الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحيد على هذا معنى هذا اللفظ - فيما اطلعتُ عليه - في كتب التفسير واللغة. ونظائر هذا النوع من الشواهد كثيرة في كتب التفسير (1).
2 - الشواهد النحوية
.
يقوم النحو على أصول، منها الأدلة التي تفرعت عنها فصوله وفروعه، ويأتي في مقدمتها النقل، الذي يحتل شعر العرب مكانة بارزة فيه، حيث يأتي في صدارة الكلام العربي المستشهد به في بناء قواعد النحو، والمطالع لمصنفات النحويين يجد ذلك ظاهرة بارزة، حتى أصبحت كلمة «الشاهد» عند إطلاقها تنصرف إلى الشاهد الشعري (2)، وليس ببعيد عن الصواب من قال «إن الشاهد في علم النحو هو النحو» (3). وشواهد النحو في كتب التفسير ما استشهد به المفسرون من الشعر في بيان تركيب أو بنية، لبيان قاعدة أو تأكيدها، أو إيراد ما استثني أو خرج عنها، أو توجيه ما جاء مخالفًا لها، ونحو ذلك مما درس في مصنفات النحويين بشكل واسع.
وقد اشتملت كتب التفسير على عدد كبير من الشواهد النحوية، بل لا أكون مخطئًا إن قلت إن كتب التفسير والمعاني قد اشتملت على جُلِّ شواهد النحويين التي رويت ونقلت في مصنفات النحويين، وعلى رأسها شواهد «الكتاب» لسيبويه.
ومن الأمثلة ما ذكره الفراء عند تفسيره لقوله تعالى: {المر تِلْكَ
(1) انظر: مجاز القرآن 1/ 2، 4، 20، 21، 23، 30، 32، 34، 38، 143، 316، 365، 405، غريب القرآن لابن قتيبة 12، 25، 79، 41، 194، تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة 192، 181، 209، 446، 460، 519، تفسير الطبري 1/ 255، 10/ 172، 12/ 184، 13/ 209، 16/ 25، الكشاف 1/ 97، 105، 106، 543، المحرر الوجيز 2/ 103، 138، 140، 165، الجامع لأحكام القرآن 1/ 118، 3/ 51.
(2)
انظر: البحث اللغوي للدكتور أحمد مختار عمر 39.
(3)
نشأة النحو لمحمد الطنطاوي 192.
آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} [الرعد: 1](1): «فموضع «الذي» رفع تستأنفه على «الحق» ، وترفع كل واحد بصاحبه. وإن شئت جعلت «الذي» في موضع خفض، تريد:«تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك من ربك» فيكون خفضًا، ثم ترفع «الحق» ، أي: ذلك الحق
…
وإن شئت جعلت «الذي» خفضًا فخفضت «الحق» ، فجعلته من صفة «الذي» ، ويكون «الذي» نعتًا لـ «الكتاب» ، مردودًا عليه، وإن كانت فيه الواو، كما قال الشاعر:
إلى الملكِ القَرْمِ وابن الهُمامِ
…
وليثَ الكتيبة في المزدحم (2)
فعطف بالواو، وهو يريد واحدًا» (3). وهو من شواهد النحويين (4).
وكتاب «معاني القرآن» للفراء غلبت عليه شواهد الشعر النحوية، وهو أقدم كتاب وصل إلينا في النحو الكوفي، «فهو يهتم بالقواعد النحوية وصياغتها والتعريف بها مما يجعل منه مرجعَ نحوٍ بمعناه الشامل، لا كتابَ إعرابٍ وتوجيهٍ فقط» (5).
ومن الأمثلة كذلك ما أجازه الفراء في حديثه عن قوله تعالى: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18](6) من الخفضِ على المُجاورةِ، يقول:«وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه» (7) ثم استشهد على رأيه بشواهد من الشعر، منها قول ذي الرمة:
كأَنَّمَا ضَرَبَتْ قُدَّامَ أَعيُنِها
…
قُطْنًا بِمُستحصدِ الأَوتارِ مَحْلوجِ (8)
(1) الرعد 1.
(2)
لم أعرف قائله.
(3)
معاني القرآن للفراء 2/ 57 - 58، وانظر: تفسير الطبري (شاكر) 16/ 321.
(4)
انظر: معجم شواهد النحو الشعرية للدكتور حنَّا جميل حداد 651 رقم 2841.
(5)
النحو وكتب التفسير لإبراهيم رفيده 1/ 202.
(6)
إبراهيم 18.
(7)
معاني القرآن للفراء 2/ 74.
(8)
رواية الديوان (عهنًا) بدل (قطنًا) ومعناهما واحد، والمحلوج: القطن المندوف. انظر: شرح ديوانه 2/ 995.
