الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مدى الاعتماد على الشاهد الشعري عند مؤلفي كتب معاني القرآن وغريب القرآن
بعد بيان منهج أصحاب المعاني والغريب في إيراد الشواهد الشعرية، ودراسة طريقهم في عرضها عند الاستشهاد بها، من المناسب بيان مكانة الشاهد الشعري في كتب معاني القرآن وغريبة، ومَنْزلته بين الشواهد الأخرى، وهل اعتمدوا على الشاهد الشعري في بَحثهم في تفسير الآيات؟ أم أن ذلك لم يكن إلا اعتضادًا به مع غيره من الشواهد؟ وإن كانوا قد اعتمدوا على الشاهد الشعري فما مدى هذا الاعتماد؟ وكيف يمكن قياس مقدار هذا الاعتماد؟ وهذا ما يتناوله هذا المبحث.
أولًا: اعتماد أصحاب المعاني والغريب على الشاهد الشعري
.
يدخل في المعرفة بلغة العرب معرفةُ شواهدِهَا من الشعر الذي اعتمد عليه العلماء في تقعيد القواعد، وشرح الغريب من القرآن والحديث. ولذلك لم يكن رواة الشعر وعلماؤه يقبلون تفسيرًا لا دليل عليه، ولا حجة تؤيده ولا سيما من الشعر، حتى قال الجاحظ بعد أن ذكر شيئًا عن العرب:«ولا بد من أن يكون على ذلك دليلٌ، إمَّا شِعْرٌ وإمَّا حديث، وإما أن يقول ذلك العلماءُ، فإِنْ جاءوا مع ذلك بشاهدٍ فهو أَصحُّ للخَبَرِ، وإن لم يأتوا بشاهدٍ فليس قولهم حجةً» . (1)
وللشاهد الشعري في كتب معاني القرآن وغريبه ظهور واضح،
(1) البرصان والعرجان والعميان والحولان 104، وانظر ص 115.
ومكانة خاصة، فقد كان أصحاب هذه المصنفات من رواة الشعر الأوائل أو من طبقة تلاميذهم، ولذلك كان الشعر أهمَّ ما استشهد به أهلُ المعاني والغريب في بيان الدلالة اللغوية، والاحتجاج للأحكام النحوية، وقد كان لهم في ذلك منازعُ مختلفةٌ تبعًا لأسلوب كُلٍّ منهم وغايته، والمرحلة التي أَلَّفَ فيها كتابه، إذ كان بعضهم يعتمد عليه اعتمادًا كليًا حتى عيب به كأبي عبيدة في «مجاز القرآن» ، وبعضهم يقتصد كالأخفش والفراء، وسيأتي تفصيل ذلك.
وقد تقدم بيان أنه لا يشترط وجود شواهد من الشعر لبيان كُلِّ لفظٍ في القرآن الكريم؛ لعدمِ الحاجة إلى ذلكَ، لأن أغلب ألفاظ القرآن ظاهرة لا تحتاج في بيانها إلى الاستشهاد بالشعر أو غيره. ولم يكن أهلُ اللغةِ يعتمدون في بيان المفردات في الغالب إلا على شعر العرب وكلامهم، دون الرجوع لتفسير الصحابة والتابعين للقرآن مع أنهم أعلم بالقرآن ولغته على حد سواء، وذلك «لأَنَّهم إمَّا عَرَبٌ تُنقلُ عن مثلهم اللغةُ، كالصحابةِ وكبار التابعين، الذين عاصرهم اللغويون الذين نقلوا اللغةَ ودونوها، وأَقلُّ حالِ مُفسري أتباعِ التابعين أنْ يكونوا بِمنْزِلةِ هؤلاء اللغويين في نقلِ اللغة» . (1) والمفردات التي أخذها اللغويون عن المفسرين كثيرة، وقد أفردها بعض العلماء بالذكر. (2)
أهل المعاني من اللغويين واستشهادهم بالشعر:
وقد كان اللغويون المتقدمون أهلَ عنايةٍ بحفظِ الشعر عامة، وشعر الشواهد خاصة، واشتهر من اللغويين وأهل المعاني بحفظ شواهد الشعر محمدُ بن القاسم الأنباريِّ (ت 328 هـ) فذكر تلميذه أبو علي القاليِّ أنه
(1) انظر: التفسير اللغوي للقرآن الكريم 560.
