الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشاهد من الشعر (1).
كما وصفها المستشرق جولد زيهر بأنها أسطورة فقال: «وبذلك المبدأ المنهجي المنسوب لابن عباس، اقترنت على النمط العربي أسطورة مدرسية عظيمة الإفادة، وجدت مدخلًا إلى المعجم الكبير للطبراني (المتوفى سنة 360 هـ =971 م)، وذلك أن الزعيم الخارجي نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن عدد كبير من مفردات القرآن، طالبًا إليه أن يستشهد على معانيها من الشعر القديم» (2). واتهم اللغويين المتأخرين بوضع هذه المسائل ونسبتها لابن عباس فقال: «وهذه مُبَايعةٌ من عَالَمِ اللغويين المتأخرين لأبي التفسير الذي نَمَّى الطريقة اللغوية في تفسير القرآن» (3). كما شكك فيها بعض المؤرخين المعاصرين (4).
*
مسائل الإمام الطستي:
وقد طُبِعَتْ مسائلُ نافع بن الأزرق من رواية الطَّسْتيِّ بعنوان «مسائل الإمام الطستي عن أسئلة نافع بن الأزرق وأجوبة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما» ، قام بجمعها الدكتور عبدالرحمن عميرة، والروايات التي في هذه المطبوعة بلغت سبع روايات وأربعمائة رواية، والإسناد الذي رويت به هذه المسائل مُعَلٌّ بِعَللٍ سبق ذكرُها، وهو ضَعيفٌ جدًا، ولا يُحتجُّ به، ويضاف إلى ذلك بعض الانتقادات لهذه المطبوعة، وهذه الملحوظات هي:
أولًا: ليست هذه المسائل جَميعًا من رواية الطستي، بل فيها مسائل كثيرة، مروية من طريق عَبْدِ بن حُميدٍ (5)، ومن طريق ابن
(1) انظر: نقض كتاب في الشعر الجاهلي لمحمد الخضر حسين 121.
(2)
مذاهب التفسير الإسلامي 90.
(3)
المصدر السابق 90.
(4)
انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 8/ 664 - 665.
(5)
انظر: مسائل الإمام الطستي 1/ 90.
الأنباري (1)، ومن طريق ابن أبي حاتم (2)، والطبراني (3).
ثانيًا: ورد في المسائل استشهاد ابن عباس بشواهد شعرية، لشعراء ولدو بعد وفاة ابن عباس، مثل أبان بن تغلب (4)، فقد مات سنة 141 هـ، ولم يدرك ابن عباس. وكذلك وردت شواهد شعرية كثيرة لشعراء يُشَكُّ في أَنَّ ابنَ عباسٍ أَدركَهُم، وفي هذه المسائل ما يدل على أنه روى شعرهم مثل العَجَّاجِ التميمي الرَّاجزِ حيث يستشهدُ ابنُ عبَّاس بشعره (5)، ووردت شواهد استشهد بها ابن عباس من شعر أبي النجم العجلي (ت 120 هـ)(6)، ورؤبة بن العجاج (7)، والأخطل (ت 95 هـ)(8) والطرماح بن حكيم (ت 120 هـ تقريبًا)(9)، والقطامي (ت 101 هـ)(10)، وغيرهم.
وربما أورد ابن عباس -كما في هذه المسائل - شاهدًا شعريًا ينسبه لأحد المتأخرين في قوله في جواب لنافع عن معنى «المسيح» ، حيث قال: «المسيح: العَرَقُ يَسِيْلُ من الجَبين. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت بعض المتأخرين يقول:
افْرَحْ فَسوفَ تَأْلَفُ الأَحْزَانَا
…
إِذَا شَهِدْتَ الحَشْرَ والميزَانَا
وسَالَ مِنْ جَبِيْنِكَ المَسِيْحُ
…
كَأَنَّهُ جَداولٌ تَسيحُ» (11).
(1) انظر: مسائل الإمام الطستي 1/ 75، 82، 112، 120، 128، 129، 135، 136، 142، 147، 150، 2/ 16، 30، 94، 105.
(2)
انظر: مسائل الإمام الطستي 2/ 38.
(3)
انظر: المصدر السابق 1/ 77، 1/ 148.
