الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد اكتفى الزمخشري بصدر البيت وكلمة من عجزه، وكمل موضع الشاهد منه بهذا، وهو بيت شهير لامرئ القيس، وتمامه:
حَلَفْتُ لَهَا باللهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ
…
لَنَامُوا فَمَا إِنْ مِنْ حَديثٍ ولا صَالِ (1)
5 - إيراد جزء من بيت وما يرتبط به من بيت آخر:
ومن عناية المفسرين بالشاهد أنهم قد يوردون جُزءًا من بيتٍ، وجُزءًا مِن البيت التالي له؛ لِكَونِهِ موضعَ الشاهدِ، كما قال الطبري عند تفسيره لقوله تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114](2) وهو يذكر حجةَ مَنْ ذَهبَ إلى أنَّ «مَنْ» في الآية في موضع نَصبٍ: «وأَمَّا النَّصبُ فَعَلى أن تَجعلَ «النَّجْوَى» فِعلًا (3)، فيكونُ نصبًا؛ لأَنه حينئذٍ يكون استثناءً منقطعًا؛ لأَنَّ «مَنْ» خلافُ «النَّجْوى» ، فيكون ذلك نظير قول الشاعر:(4):
.........................
…
ومَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إِلَّا أَواريَّ لأيًا ما أُبَيِّنُها
…
................. ». (5)
فقد اكتفى الطبري بموضع الشاهد من البيتين، وهو جزء من عجز الأول، وصدر الثاني، وذلك لا رتباطهما من حيث المعنى، وتمام البيتين:
وَقفتُ فيهَا أُصَيلانًا أُسَائِلُهَا
…
عَيَّتْ جَوابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إِلَّا الأَواريَّ لأَيًا مَا أُبَيَّنُهَا
…
والنُّؤيُ كَالحَوضِ بِالمَظلومةِ الجَلَدِ (6)
6 - الاستشهاد بجزء من قصيدة:
وهذه الصورة نادرة، وألحقتها بهذه المسألة تجوزًا، ونادرًا ما يورد المفسر عددًا من الأبيات من القصيدة الواحدة متتالية، وإن حصل ذلك
(1) انظر: ديوانه 32.
(2)
النساء 114.
(3)
أي مصدرًا.
(4)
هو النابغة الذبياني.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 9/ 203.
(6)
انظر: ديوانه 14 - 15.
فيكون الاستشهاد بها على الأسلوب من حيث النحو أو البلاغة لا على الألفاظ. ومن ذلك استشهاد الطبري لأسلوب الالتفات في قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)} [البقرة: 107](1) بأبيات للكميت بن زيد، حيث قال الطبري: « .... وذلك من كلام العرب مستفيضٌ بينهم، فصيح أَنْ يُخْرِجَ المتكلمُ كلامَه على وجه الخطاب منه لبعض الناس، وهو قاصدٌ به غَيْرَه وعلى وجه الخطاب لواحدٍ وهو يقصد به جَماعةً غَيرَه، أو جَماعةً والمخاطبُ به أَحدُهُم، وعلى هذا الخطاب للجماعة والمقصود به أحدهم من ذلك قول الله جل ثناؤه:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)} ثم قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)} [الأحزاب: 1 - 2] فرَجعَ إلى خطاب الجماعة وقد ابتدأ الكلام بخطاب النبي، ونظير ذلك قول الكميت بن زيد في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إلى السِّرَاجِ المُنِيرِ أَحْمدَ لا
…
يَعْدِلُنِي رَغبةٌ ولا رَهَبُ
عنهُ إلى غَيرهِ ولو رَفَعَ
…
الناسُ إليَّ العيونَ وارتقبُوا
وقِيْلَ: أَفْرطتَ، بَلْ قَصَدْتُ وَلَو
…
عَنَّفَنِي القَائلونَ أَو ثَلَبُوا
لَجَّ بِتَفضيلكَ اللسانُ ولَو
…
أُكْثِرَ فيكَ الضِّجَاجُ واللَّجَبُ
أَنْتَ المُصَفَّي المَحْضُ المُهَذَّبُ في
…
النِّسْبةِ إِنْ نَصَّ قَومَكَ النَّسَبُ (2)
فأخرج كلامه على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قاصد بذلك أهل بيته فكني عن وصفهم ومدحهم بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وعَنَى بني أمية بالقائلين المُعَنِّفيْن؛ لأنه معلوم أنه لا أحد يوصف بتعنيف مادح النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيله، ولا بإكثار الضجاج واللجب في إطناب القيل بفضله». (3) وهذه صورة قليلة الورود في كتب التفسير.
(1) البقرة 107.
(2)
انظر: ديوانه 4/ 158، الحيوان 5/ 170.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 2/ 485 - 486.