والشاهد في البيت جر «محلوج» للمجاورة، أي لمجاورة الاسم المجرور، والأصل أن ينصب «محلوجًا» لأنه نعت اسم منصوب. وهو قوله:«قطنًا» .وهو من شواهد النحويين على جواز الحمل على الجوار (1).
ومن الأمثلة كذلك ما أورده الطبري شاهدًا على جواز تقديم معمول أسماء الأفعال عليها، حيث قال: «والعرب تفعل ذلك إذا أخرت الإغراء، وقدمت المغرى به، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخر، ومن ذلك قول الشاعر:
يا أَيُّها المَائِحُ دَلْوِي دُونَكا
…
إِنِّي رَأَيتُ النَّاسَ يَحْمدُونَكا (2)
فأغرى بـ «دونك» وهي مؤخرة، وإنما معناه: دونك دلوي» (3). وهذا الشاهد من شواهد النحويين المشهورة على أن مفعول اسم الفعل يجوز أن يتقدم عليه؛ إذ الظاهر أن «دلوي» مفعول مقدم لقوله «دونكا» (4). وقد رد هذا الوجه بعض النحويين (5)، والغرض التمثيل.
ومن المواضع التي يستشهد فيها المفسرون بالشواهد الشعرية النحوية كثيرًا عند توجيه القراءات من حيث النحو، فيستعينون في ذلك بالشاهد الشعري.
(1) انظر: أسرار العربية 338، الإنصاف للأنباري 484، تذكرة النحاة 610، خزانة الأدب 5/ 91.
(2)
الشاهد لراجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم كما في شرح شذور الذهب 381.
(3)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 1/ 120، معاني القرآن للفراء 1/ 260، 323.
(4)
انظر: أسرار العربية 165، خزانة الأدب 6/ 200.
(5)
ردَّ هذا الوجه ابن الأنباري في أسرار العربية 165، ورده محمد محي الدين عبدالحميد بقوله:«بل الاسم المنصوب المتقدم ليس معمولًا لاسم الفعل المتأخر، بل ولا هو معمول لاسم فعل آخر محذوف يفسره المذكور ويقع في التقدير قبل المعمول؛ لأن اسم الفعل لا يعمل وهو محذوف أيضًا، ولكن هذا الاسم المنصوب معمول لفعل محذوف من معنى اسم الفعل» . شرح شذور الذهب 381.
ومن أمثلة ذلك ما أورده ابن عطية في توجيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه في قراءة ابن عامر لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137](1) برفع «قتلُ» ، ونصب «أولادهم» ، وجَرِّ «شركائهم». فجعلَ مِنْ ذلك قول الشاعر:
فَزَجَجْتُهُ بِمزجَّةٍ
…
زَجَّ القَلوصَ أَبي مَزَاده (2)
وقول الطرمَّاح:
يَطُفنَ بِحُوزِيِّ المَراتعِ لم يُرَعْ
…
بواديهِ مِنْ قَرْعِ القِسيَّ الكَنَائِنِ (3)» (4)
فوجه الكلام في الشاهد الأول: زَجِّ أَبي مزادةَ القلوصَ، ففصل بين المضاف «زَجّ» والمضاف إليه «أبي مزادة» بالمفعول به «القلوص» .
ووجه الكلام في بيت الطرماح: قرع الكنائن القسيَّ، حيث فصل بين المضاف «قرع» والمضاف إليه «الكنائن» بالمفعول به «القسيّ» .
فكذلك في قراءة ابن عامر وجه الكلام: قَتْلُ شُركائِهِمْ أَولادَهُم. ففصل بين المضاف «قتلُ» والمضاف إليه «شركائِهم» بالمفعول «أولادهم» (5). وجُمهورُ نَحويِيِّ البصريين على أن هذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، وتُكُلِّمَ في هذه القراءة بسبب ذلك. قال الطبري: «وقد روي عن بعض أهل الحجاز بيتٌ من الشعر يؤيد قراءة من قرأ بما ذكرتُ من قراءة أهل الشامِ (6)، رأيت رواة الشعر، وأهل العلم من أهل العراق يُنْكِرونَهُ، وذلك قول قائلهم:
فَزَجَجْتُهُ مُتمَكِّنًا
…
زَجَّ القلوصَ أبي مزادة». (7)
وهذا القول وإن كان قول الكوفيين إلا أن الفراء رد هذا الوجه
(1) الأنعام 137.
(2)
انظر: المفصل للزمخشري 125.
(3)
انظر: ديوانه 269.
(4)
المحرر الوجيز 6/ 158.
(5)
انظر: كتاب السبعة لابن مجاهد 270، النشر لابن الجزري 2/ 263.
(6)
يعني قراءة ابن عامر.
(7)
تفسير الطبري (شاكر) 12/ 137 - 138، معاني القرآن للفراء 1/ 358.