانًا إذا هُو أَنْعَما (6)
فَفَسَّر ما أرادَ من الآلاءِ بذكر أَنَّهُ لم يكن مِفراحًا إذا مَسَّه الخيرُ، ولا مَنَّانًا إذا أَنعمَ. وقالت الخنساءُ:
فَبَكى أَخاكَ لآلآئهِ
…
إذا المَجدُ ضَيَّعَهُ السَّائِسُونا (7)» (8).
فهذه ثمانية شواهد شعرية ينتمي غالبها للعصر الجاهلي، توضِّحُ
(1) انظر: المفضليات 184.
(2)
انظر: الأصمعيات 69.
(3)
هكذا، ولعلها: يَثْبُت.
(4)
الصحاح 3/ 1189.
(5)
انظر: الحماسة البصرية 2/ 713، وذكر المحقق مصادر أخرى.
(6)
انظر: شرح الحماسة للمرزوقي 925.
(7)
انظر: أنيس الجلساء 243.
(8)
مفردات القرآن 125 - 133.
المعنى الدقيق للآلاء بدون شرحٍ، وقد أضافُ المُحققُ ستة شواهد شعرية جاهلية أخرى تؤيد هذا المعنى. وهذه الشواهد مأخوذة من مصادر الشعر الجاهلي الموثوقة، كحماسةِ أبي تَمَّام والمفضليات والأصمعيات ودواوين الشعراء.
يقول مُحققُ كتابهِ المُفردات: «ثُمَّ إِنَّ عددًا كبيرًا من شواهد المؤلف شواهد جديدة لم تَرِد في مظانِّها من كتب التفسير والغريب والمعاجم، مع أَنَّها وردت في الدواوين المشهورة التي رواها علماءُ اللغة، وكانت خليقةً بالتقييد لكونِها تَهدي إلى معنىً جديد لبعض الكلمات، أو وجهٍ جديدٍ من وجوهه، أو تفسيرٍ أدقّ من تفسيره المعروف» (1). وقد ذكر المترجِمون له أَنَّهُ كان يدرسُ الشعر الجاهلي دراسةً عميقةً من أجل هذه الغاية، وهي فهم القرآن الكريم فهمًا دقيقًا، والتوصل لذلك عن طريق الاستشهاد والاحتجاج بالشواهد الشعرية من الشعر الجاهلي. وقد بلغ في علم العربية مبلغًا يلحظه من تأمل مؤلفاته في ذلك. وهذا الباب يفتحُ مجال الاجتهاد والتدرب على مُمارسةِ كلام المتقدمين وشعرِهم، والغوصِ على أسراره.
(1) مفردات القرآن 65.