(2)
انظر: المدخل لعلم تفسير كتاب الله للسمرقندي 98 باب ما جاء عن أهل التفسير ولا يوجد له أصل عند النحويين ولا في اللغة.
كان يَحفظُ ثَلاثَمائة ألف بيتٍ من الشعر شواهد في تفسير القرآن (1)، ولم يُسمع بأحفظ منه لشواهدِ القرآنِ من أهل اللغة والتفسير، وهذا يستحق الوقوف عنده، لمناسبة الحديث عن أصحاب معاني القرآن وغريبه وهو منهم، ولمعرفة حقيقة هذه الكثرة من الشواهد التي كان يحفظها، ومنهجه الذي كان يسلكه في الاستشهاد بها.
ومِمَّا يؤسَفُ عليه أَنَّ كتابيه في معاني القرآن، وغريب القرآن من المفقودات (2)، وقد ذُكِرَ أنه يبلغ خمسًا وأربعين ألف ورقة، ولو عُثِرَ عليهِما لتبيَّنَ منهجهُ في الاستشهاد على غريب القرآن وبيان معانيه، غير أنَّ في مصنفاته التي طُبعت (3) ما يدلُّ على شيء من ذلك، فقد تجاوز عدد شواهده في كتاب «المذكر والمؤنث» ألفَ شاهدٍ من الشعر، مع صغرِ حجمهِ، وهو في هذا الكتابِ رُبَّما استشهد على بعض المسائل بتسعة شواهد من الشعر، كاستشهاده على لفظة «المَنُونِ» ، و «الكَبِدِ» ، و «سرى وأسرى» وغيرها. (4) وفاقت شواهد الشعر في كتاب «الأضداد» الثمانمائة شاهد (5)، وأما شواهد «الزاهر» فقاربت الثلاثة الآف شاهد (6)،
وبلغت شواهد «إيضاح الوقف والابتداء» ما يقارب الثلاثمائة شاهد من
(1) انظر: معرفة القراء الكبار 1/ 281.
(2)
انظر: تاريخ بغداد 3/ 184، إنباه الرواة 3/ 204، معجم الأدباء 18/ 312 وأجمعوا على أنه لم يتمه.
(3)
طُبِعَ من كتبه: الأضداد، إيضاح الوقف والابتداء، شرح الألفات، شرح خطبة عائشة في أبيها، شرح ديوان عامر بن الطفيل، شرح القصائد السبع الطوال، الزاهر في معاني كلمات الناس، المذكر والمؤنث، ومجلس من أماليه، ورسائل صغيرة.
(4)
انظر: المذكر والمؤنث بتحقيق الدكتور محمد عضيمة رحمه الله 1/ 15، 273، 348، 432.
(5)
انظر: الأضداد، فهارس الشعر 463 - 483.
(6)
قمت بعد الشواهدِ فبلغت 2940 شاهدًا، حيث لا يوجد فهرس لطبعة مؤسسة الرسالة المُحققة التي عندي، وأخبرني فضيلة الشيخ المشرف بوجود فهرس للكتاب غير أني لم أجده بعد.
الشعر (1)، بل إن مجلسًا من أماليه في ست ورقات، بلغت الشواهد فيه ثمانية عشر شاهدًا (2)، وقد روى أبو علي القالي كثيرًا من شواهده الشعرية في تفسير القرآن (3).