(4)
انظر: المصدر السابق 1/ 120، وانظر: بغية الوعاة 1/ 404.
(5)
انظر: مسائل الإمام الطستي 1/ 40.
(6)
انظر: المصدر السابق 1/ 1/41.
(7)
انظر: المصدر السابق 1/ 40، 63.
(8)
انظر: المصدر السابق 1/ 45، 52.
(9)
انظر: المصدر السابق 1/ 51، 55.
(10)
انظر: المصدر السابق 1/ 103، وانظر: 1/ 118.
(11)
انظر: المصدر السابق 1/ 122.
وهَذا شِعرٌ ضعيفٌ متأخرٌ، وقد بحثت في معاجم اللغة عن معنى كلمة:«المسيح» . فلم أجد مَنْ ذَكَرَ مِن معانيه أَنَّهُ العَرَقُ الذي يَسيلُ من الجبين (1).
ورأيتهُ ذَكَرَ أَنَّ ابنَ عباس استشهد لمعنى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} بشاهدٍ غير منسوب، ولكنه تظهر عليه علامات الحداثة والتأخر وهو قول الشاعر:
نَامَ مَنْ كَانَ خَلِيًّا مِنْ أَلَمْ
…
وَبَقِيتُ الليلَ طُولًا لَمْ أَنَمْ
وبعد البحث تبين لي أنه للوليد بن يزيد بن عبد الملك الأموي (2)، وهو من خلفاء الأمويين ولد سنة 88 من الهجرة بعد وفاة ابن عباس بعشرين سنة، مما يعني استبعاد استشهاد ابن عباس بشعره (3).
ثالثًا: ظهور علامات التكلفِ في التفسير، مِمَّا لا يُعرفُ من منهج ابن عباس في التفسير، ومن ذلك قوله في جواب عن معنى «الخوف» في قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229](4): «العَرَبُ قد تضعُ «الظنَّ» موضع «الخَوفِ» ، و «الخَوفَ» موضع «الظنِّ» في كلامها لتقارب معنييهما
…
» (5)، ثم أورد شاهدًا من الشعر. وهذا النص مع الشاهد الشعري هو نص كلام الطبري في تفسيره، ولم ينقله عن ابن عباس (6). وقد نسبه جامع هذه المسائل لابن عباس.
ومن علامات التكلف هذه ذِكْرُ ابنِ عباسٍ لأوجه اشتقاقية لم تكن معروفة كصناعةٍ في زمنه رضي الله عنهما، وإنما عرفت عند المتأخرين. ومن ذلك قول ابن عباس في جوابه عن معنى «تَتْلُو» في قوله تعالى:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102](7) حيث قال: «(يتلو كذا) له في
(1) انظر: لسان العرب 6/ 451 - 453 (سيح).
(2)
انظر: الأغاني 7/ 91.
(3)
انظر: سير أعلام النبلاء 5/ 370، خزانة الأدب 1/ 328.
(4)
البقرة 229.
(5)
مسائل الإمام الطستي 1/ 62.
(6)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 4/ 550.
(7)
البقرة 102.
كلام العرب معنيان .. أحدهما: الاتباع كما يقالُ: تَلَوتُ فلانًا إذا مشيتُ خَلْفَهُ، وتَبِعتُ أَثَرَه، كما قال جل ثناؤه:{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} [يونس: 30](1) يعني بذلك: تَتَّبِع.
والآخرُ: القراءةُ والدراسةُ، كما تقول: فلانٌ يتلو القرآن
…
» (2). ثم ذكر شاهدًا من الشعر عن حسان بن ثابت رضي الله عنه. وهذا التحليل للفظة ليس من أسلوب ابن عباس، وطريقته المعروفة، وإنما هو من منهج المتأخرين من العلماء، وهذا الكلام بنصه وشاهده الشعري للطبري (3)، وهو من كلامه، ولم ينقله عن أحد. وقد تتبعت كثيرًا من المسائل المنسوبة لابن عباس في هذه المطبوعة المنسوبة للطستي، فوجدتها منقولةً من تفسير الطبري بنصها دون إشارة لذلك (4).
