الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
قبائل شعراء الشواهد عند المفسرين:
تقدم أن المفسرين قد تقيدوا زمنيًا بشعراء عصور الاحتجاج، وقد أظهر إحصاءُ الشعراء وعدد شواهدهم وعصورهم الزمنية دِقَّةَ المفسرين في الالتزام بتلك الضوابط، وقد أضاف العلماء قيدًا ثالثًا للاستشهاد وهو القيد المكاني، وقد سبق الحديث عنه في الباب الأول على وجه التأصيل، وقد قمت بحصر جميع قبائل الشعراء الذين ورد ذكرهم في كتب التفسير، وقيدت ذلك في جدول رتبت فيه القبائل بحسب عدد الشعراء الذين استشهد المفسرون بشعرهم من تلك القبيلة، وعدد الشواهد لشعراء كل قبيلة:
م
…
القبيلة
…
الشعراء
…
الشواهد
1
…
تَميم
…
58
…
294
2
…
كنانة
…
26
…
71
3
…
بكر
…
23
…
181
4
…
الأزد
…
21
…
94
5
…
هذيل
…
17
…
50
6
…
أسد
…
15
…
34
7
…
هوازن
…
13
…
56
8
…
تغلب
…
9
…
46
9
…
غطفان
…
8
…
66
10
…
طيء
…
8
…
38
11
…
عبس
…
5
…
35
12
…
سليم
…
5
…
16
13
…
عبد القيس
…
5
…
6
14
…
قضاعة
…
4
…
8
15
…
مزينة
…
3
…
39
17
…
الرِّباب
…
3
…
34
18
…
كندة
…
3
…
31
19
…
عكل
…
38 ..
20
…
باهلة
…
3
…
10
21
…
مازن
…
3
…
5
22
…
غني
…
3
…
3
23
…
حمير
…
2
…
7
24
…
فزارة
…
2
…
6
25
…
خثعم
…
2
…
4
26
…
لخم
…
2
…
3
27
…
بلحارث
…
2
…
2
28
…
ضبة
…
2
…
2
وقد استبعدت من هذا الجدول من القبائل ما لم يكن منها إلا شاعر أو شاعران لهم شاهد أو شاهدان، وعدد هذه القبائل ست وعشرون قبيلة.
ومن خلال هذا الإحصاء للقبائل، وعدد الشعراء المنتسبين لكل قبيلة وعدد شواهدهم، يمكن الخروج بالنتائج الآتية:
أولًا: أن المفسرين قد استشهدوا بأشعار شعراء ينتمون إلى أكثر من ثلاثين قبيلة من قبائل العرب، وهؤلاء الشعراء يمثلون مجموعة كبيرة من قبائل العرب التي احتج أهل اللغة بلغتهم، وهم من عصور الاحتجاج المتفق عليها.
ثانيًا: أَنَّ قبيلة تَميمٍ قد استحوذت على النصيب الأكبر من حيث عدد الشعراء وعدد الشواهد، فقد استشهد المفسرون بثمانية وخمسين شاعرًا من شعراء تميم في الجاهلية والإسلام، وبلغت شواهدهم مجتمعة مائتين وأربعة وتسعين شاهدًا شعريًا مختلفة في اللغة والنحو وغيرها، وأبرز شعراء تميم في الجاهلية أوس بن حجر، وأمَّا في الإسلام فقد اشتهر عدد من شعراء تميم مثل جرير، والفرزدق، والعجاج، ورؤبة بن العجاج وعن هؤلاء أخذ المفسرون معظم شواهد التفسير من تميم، وأما بقية شعراء تميم فيكون للواحد منهم البيت والبيتان والثلاثة، وليس فيهم من بلغ مرتبة هؤلاء في كثرة الشواهد.
يأتي بعد تميم قبائل كنانة، وقد أدخلت فيهم شعراء قريش، ثم يأتي بعد هاتين القبيلتين قبيلة بكر ببطونها المختلفة، ومنهم شعراء قيس، وغيرهم من بطون بكر، وأشهر شعرائهم الأعشى ميمون بن قيس الذي يعد أوفر شعراء الجاهلية حظًا لدى المفسرين كما تقدم، وطرفة بن العبد، والحارث بن حلزة، ثم تأتي بقية القبائل كما هو ظاهر في الجدول السابق.