ومن سعة حفظه للشواهد كان يكثر من إيرادها في مصنفاته، ويرى الإخلال بها في مواضعها نقصًا ينبغي تداركهُ، ولذلك عندما رأى كتاب المفضل بن سلمة «الفاخر» خاليًا من شواهد الشعر، شرع في تصنيف كتابه «الزاهر» ، وبناه عليه (4)، وزاد فيه من الشعر ما زاد به حجم الكتاب، مع إيراده مسائل متفرقة من نحو الكوفيين. وقد دفع هذا الإكثارُ من الشواهد في الكتاب، وما في الكتاب من نصرة مذهب الكوفيين معاصره أبا إسحاق الزجاجي إلى اختصاره، وقال في بيان سبب اختصاره:«هذا كتاب جمعت فيه جمل الألفاظ التي ذكرها أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه الموسوم بالزاهر، فشرحتها مختصرة موجزة، وحذفت عنها الشواهد وما تعلق بها من كلامه المطول، ليقرب حفظها على من أرادها» . (5)
وكان يُكثرُ تخطئةَ ابنِ قتيبة (ت 276)، وشيخه أبي حاتمٍ السجستانيِ (ت 255)، وصنَّفَ في ذلك كتبًا، وقد أشار إلى ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية فقال: «وابن الأنباري
…
من أكثر الناس كلامًا في معاني الآي المتشابهات، يذكر فيها من الأقوال ما لم ينقل عن أحد من السلف، ويحتج لما يقوله في القرآن بالشاذ من اللغة، وقصده بذلك الإنكار على ابن قتيبة، وليس هو أعلم بمعاني القرآن والحديث، وأتبع
(1) انظر: إيضاح الوقف والابتداء 2/ 1044 - 1059.
(2)
انظر: مجلس من أمالي ابن الأنباري، بتحقيق إبراهيم صالح 38.
(3)
انظر: أمالي القالي 1/ 4، 9، 27، 29، وغيرها.
(4)
انظر: الفاخر للمفضل بن سلمة 1.
(5)
مقدمة محقق الزاهر في معاني كلمات الناس 1/ 65.
للسنة من ابن قتيبة، ولا أفقه في ذلك، وإن كان ابن الأنباري من أحفظ الناس للغة، لكن باب فقه النصوص غير باب حفظ ألفاظ اللغة». (1)
ولعل هذا يُفسِّرُ قلة احتفال العلماء بكتب التفسير التي ذكر أنها اشتملت على عدد كبير من شواهد الشعر، خرجت به عن المقصود كما ذكر الذهبيُّ عن تفسير عبد الوهاب بن مُحمدٍ الشيرازيّ (ت 500 هـ)، الذي ضَمَّنَهُ مائةَ ألف بيتٍ من الشواهد الشعرية (2)، وذكر السهيليُّ أنه رآه، وسَمِعَ ما فيه من الشواهد الشعرية المؤكِّدةِ لفصاحته. (3) حيث إن في كثرة إيراد الشواهد الشعرية على الألفاظ ما يدعو للملل، ويزهد في القراءة، ولذلك كان المنهج الذي سار عليه الطبري وأمثاله من المفسرين، وأصحاب المعاني والغريب، من الاكتفاء بما يؤدي الغرض في الاستشهاد هو المنهج الأمثل في الاستشهاد في تفسير القرآن الكريم. وقد كتب لهذه المصنفات القبول، وحفظت للناس، وتناقلها العلماء جيلًا بعد جيل.
وأَمَّا أبو عبيدة فقد كان أكثر أصحاب المعاني والغريب اعتمادًا على الشعر في شرحه لغريب القرآن، ومن ذلك أنه عند قوله تعالى:{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)} [الواقعة: 29](4) قال: «زعم المفسرون أَنَّه الموزُ، وأمَّا العربُ، الطَّلْحُ عندهم شجرٌ عظيمٌ، كثيرُ الشوكِ، وقال الحادي:
بشَّرَها دليلُها وقالا
…
غدًا ترينَ الطَّلحَ والحبالا (5)». (6)
وهذا القول مُخالفٌ لتفسير أكثر المفسرين من الصحابة والتابعين، ولذلك ردَّ تفسيرَهُ هذا الطبري فقال: «وأمَّا الطلحُ فإِنَّ مَعْمَرَ بنَ المثنَّى
(1) مجموع الفتاوى 17/ 410 - 411.
