الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الشاهد فقال: «قال المبرد: المُغِلَّةُ ذاتُ الغُلَّة. وقال غيره: المُغِلَّة التي يَجري الماءُ في غُلَلِها، أَي في أُصولهِا. ومنه تَغَلَّلْتُ بالغَالية، ومنه تَغَلَّيتُ، أَبدلَ من اللام ياءً، ومن قال: تَغَلَّفتُ فمعناه عنده جعلتها غلافًا» . (1) فهذا كله بيان لاشتقاق مفردة في الشاهد الشعري يستطرد المفسر أحيانًا فيبينها ويشرحها، ويقلبها على وجوهها الاشتقاقية.
3 - العناية باختلاف روايات الشاهد وشرح مفرداتها
.
ومن الأمثلة التي شرح فيها المفسرون الشاهد، وذكروا رواياته وفضلوا بعضها على بعض بحسب المعنى الذي تؤديه ما ذكره ابن عطية عند تفسيره لمعنى «الرهبان» في قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} [المائدة: 82](2) حيث قال: «وأمَّا الرُّهبانُ فجَمْعُ رَاهِبٍ، وهذه تسميةٌ عربيةٌ، والرَّهَبُ الخوفُ، ومن الشواهد على أَنَّ الرُّهبانَ جَمعٌ قول الشاعر (3):
رُهبانُ مَديَنَ لَو رَأوكِ تَنَزَّلوا
…
وَالعُصمُ مِن شَعَفِ العُقولِ الفادِرِ (4)
وقد قيل: الرُّهبانُ اسمٌ مُفردٌ، والدليل قول الشاعر:
لو عَايَنَتْ رُهبانَ دَيْرٍ في القُلَلْ
…
تَحَدَّرَ الرّهبانُ يَمْشِي ونزلْ (5)
قال القاضي أبو محمد: ويُروى «ويَزِلّ» بالياء من الزلل، وهذه الرواية أبلغ في معنى غَلَبَةِ المرأة على ذِهنِ الراهب». (6) وهذا نظر نقدي جيد من ابن عطية، حيث يبدي رأيه في أن الرواية بالياء أبلغ من حيث المعنى.
(1) الجامع لأحكام القرآن 18/ 242 - 243.
(2)
المائدة 81.
(3)
هو جرير بن عطية.
(4)
العُصْمُ: الوعولُ، سُميت عُصمًا لبياضٍ في يديها، الفادر: المُسِنُّ. انظر: شرح الديوان لابن حبيب 1/ 308.
(5)
أنشده ابن الأعرابي كما في لسان العرب 5/ 338 (رهب).
(6)
المحرر الوجيز 5/ 170.
ومن أمثلة العناية بروايات الشاهد التي تختلف فيها معاني المفردات، ما ذكره ابن عطية عند قوله تعالى:{وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13](1) حيث قال: «وقال مجاهد: الجوابي جمع جوبة، وهي الحفرة العظيمة في الأرض. قال الفقيه الإمام القاضي: ومنه قول الأعشى:
نَفَى الذمَّ عن آَلِ المُحلَّقِ جَفْنَةٌ
…
كَجَابيةِ الشيخِ العِراقيِّ تَفْهَقُ
وأنشده الطبري: تَروحُ على آلِ المُحلَّقِ جَفنةٌ
ويُروى: السَّيح، بالسين من غير نقط، وبالحاء غير نقط أيضًا، وهو الماء الجاري على وجه الأرض. ويروى بالشين والخاء منقوطتين. فيقال: أراد كسرى، ويقال: أراد شيخًا من فلاحي سواد العراق غير مُعيَّنٍ، وذلك أنه لِضعفهِ يدَّخرُ الماء في جابيتهِ، فهي تَفْهَقُ أبدًا، فشُبِّهت الجَفنةُ بِها لِعِظَمِها». (2)
فقد ذكر ابن عطية الروايات المختلفة للبيت، وشرح معنى المفردات على كل رواية، ثم بين معنى البيت إجمالًا.
ومن هذا الباب أو قريب منه ما يصنعه المفسرون من ضبط لموضع الشاهد بالعبارة حتى لا يفهم على غير وجهه، وهذا نوع من شرح البيت، ومن ذلك قول ابن عطية: «وقرأ الجمهور: {تَدَّخِرُونَ} [آل عمران: 49](3) بدال مشددة وخاء مكسورة، وهو تفتعلون من ذخرت، أصله تذخرون، استثقل النطق بالذال والتاء لتقاربهما في المخرج، فأبدلت التاء دالًا، وأدغمت الذال في الدال، كما صنع في مُدَّكِر، ومُطَّلِع، بِمعنى مُضطلع، وغير ذلك نحو قول الشاعر (4):
إِنَّ الكريمَ الذي يُعطيكَ نَائِلَهُ
…
عَفوًا ويُظْلَمُ أحيانًا فَيَطَّلِمُ (5)
(1) سبأ 13.
(2)
المحرر الوجيز 13/ 117.
(3)
آل عمران 49.
(4)
هو زهير بن أبي سلمى.
(5)
رواية الديوان:
هو الجواد الذي يُعطيكَ نائلَهُ
…
عَفوًا ويُظلَمُ أحيانًا فيظَّلِمُ
انظر: ديوانه 152.