الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفسرين وأصحاب كتب التفسير اللغوي وهي كتب المعاني والغريب في شرح الشعر؛ لأَنَّ كتبَ معاني القرآن وغريبه «هي الصورةُ الأولى لكتبِ التفسير» (1)، ولتشابه المنهج مِمَّا يجعل تكرارَ دراسته في مبحث آخر ضَربًا من التكرار.
أسباب الحاجة إلى شرح الشاهد الشعري:
هناك أسبابٌ تدفع المفسرين وغيرهم لشرح الشعر عندما يوردونه في كلامهم، ويمكن إرجاع الحاجة إلى شرح الشعر إلى الأسباب الآتية أو أحدها:
أولًا: غرابة الألفاظ
.
الغريبُ في اللغة فهو الغامضُ من الكلام (2). وعند المفسرين: ما غَمُضَ لَفظُهُ، وبَعُدَ معناهُ، أو أَشْكَلَ من ألفاظ القرآن (3)، وألفاظ القرآن الكريم ليست على درجة واحدة من حيث وضوح المعنى، قال أبو حيان:«لغاتُ القرآن العزيز على قسمين: قسمٍ يكادُ يشترك في فَهْمِ معناهُ عامَّةُ المستعربة وخاصتهم، كمدلول السماء والأرض، وفوق وتحت. وقسمٍ يَختصُّ بمعرفته مَنْ له اطلاعٌ وتبحرٌ في اللغة العربية، وهو الذي صنَّفَ أكثرُ الناس فيه، وسَمَّوهُ غريبَ القرآن» . (4) وستأتي أمثلة للغريب الوارد في الشاهد الشعري، وأكتفي هنا بالإشارة إلى أن اللفظة في الشاهد الشعري قد تكون معروفة من حيث اللفظ عند العرب، غير أن الشاعر يستعملها في معنى لا تعرفه العرب، كالمعاني التي تتعلقُ بالغيبياتٍ واليوم الآخر، وهي أمرو لا يعرفها إلا من كان على اطلاعٍ
(1) المعجم العربي لحسين نصار 5.
(2)
انظر: العين 4/ 411، تهذيب اللغة 8/ 115.
(3)
انظر: معاجم غريب الحديث والأثر للسيد الشرقاوي 19.
(4)
تحفة الأريب 27.
على الأديان السابقة، ويظهر ذلك في شعر أمية بن أبي الصلت كثيرًا، وقد كان هذا سببًا في ترك كثير من العلماء الاستشهاد بشعر أمية كما ذكر ابن قتيبة (1) ومن أمثلة ذلك قول أمية بن أبي الصلت:
رَجُلٌ وثَورٌ تَحتَ رِجْلِ يَمِينهِ
…
والنّسْرُ للأخرى ولَيثٌ مُرْصَدُ (2)
فألفاظ هذا البيت واضحة، ولكن المعنى الذي يتحدث عنه من المعاني الغيبية؛ لأنه يصف حَمَلَةَ العَرشِ الذين يحملون عرشَ الرحمن، ولذلك صَدَّقَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وصفه هذا، وقال:«صَدَقَ، هذه صفاتُ عرش الرحمن» . (3) وقد ذكر الطبري هذا البيت في معرض تفسيره لمعنى البرق في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} [البقرة: 19](4)، وأنَّ من المعاني التي فُسِّرَ بها البَرْقُ أنه صوتُ حَمَلةِ العرش من الملائكة. (5) وهذه معانٍ غيبية متعلقة بالآخرة، لم يكن يستوي العرب في معرفتها، بل لا يكاد يعرفها إلا القليل، وأكثر شواهد شعر أمية بن أبي الصلت من هذا القبيل، لاطلاعه على كتب أهل الكتاب. (6) وقد ذكر ابنُ سلَّام أميةَ فقال:«وكان أمية بن أبي الصلت كثيرَ العجائب، يذكر في شعره خلقَ السموات والأرض، ويذكرُ الملائكةَ، ويذكرُ مالم يذكره أحدٌ من الشعراء، وكان قد شامَّ أهلَ الكتاب» (7). وذكر الأصفهاني أنَّ «أمية بن أبي الصلت قد قرأ كتاب الله عَزَّوَجَلَّ الأول، فكان يأتي في شعره بأشياء لا تعرفها العرب» . (8) ولذلك كانت بعض أبياته
(1) انظر: الشعر والشعراء 1/ 461.
(2)
انظر: ديوانه 185.
(3)
مسند الإمام أحمد 4/ 88.
(4)
البقرة 19.
(5)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 1/ 365.
(6)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 1/ 110، 321، 365، 473، 703، 2/ 103، 366، 408، 483، 4/ 528، 7/ 281، 10/ 569، 13/ 114، 553، 14/ 99، وغيرها.
(7)
طبقات فحول الشعراء 1/ 262 - 263.
(8)
الأغاني 4/ 121، وقد ذكر أمثلة من غريب شعر أمية، وقبله ابن قتيبة أورد عددًا من الأمثلة. وذكر الجواليقي في المعرب 240 أن لفظة (ساهور) وهي ما يدخل فيه القمر إذا كسف، لم يسمع عن العرب، ولم يسمع إلا في شعر أمية بن أبي الصلت؛ لأنه كان يستعمل السريانية في شعره.