الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما بِالمدينةِ دارٌ غَيْرُ واحدَةٍ
…
دارُ الخليفةِ إِلاّ دَارُ مروانا (1)
وتقدير ذلك عنده: ولا الذين ظلموا - والفرقدان - ودار مروان. وقد تعقبه النحويون وخطأوه في ذلك. وقد رد الفراء قول أبي عبيدة بقوله: «فهذا صواب في التفسير، خطأ في العربية، إِنَّما تكونُ إِلاّ بِمَنْزِلة الواو إذا عطفتها على استثناءٍ قبلَها، فهنالك تصيرُ بِمَنْزِلةِ الواو» . (2) وقد استشهد الفراء بشاهد أبي عبيدة الثاني وهو قول الفرزدق، وقال في تأويله:«كأنه أراد: ما بالمدينة دارٌ إلا دار الخليفة ودار مروان» . (3)
ثالثًا: الاستشهاد البلاغي
.
وهو إيراد الشعر للاستشهاد على المسائل البلاغية في القرآن. وأساليب البلاغة يُستشَهدُ لَها بشعر المتقدمين والمتأخرين على حَدٍّ سواء لتعلُّقِ الأمر بالمعاني لا بالألفاظ، والمعاني مشاعةٌ بين الجميع. (5)
والشواهد البلاغية في كتب معاني القرآن وغريبه قليلةٌ، موازنة بالشواهد اللغوية والنحوية. وذلك أن البلاغة لم تكن قد اتضحت
(1) انظر: الكتاب 1/ 373، المقتضب 4/ 425، الجامع لأحكام القرآن 2/ 169 وليس في ديوان الفرزدق.
(2)
معاني القرآن 1/ 89 - 90.
(3)
المصدر السابق 1/ 90.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 3/ 204.
(5)
انظر: الخصائص 1/ 54.
معالمها، وفصلت مسائلها كما حدث للنحو. ولكن المؤلفين في معاني القرآن وغريب القرآن من النحويين واللغويين قد ذكروا في تضاعيف كلامهم وشروحهم للشعر وآي القرآن الكريم ملاحظات مختلفة في بلاغة الكلام، وصوره البيانية والتعبيرية، بحيث يمكن أن يقال: إنهم قدموا خدمة جليلة لعلم البلاغة حتى أوائل القرن الثالث الهجري.
وكتاب أبي عبيدة في غريب القرآن الذي سَمَّاه «مجاز القرآن» ما يوهم أنه في فنُّ المَجاز بمعناه البلاغي، وحقيقةُ الأمر أَنَّ كلمةَ المَجازِ عنده تَعني الدلالةَ الدقيقةَ لِصيغِ التعبيرِ القرآنيةِ المختلفة، وقد تنبَّه لذلك القدماء، فقال ابن تيمية:«أولُ مَن عُرِفَ أَنَّهُ تكلَّم بلفظِ المَجازِ أبو عبيدة مَعْمَرُ بنُ المُثنى في كتابه، ولكن لم يَعْنِ بالمَجازِ ما هو قسيم الحقيقة، وإنما عَنَى بِمجازِ الآية ما يُعَبَّرُ به عن الآية» . (1) أو بعبارةٍ أخرى، عَنَى بهِ تفسيْرَها وتأويلها. وقد تعرض أبو عبيدة إلى ما في الآيات من استعارةٍ وتشبيهٍ وكنايةٍ وتقديمٍ وتأخيرٍ وحذفٍ وتكرارٍ وإضمارٍ، وتوسعَ في تصوير الخصائص التعبيرية كالدلالةِ بلفظِ الخصوصِ على معنى العموم، وبلفظ العموم على معنى الخصوص، وكمخاطبة الواحد مخاطبة الجمع، والعكس وغير ذلك من مسائل البلاغة. (2)
وعاصره الفراء، وصنف كتابه معاني القرآن الذي تغلبُ عليه المسائل النحوية، والشواهد النحوية، ولكنه لم يُخْلِ كتابَهُ من التعرض لعددٍ من مسائلِ البلاغة ذات الصلة بالآيات القرآنية التي يفسرها. فقد تحدث عن التقديم والتأخير في الألفاظ، وتكلم عن الإيجاز والإطناب والمعاني التي تخرج إليها بعض الأدوات كأداة الاستفهام، كما أشار إلى بعض الصور البيانية مثل التشبيه والكناية والاستعارة، وفي أكثر ذلك يستشهد بالشواهد الشعرية البلاغية، حتى عَدَّهُ بعضُ الدارسين رائدًا في
(1) كتاب الإيمان 35.
(2)
انظر: مجاز القرآن 1/ 11.