الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى، والتفسير، والتأويل، وهي وإِنْ اختلفت، فالمقاصدُ بها متقاربة». (1) فهي ليست مترادفة لاختلافها من حيث الدلالة الدقيقة، وإنما متقاربة في دلالتها العامة.
ب - التعريف الاصطلاحي:
لم أجد للمتقدمين تعريفًا لمعاني القرآن على أنه اصطلاح، غير أنَّ النحاس الذي صنَّفَ كتابَه بعد أن اتضحَ المقصودُ بِمعاني القرآن في القرن الرابع الهجري، قد بَيَّن غايته مِنْ تصنيفِ كتابه «معاني القرآن» فقال في مقدمته:«قصدتُ في هذا الكتابِ تفسيرَ المعاني، والغريبَ، وأحكامَ القرآنِ، والنَّاسخ والمنسوخ عن المتقدمين من الأئمة، وأذكرُ من قول الجِلَّةِ من العلماء باللغةِ، وأهلِ النَّظَرِ ما حضرني، وأُبَيّنُ تصريفَ الكلمة واشتقاقها - إن علمتُ ذلك - وآتي من القراءات بِما يُحتاجُ إلى تفسير معناه، وما احتاجَ إليه المعنى من الإعراب، وبما احتجَّ به العلماءُ في مسائلَ سألَ عنها المُجادلونَ، وأُبَيِّنُ ما فيه حذفٌ، أو اختصارٌ، أو إطالةٌ لإفهامه، وما كان فيه تقديمٌ أو تأخيرٌ، وأشرحُ ذلك حتى يتبينه المتعلمُ، وينتفع به، كما ينتفعُ به العالِمُ» . (2)
فقد أدخل النحاسُ في كتابه المعاني: التفسيرَ، وشرحَ الغريبِ، وبيان أحكام القرآن الفقهية باختصار، وذكر الناسخ والمنسوخ من الآيات، وبَيَّنَ اشتقاقَ المفردات، وذكر مسائل من مسائل البلاغة كالحذف والاختصار، والتقديم والتأخير، وغير ذلك من المسائل التي
(1) الصاحبي 312.
(2)
معاني القرآن للنحاس 1/ 42، التفسير اللغوي للقرآن الكريم 264، وقد وردت أسماء مفسري السلف بكثرة في معاني النحاس، فورد اسم ابن عباس (601)، ومجاهد (905)، وعكرمة (174)، والحسن البصري (331)، وقتادة (681)، والكسائي (84)، والفراء (134)، وأبي عبيدة (102)، والأخفش (16)، والزجاج (47). انظر: أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن للطيار 78.
هي ما اشتملت عليه كتب التفسير في زمنه كتفسير الطبري الذي يعد من مصادره التي اعتمد عليها.
وقد عرَّفَه بعضُ الباحثين بأَنَّه «علمٌ يُعْنَى بشرحِ اللفظ القرآني، والاستدلال عليه، وفَهْمِ تركيبه اللغويِّ، وما لَهُ من مَعانٍ واستعمالاتٍ في اللسان العربي، وبخاصةٍ ما أشكلَ منه، واحتاجَ إلى فهمهِ بعض العناء، كما يُعنَى ببيانِ غريبِ إعرابِ القرآن، وإبرازِ ما فيه من نُكَاتٍ وفوائد واستنباطات» . (1)
وعرَّفه باحثٌ آخر بأَنَّه «البيانُ اللغويُّ لألفاظِ وأساليبِ العربيةِ الواردة في القرآن» (2)
والتعريف الأول يصف مضمون الكتب التي صنفت باسم معاني القرآن، وفي إطلاقه عليه صفة «علم» شيءٌ من التجوزِ في العبارةِ، إذ إنه ليس علمًا بالمعنى الاصطلاحي لَهُ حدٌّ وثَمَرةٌ وموضوع يختص بها دونَ غيره، فلا تنطبق عليه شروط ما يُسمَّى عِلْمًا، كما في علم الفقه والنحو وغيرها (3)، ومسائله مشتركة بين علم اللغة والنحو والتفسير، وإن كان إفراد العلماء لذكر المصنفات التي صنفت باسم معاني القرآن يوحي باستقلاله، إلا أَنه لم يحظ بالتفرد كعلم له سماته وحدوده حتى اليوم، وإنما صنفت بعض المصنفات تحت هذا الاسم ثم توقفت عام 553 هـ بوفاة النيسابوري صاحب «إيجاز البيان» . (4) في حين استمر التصنيف في معاني القرآن بمعناها الواسع حتى اليوم في التفسير وغيره.