(2)
انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 249، طبقات المفسرين للداوودي 2/ 370.
(3)
انظر: طبقات المفسرين للأدنه وي 151.
(4)
الواقعة 29.
(5)
قائله هو النابغة الجعدي كما في الجامع لأحكام القرآن 17/ 208.
(6)
مجاز القرآن 2/ 250.
كان يقول: هو عند العربِ شجرٌ عظامٌ، كثيرُ الشوكِ، وأنشد لبعض الحُداةِ:
بشَّرَها دليلُها وقالا
…
غدًا ترينَ الطَّلحَ والحبالا
وأَمَّا أهلُ التأويل من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون: إنه الموز». (1) وكان في تفسير علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم له بالموز ما يكفي للقول بأنه قول العرب، والتفسير الصحيح للفظة، غير أن أبا عبيدة واللغويين لم يلتفتوا كثيرًا لتفسير السلف لألفاظ القرآن، فوقعوا في مثل هذا. (2)
في حين كان الفراءُ مع كثرة سَماعه من العرب، وسعةِ محفوظهِ ينظرُ للشعرِ على أنَّه أقلُّ مرتبةً في الاستشهاد من القرآن الكريم، فإذا وجدَ الشاهدَ من القرآنِ قدَّمَهُ. ومن ذلك قوله عند قوله تعالى:{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22)} [الواقعة: 20 - 22](3) مبينًا القراءة في الآية الأخيرة: «فخفض بعضُ القراء، ورفع بعضهمُ الحُورَ العِيْنَ. قال الذين رفعوا: الحورُ العينُ لا يُطافُ بِهنَّ، فرفعوا على معنى قولهم: وعندهم حورٌ عينٌ، أو مع ذلك حُورٌ عينٌ، فقيل: الفاكهةُ واللحمُ لا يُطافُ بِهما إنما يُطافُ بالخَمر وحدَها والله أعلم، ثم أُتبِعَ آخرُ الكلامِ أَوَّلَه، وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، وأنشدني بعضُ بني أسدٍ يَصِفُ فَرَسَهُ:
عَلَفْتُها تِبْنًا وماءً باردا
…
حتى شَتَتْ هَمَّالةً عيناها (4)
والكتابُ أَعرَبُ وأقوى في الحُجةِ من الشعر». (5) وقال في موضع آخر: «ورُبَّما تركت العربُ جوابَ الشيء المعروفِ معناهُ، وإن تُرِكَ
(1) تفسير الطبري (هجر) 22/ 310 - 312، المحرر الوجيز (قطر) 14/ 245، الجامع لأحكام القرآن 17/ 208.
(2)
انظر: غريب الحديث للحربي 2/ 631، التفسير اللغوي للقرآن الكريم 572.
(3)
الواقعة 20 - 22.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
معاني القرآن 1/ 14.
الجوابُ، قال الشاعر (1):
فأُقسِمُ لو شيءٌ أتانا رسُولُهُ
…
سِواك ولكنْ لَمْ نَجد لكَ مَدْفَعا (2)
وقال اللهُ تبارك وتعالى وهو أصدقُ مِنْ قولِ الشاعر: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} [الرعد: 31](3) فلم يُؤتَ لَهُ بِجوابٍ، والله أعلمُ». (4)
وفي هذا دلالة على اهتمام الفراء بشواهد القرآن اللغوية، واعتداده بها، ولعلَّ هذا كان سببًا في قلة الشواهد الشعرية عند الفراء موازنةً بالشواهدِ من القرآن الكريم، فقد بلغت شواهد القرآن في كتابه أكثر من ألف وخمسمائة وأربعة وستين شاهدًا من القرآن الكريم وهو عدد كبير، إذا وازنته بموقف النحويين في عصره من الشاهد القرآني (5)، في حين بلغت شواهد الشعر (785) شاهدًا، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتابه، وكأنه يرد بسلوكه هذا المنهج على من جعل الشعر هو الحجة والدليل، ولم يلتفت إلى شواهد القرآن ويتخذها أصلًا لبناء قواعده، وأحكامه في اللغة، كما فعل سيبويه في كتابه، وأبو عبيدة في مجاز القرآن.
