الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الأحيان. (1)
والأمثلة كثيرة على نقل المفسرين للشواهد الشعرية عن غيرهم من العلماء مفسرين ولغويين وغيرهم (2)، وقد كان لذلك التعاقب على إيراد الشواهد الشعرية، وإعمال الذهن في فهمها، واستنباط الشواهد منها فائدة كبيرة في إغناء كتب التفسير، وقد كان هناك خلافات وتعقبات كثيرة للمتأخرين منهم على فهم المتقدمين للشواهد الشعرية، وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن منهج المفسرين في شرح الشاهد الشعري.
*
سابعًا: عدم تكرار الشواهد الشعرية:
يحرص المفسرون على عدم التكرار في المسائل التي بحثوها، فإذا عَرَضَ لهم موضعُ بَحْثٍ سَبَقَ لهم في موضعٍ متقدمٍ من التفسير أحالوا القارئ عليه رغبةً في الإيجاز وعدم تسويد الورق بالإعادة، ومن ذلك المسائل التي اشتمل بحثهم لها على استشهادهم بشواهد الشعر، فيُحِيلونَ في المواضع اللاحقة إلى المواضع السابقةِ بِمَا يدلُّ على أنه قد مَرَّ كذا بشواهده. كما إنهم يؤجلون بحث المسائل التي سيأتي موضعها الأليق ببحثها، ومن ذلك قول القرطبي في كثير من المواضع من تفسيره: وستأتي في موضع كذا. (3) والطبري مِمَّن يُكثرُ ذكرَ مثلَ هذه العبارات في تفسيره، ومن ذلك قوله:«وقد بَيَّنَّا معنى «المَخْمَصَةِ» ، وأَنَّها المَجَاعةُ بِشَواهدهِ .... في مَوضعٍ غَيرِ هذا، فأَغْنَى عن إِعَادتهِ ههنا». (4) وكان قد شرح معنى «المَخْمَصَةِ» في موضع سابق من تفسيره (5)، واستشهد له
(1) انظر: المحرر الوجيز 5/ 94.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 16، 21، 22، 26.
(3)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 5/ 17، 80، 84.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 14/ 564.
(5)
انظر: المصدر السابق 9/ 532 - 533.
بشواهد من الشعر، وذكرَ وجهَ الاستشهاد في كُل شاهد، فآثر في الموضع الثاني الإحالة لهذا الموضع، رغبة في عدم التكرار، والإثقال على القارئ.
ومثل ذلك قوله أيضًا: «وقد بَيَّنَّا معنى «الكافَّة» بشواهده، وأقوال أهل التأويل فيه، فأَغْنَى عن إعادته في هذا الموضع». (1) وقوله أيضًا وهو يتحدث عن معنى الحصير، وأَنَّه يأتي على وزن فَعِيْلٍ من الحَصْرِ الذي هو الحَبْسُ:«وقد بينت ذلك بشواهده في سورة البقرة» . (2) وقوله: «ومعنى الحكيم في هذا الموضعِ المُحْكِمُ، صُرِفَ مُفْعِل إلى فَعَيلٍ، كما قيل:{عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 10](3) بِمَعنى: مُؤْلِم، وكما قال الشاعر:
أَمِنْ رَيْحَانةَ الدَّاعي السَّميعُ (4)
وقد بيَّنَّا ذلك في غير موضع من الكتاب». (5) وقوله كذلك: «وقد بينا فيما مضى أَنَّ النِّدَّ العِدْلُ، بِما يدلُّ على ذلك من الشواهد، فكرهنا إعادته» . (6) وكل هذه العبارات تبين عن منهجه في أنه يحرص ألَاّ يكرر ما سبق من الشواهد الشعرية إلا بقدر الحاجة، وأما الأصل فهو أن يُحيلَ إلى ما سبقَ بَيَانُهُ بشواهده. (7) وكثيرًا ما يورد الطبري عبارة:«ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى» . (8) وعبارة: «والشواهد على ذلك - من أشعار العرب وكلامها - أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرناه كفاية لمن وفق لفهمه إن شاء الله تعالى» . (9) وقوله بعد أن يورد عددًا من
(1) تفسير الطبري (شاكر) 14/ 565.
(2)
تفسير الطبري (هجر) 14/ 509، وقد تقدم في تفسير سورة البقرة 3/ 342 وما بعدها من طبعة (هجر).
(3)
البقرة 10.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 15/ 12.
(6)
المصدر السابق 3/ 279، وانظر 1/ 368 من طبعة (شاكر).
(7)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 13/ 78، 116، 118، 148، 155، 163، 168، 171، 179، 14/ 392.
(8)
تفسير الطبري (شاكر) 2/ 163.
(9)
المصدر السابق 1/ 161.
الشواهد الشعرية: «وذلك كثير في كلام العرب وأشعارها» . (1)
هذا هو الأصل ففي منهج الطبري في عدم تكرار الشواهد الشعرية، غير أنه ربَّما كرر في بعض المواضع، مع إشارته إلى شواهده السابقة، ومن ذلك قوله: «يعني جل ثناؤه بقوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ} [الأعراف: 167](2) واذكر يا محمد إذ أَذِنَ ربكَ وأَعْلَمَ، وهو تَفَعُّلٌ من الإِيْذَانِ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس:
أَذِنَ اليومَ جِيْرَتِي بِخُفُوفِ
…
صَرمُوا حَبْلَ آلِفٍ مَألوفِ (3)
يعني بقوله: «أَذِنَ» ، أعلم. وقد بيَّنَّا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع». (4) وعند مراجعة المواضع السابقة يتبين لك أنه قد ذكر معاني الإذن، غير أنه لم يكرر الشاهد الشعري السابق، وإنما أورد شاهدًا جديدًا.
ومثل الطبري في هذا المنهج بقية المفسرين كالقرطبي حيث قال: «والإسراف في اللغة الإفراط ومُجاوزةُ الحد، وقد تقدم في آل عمران» . (5) وقال أيضًا: «وقال القفال: يحتمل أنه كان أبيح لهم من الشراب ما يحرك الطبع إلى السخاء والشجاعة والحمية، قلت: وهذا المعنى موجود في أشعارهم، وقد قال حسان:
ونَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا (6)
وقد أشبعنا هذا المعنى في البقرة». (7)
(1) المصدر السابق 13/ 279.
(2)
الأعراف 167.
(3)
انظر: ديوانه 145.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 13/ 204، وانظر: 2/ 449.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 40.
(6)
صدر بيت، وعجزه:
.............................
…
وأسدًا ما ينهنهنا اللقاءُ
انظر: ديوانه 42.
(7)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 203، للمزيد انظر: القرطبي 5/ 28، 5/ 34، 5/ 82.