ويؤخذ على التعريف الثاني قصره تعريف «معاني القرآن» على بيان
(1) مقدمة محقق إيجاز البيان للنيسابوري 1/ 12.
(2)
التفسير اللغوي للدكتور 265، أنواع التصنيف المتعلقة بتفسير القرآن 75.
(3)
انظر: كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 3 - 69.
(4)
انظر: الفهرست 37، إيجاز البيان للنيسابوري 1/ 13 - 19، النحو وكتب التفسير لرفيدة 1/ 111.
الدلالة اللغوية للقرآن الكريم دون غيرها، وربَّما يصحُّ هذا في مصنفات الطور الأول دون ما بعده، حيث صُنِّفَتْ كتبٌ في معاني القرآن اشتملت على الروايات المأثورة عن السلف في التفسير كما صنع أبو عبيد القاسم بن سلَّام (ت 224) عندما شرع في عمل كتابه «معاني القرآن» وبلغ إلى سورة الحج أو الأنبياء، حيث إِنَّه جَمَع إلى ما في كتب «معاني القرآن» السابقة عليه ذكر الآثار وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء بأسانيدها. (1)
ويُعدُّ كتابُ «معاني القرآن» لأبي عُبيدٍ مرحلةً فارقةً بين مصنفات معاني القرآن في طورها الأول على يد أبي عبيدة والفراء وطبقتهما، ومن بعدهم، حيث اقتصر الأوائل على جانب اللغة والنحو في بيان دلالة ألفاظ القرآن وتراكيبه، فجاء فأضاف روايات السلف وتفاسيرهم، وحاول بذلك تجاوزَ المآخذِ التي أُخذت على أَبي عبيدةَ والفراء في كتبهم. ثم جاء بعد ذلك الزجاج (ت 311)، والنحاس (ت 338) في «معاني القرآن» فسارا على منهج أبي عبيد، في ذكر روايات السلف، غير أن عناية النحاس بها أكثر، حيث نصَّ على ذلك في مقدمته.
وقد سُئِلَ أبو عمرو بن الصلاح (ت 643) عن هذا المصطلح الذي يتكرر في بعض كتب التفسير فقال: «وحيث رأيتَ في كتب التفسيرِ «قال أهلُ المعاني» فالمرادُ به مُصنفو الكُتبِ في معاني القرآنِ، كالزجَّاجِ ومَنْ قَبله
…
وفي بعض كلام الواحدي: أَكثرُ أهلِ المعاني: الفراءُ والزجاجُ وابن الأنباري قالوا كذا». (2) وهذا الذي ذكره ابن الصلاح بيانٌ للمقصودِ
(1) انظر: تاريخ بغداد 12/ 405، طبقات المفسرين للداودي 1/ 106 - 107 وذكر أنه لم يكمله لنهي الإمام أحمد بن حنبل له عن اتخاذه أبا عبيدة والفراء أئمة يحتج بهما في معاني القرآن، في حين يفهم من كلام الخطيب البغدادي غير ذلك، مما يوهن هذه القصة عند الداوودي. انظر: النحو وكتب التفسير لرفيدة 1/ 120 - 121.
(2)
البرهان للزركشي 1/ 394، 2/ 283، الإتقان في علوم القرآن 1/ 353.