وقد سار على هذا المنهج ابن الأنباري مع كثرة حفظه لشواهد الشعر، فقال وهو يحتج لقول الفراء: إن الفردوس هي البستان بالعربية أيضًا (6): «والدليل على صحة قول الفراء أنَّ العربَ قد ذكرت الفردوس في أشعارها، قال حسان في التأنيث:
وإِنَّ ثوابَ اللهِ كُلَّ مُوحِّدٍ
…
جِنانٌ من الفِرْدَوسِ فيها يُخَلَّدُ (7)
(1) هو امرؤ القيس بن حجر.
(2)
انظر: ديوانه 242.
(3)
الرعد 31.
(4)
معاني القرآن 2/ 7، 82، 87، 3/ 94.
(5)
بلغت شواهد القرآن عند سيبويه دون المكرر أربعمائة وخمسين شاهدًا، وشواهد المقتضب للمبرد من القرآن تجاوزت خمسمائة آية. انظر: منهج سيبويه في الاستشهاد بالقرآن للدكتور سليمان خاطر 20، مقدمة تحقيق المقتضب 1/ 95.
(6)
انظر: معاني القرآن 2/ 231.
(7)
انظر: ديوانه 126.
وقال عبد الله بن رواحة:
ثُمَّ لا يُنْزَفُونَ عنها ولكنْ
…
تُذهِبُ الهَمَّ عنهمُ والغَليلا
في جِنانِ الفِرْدوسِ ليس يَخافونَ
…
خُروجًا منها ولا تَحويلا (1)
وقال الله تعالى - وهو أَصْدقُ قِيلًا: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} [المؤمنون: 11](2)». (3) وقال في رده على أبي حاتم السجستاني أن معنى الفارض: التي ليست بصغيرة جدًا، ولا كبيرة جدًا، يعني بينهما في السن: «وهذا خطأ منه؛ لأن الفارض عند العرب المسنة الهرمة، الدليل على هذا قول أبي ذؤيب:
لَعَمْرِي لقد أَعطيتَ ضيفَكَ فارِضًا
…
تُساقُ إليهِ لا تقومُ على رِجْلِ
ولم تُعطهِ بِكْرًا - فَيَرضَى - سَمينةً
…
فكيف تُجازَى بالعطيَّةِ والبذلِ (4)
وقال الله جل وعلا - وهو أصدقُ قيلًا: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68](5) فالفارض: المسنة». (6)
وهذا دليلٌ على عناية الكوفيين بالاستشهاد بالقرآن الكريم، والنص على ذلك، وتقديمه على الاستشهاد بالشعر، مع كثرة محفوظهم من شواهد الشعر، غير أنهم لم يرتضوا منهج أمثال أبي عبيدة في كثرة اعتداده بشاهد الشعر دون القرآن على وجه الخصوص. (7) وقد أصبح هذا الأمر محل إجماع عند العلماء فيما بعد حتى قال ابن خالويه: «قد أجْمعَ الناسُ جَميعًا أن اللغة إذا وردت في القرآن فهي أفصح مما في غير
(1) فات جامع ديوانه وليد قصاب، ولم أجدهما عند غير ابن الأنباري، وانظر: الزاهر لابن الأنباري 1/ 503، 2/ 196.
(2)
المؤمنون 11.
(3)
المذكر والمؤنث 1/ 498 - 499، وانظر: 1/ 522، 526.
(4)
البيتان ليسا في ديوان الهذليين ولا في التمام لابن جني، وهما في الأضداد لابن الأنباري 329.
(5)
البقرة 68.
(6)
المذكر والمؤنث 1/ 532 - 533.
(7)
انظر: حياة الشعر في الكوفة ليوسف خليف 656.