رابعًا: نقل كلامًا لابن عباس ينقل فيه ابن عباس أقوالَ علماءَ متأَخرينَ كَعيسى بنِ عمرَ النَّحويِّ (ت 149 هـ)، كقوله عندما سأل نافع بن الأزرق عن معنى {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)} [البقرة: 108] (5): «السَّواءُ: القَصْدُ والمَنْهَجُ، وأَصلُ السَّواءِ: الوَسَطُ، ذُكر عن عيسى بن عمر النحوي أنه قال: ما زلت أكتب حتى انقطعَ سَوائِي، يَعْنِي: وَسَطِي. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم
…
» (6). ثم أورد شاهدًا لحسان بن ثابت رضي الله عنه. وفَعَلَ مثلَ ذلكَ بنقله لكلام، أبي عمرو بن العلاء
(1) يونس 30، قرأ بالتاء {تَتْلُوا} ابن مسعود، وحَمزةُ، والكسائي، وخلف، والأعمش، وزيد بن علي، وروح عن يعقوب. وقرأ الباقون بالباء {تَبْلُوا} انظر: السبعة 325، التيسير 121، النشر 2/ 283.
(2)
مسائل الإمام الطستي 1/ 43.
(3)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 2/ 411.
(4)
انظر: مسائل الطستي 1/ 44 - 45 وازنها بما في تفسير الطبري (شاكر) 2/ 495 - 496.
(5)
البقرة 108.
(6)
مسائل الإمام الطستي 1/ 45.
(154 هـ)(1)، والفراء (207 هـ)(2)، وأبي عبيدة (210 هـ)(3)، وأختم بزعمِ نقلِ ابنِ عباسٍ عن قُطربَ في قوله لنافع بن الأزرق مُجِيبًا لَهُ عن معنى «الصَّرْصَرَة» ، وأَنَّهَا الريحُ شديدةُ البَرْدِ والصَّوتِ بقوله: «أَمَا سَمعتَ قُطربَ وهوَ يُنشدُ قولَ الحطيئة:
المُطعمونَ إِذا هَبَّتْ بِصَرْصَرَةٍ
…
والحَامِلُونَ إِذا اسْتُودُوا على النَّاسِ (4)» (5).
وقُطْرُبُ توفي سنة 206 هـ (6). فأينَ ابنُ عباسٍ مِنْ قُطرب؟
خامسًا: ذكر عميرة أن نافعًا سأل ابن عباس فقال: «أخبرني عن قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 31](7)، قال: هو ما تأكله البهائم من العشب، وكل ما أنبت الأرض مما لا يأكله الناس. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم
…
أما سمعت الشاعر وهو يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول:
لَهُ دَعْوَةٌ مَيْمُونَةٌ رِيحُهَا الصَّبَا
…
بِهَا يُنبتُ اللهُ الحصيدةَ والأَبَّا (8)
وهذه المسألة ليست من مسائل الطستي، ولا من مسائل نافع بن الأزرق في كل المصادر، وإنما هي من كلام القرطبي في تفسيره للآية دون إشارة لنافع ولا لابن عباس (9).
سادسًا: تكرار بعض المسائل بشواهدها الشعرية. فقد ذكر عند تفسير قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6](10) أن نافع سأل ابن عباس عن معنى الملامسة هنا، فأجابه بأَنَّهَا الجماع، وفي لغة هذيل: اللمس باليد. واستشهد له بشاهدين من الشعر للبيد بن ربيعة
(1) انظر: مسائل الإمام الطستي 2/ 61.
(2)
انظر: المصدر السابق 2/ 110.
(3)
انظر: المصدر السابق 2/ 106.
(4)
لم أجده في ديوانه.
(5)
انظر: مسائل الإمام الطستي 2/ 64.
(6)
انظر: بغية الوعاة 1/ 243.
(7)
عبس 31.
(8)
انظر: مسائل الإمام الطستي 2/ 121.
(9)
الجامع لأحكام القرآن 9/ 222، وانظر: فتح الباري 13/ 230.
(10)
النساء 43.
والأعشى (1). ثُمَّ كرر المسألة بألفاظها عند تفسير الآية السادسة من سورة المائدة: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (2) ومثل ذلك تكراره لشاهد شعري واحد استشهد به ابن عباس على مفردتين مختلفتين، كقول زهير:
لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ
…
لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ (3)
فقد ورد استشهاد ابن عباس به على معنى: «بنان» . في رواية للبيت:
شاكي البنان .. بدل شاكي السلاح. وورد استشهاده به على معنى لبد (4).