ثالثًا: أن القرآن الكريم نزل بلغات العرب، ولم يقتصر نزوله على لغة قريش خاصة كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء، وفي صنيع المفسرين هذا في استشهادهم بشعر قبائل العرب إجماع منهم على أنه لم ينزل بلغة
قريش وحدها، ولو كان القرآن نزل بلغة قريش لما احتاج الناس إلى الشعر للاستشهاد به على فهم المشكل والغريب، وكان عليهم الرجوع إلى شعر قريش ونثرها للاستشهاد به في توضيح ما فيه من مشكل وغريب، لا إلى شعر العرب وكلامهم من غير قريش، ثم إن وجود الغريب في القرآن والمشكل وحروف خفي معناها على بعض القرشيين كأبي بكر وعمر دليل على أنه لم ينزل بلسان قريش وحدها، وقد فصل العلماء هذه المسألة (1).
رابعًا: سبق الحديث عن كلام الفارابي في الباب الأول، وقوله:«والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد؛ فإن هؤلاء هم الذين عنهم أخذ أكثر ما أخذ ومعظمه. وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكانِ البَراري مِمَّن كان يسكنُ أطرافَ بلادهم المُجاورةِ لسائر الأمم الذين حولهم» (2).
غير أني أضيف هنا بعد هذا الحصر للقبائل والشعراء، أن الفارابي أصاب في معظم ما ذكره، حيث لم يكن حكمه فيما يبدو لي مبنيًا على استقراء دقيق، وإنما هو بطبيعته الفلسفية أراد أن يُنَظِّرَ لمثل هذا الأمر، وهو الاحتجاج، فرأى أن الأولى أن يكون أخذ اللغة عن هؤلاء دون غيرهم، ونظر في أكثر ما نقل فوجده عن قبائل تميم، وقيس، وأسد، وهذيل، وبعض الطائيين، فقال هذا القول.
ويُمكن أَن يُستدركَ عليه عدم ذكره لشعراء الأزد، ولا شعراء كنانة،
(1) انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 8/ 624 - 670.
(2)
الحروف للفارابي 124.
ولا سيما شعراء قريش وهم أهل الحضر، فقد استشهد المفسرون بشعر أكثر من عشرين شاعرًا من قريش وحدها دون سائر كنانة، وببعض شعراء كنانة الذين بلغوا جميعًا خمسة وعشرين شاعرًا، وورد لهم واحد وستون شاهدًا في كتب التفسير غير ما جهلت نسبته.
كما ذكر الفارابي أن العلماء لم يأخذوا اللغة: «لا مِن لَخْمٍ، ولا من جُذام؛ فإنهم كانوا مُجاورينَ لأهلِ مصرَ والقِبْط، ولا من قُضاعةَ وغَسانَ، ولا من إِيادٍ؛ فإنهم كانوا مُجاورينَ لأهل الشامِ، وأكثرهم نصارى، يقرأون في صلاتهم بغير العربية، ولا من تغلبَ ولا النَّمر؛ فإنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبدالقيس؛ لأنهم كانوا سكان البحرين، مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان؛ لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلًا؛ لمخالطتهم للهند والحبشة، ولولادة الحبشة فيهم، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وسكان الطائف؛ لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم» (1). وكل القبائل التي ذكر الفارابي أنه لم يؤخذ عنها وردت شواهد لشعرائها في كتب التفسير كما هو في جدول الشعراء. كقبيلة كنانة، وثقيف، والأزد وغيرهم.
رابعًا: كثيرًا ما يقول المفسرون قبل إيراد الشاهد الشعري «قالت العرب» أو «هكذا قالت العرب» ، ونحو هذه العبارات، التي لا تعتد بقبيلة الشاعر، وإِنَّما تُسمِّي كل ما قاله شعراء القبائل المُحتج بشعرهم عربيةً، ولعل هذا لأن اللغة التي كان الشعراء ينظمون بها شعرهم لم يبق فيها فوارق تذكر بين اللهجات، وتضاءلت تلك الفوارق بين اللهجات بعد نزول القرآن الكريم.
(1) الاقتراح 44 - 45، والمزهر 1/ 211 - 212.