سابعًا: الذي يظهر لي أن هذه المطبوعة مجموعة من عدة مصادر، وأهم هذه المصادر هو «الدر المنثور» للسيوطي، فقد أوردها السيوطي مُفَرَّقةً بِحَسبِ مواضعِ السُّور والآيات، ومن أدلة ذلك:
1 -
يقول السيوطي قبل كل مسألة: «وأخرج الطستي في مسائله عن نافع بن الأزرق كذا وكذا
…
». وهكذا المطبوعة.
2 -
هناك مسائل انفرد بِهَا الطستيُّ في مسائله، نقلها عنه السيوطي، مِمَّا يوحي باعتماد الدكتور عبد الرحمن عميرة عليه (5).
3 -
هناك مسائل عزاها السيوطي للطستي ليست في المخطوطة، في حين ذكرها الدكتور عميرة في مسائل الطستي (6)، وهذا أدل على اعتماده على «الدر المنثور» .
كما يعد كتاب «إيضاح الوقف والابتداء» لابن الأنباري مصدرًا
(1) انظر: مسائل الإمام الطستي 1/ 79.
(2)
انظر: المصدر السابق 1/ 90.
(3)
انظر: ديوانه 28، وقد نسب في مسائل الطستي للهذلي دون تعيين 1/ 115.
(4)
انظر: مسائل الطستي 1/ 151، 2/ 103.
(5)
انظر: غريب القرآن في شعر العرب 132، 203، 235، 248، يقابل بالترتيب بِما في الدر المنثور 14/ 192، 8/ 90، 6/ 230، 3/ 427.
(6)
انظر: الدر المنثور 6/ 161، مسائل الإمام الطستي 1/ 101.
مهمًا لجامع هذه المطبوعة، حيث نقل عنه عددًا من المسائل (1).
وكذلك تفسير الطبري فقد أخذ منه كلامًا للطبري ونسبه لابن عباس دون الإشارة إلى ذلك، وقد تقدمت بعض الأمثلة. وكذلك تفسير القرطبي فقد نقل منه بعض المسائل.
وهذا كله يَرجح أَنَّ جامع هذه المسائل، الذي أخرج هذه المطبوعة وسَمَّاها «مسائل الإمام الطستي» لم يُحَقِّق النسخة المخطوطة لمسائل الطستي المَحفوظة في دار الكتب المصرية برقم 166 مجاميع، وربما لم يطلع عليها، وقد حقق الدكتور إبراهيم السامرائي هذه المخطوطة وأخرجها كما تقدم. وهناك تحقيق آخر لهذه المخطوطة لمُحمد عبدالرحيم وأحمد نعامة، صدر من مؤسسة الكتب الثقافية في القاهرة عام 1413 هـ بعنوان:«غريب القرآن في شعر العرب - سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس» ، وقد بلغ عدد المسائل فيها مائتين وخمسين مسألة، كلها عن غريب القرآن عدا مسألة واحدة عن كلمة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (2). في حين ذكر الدكتور عبدالرحمن عميرة في هذه المسائل سبع مسائل وأربعمائة مسألة.
ومن أدلة عدم اطلاعه على هذه المخطوطة ذكره لمسائل ليست في مخطوطة مسائل الطستي (3)، وإهماله لمسائل ضمن المخطوطة لم يذكرها في المطبوعة (4). كما ذكر عميرة مسائل ليست على شرط نافع بذكر شاهد
(1) انظر: مسائل الإمام الطستي 1/ 75، 82، 112، 120، 128، 129، 135، 136، 142، 147، 150، 2/ 16، 30، 94، 105.
(2)
انظر: غريب القرآن في شعر العرب 190، المسألة رقم 160.
(3)
انظر: مسائل الإمام الطستي 1/ 112، 115، 2/ 16، 29، 30 - 31، 121.
(4)
انظر: غريب القرآن في شعر العرب 51، 72، 89، 92، 150، 156، 167، 173، 192، 205، 218، 260، 283 وليست في مسائل الطستي المجموعة لعميرة.