الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
نسبة الشاهد إلى القبيلة إذا تعلق الاستشهاد باللهجة:
والمفسرون عندما تتعلق المسألة باللهجات ينصون على قبيلة الشاعر توثيقًا للاستشهاد، ومن ذلك قول ابن عطية وهو يذكر القراءات في قوله تعالى:{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7](1): «وقرأ جمهور الناس: {وَبَدَأَ} ، وقرأ الزهري:(وبَدا خَلقَ الإنسانِ) بألف دون همزٍ، وبنصب القاف، قال أبو الفتح (2): ذاك على البدل لا على التخفيف. (3) قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنه أبدل الألف من الهمزة، وبَدِيَ لُغةُ الأنصارِ، قال ابن رواحة:
باسمِ الإِلهِ وبهِ بَدِينَا
…
ولو عَبَدْنا غَيْرَه شَقِينَا (4)». (5)
والشاهد فيه قولهُ: (بَدِينا) بكسرِ الدالِ، وبعدها ياء، وهي لغة الأنصار في بدأ. وقد نسب ابن عطية الشاهد لشاعر من الأنصار لما كان الاستشهاد للغة القبيلة.
غير أنه رُبَّما نسب المفسرُ الشاعرَ إلى قبيلته وهو معروف بنسبته تلك دون غيره من شعراء قبيلته، كقول الطبري:«ومنه قول الجعدي» (6)، وهو النابغة الجعدي دون غيره من بني جعدة لشهرته. (7)
5 -
هناك شواهد شعرية مختلفة النسبة، منذ عصر الرواية، فينسبه أحدهم لشاعر، وينسبه الآخر لغيره. ومن أوضح الأمثلة على ذلك في كتب التفسير الشاهد الشعري الذي ذُكِرَ أنه أنشده الهذلي جوابًا لسؤال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قول الشاعر:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنها تَامِكًا قَرِدًا
…
كَمَا تَخَوَّفَ عُوْدَ النبَّعْةِ السَّفِنُ (8)
فقد اختلف العلماء في نسبة هذا البيت المفرد الذي لا يكاد يخلو
(1) السجدة 7.
(2)
هو أبو الفتح عثمان بن جني، وكثيرًا ما يذكره ابن عطية بكنيته.
(3)
انظر: المحتسب 2/ 173.
(4)
انظر: ديوانه 142.
(5)
المحرر الوجيز قطر 11/ 531.
(6)
تفسير الطبري (شاكر) 14/ 534.
(7)
انظر: الشعر والشعراء 1/ 289.
(8)
سبق تخريجه ص 55.
منه كتاب في التفسير، أو معجم من معاجم اللغة، فنسب لأبي كبير الهذلي، ولزهير، ولذي الرمة، ولابن مقبل، ولابن مزاحم الثمالي، ولقعنب بن أم صاحب، وقصة الهذلي مع عمر بن الخطاب ترجح نسبته لأحد شعراء هذيل وقد تقدم تفصيل ذلك. ولم يظهر لي من صنيع المفسرين عنايتهم بقطع الخلاف في نسبة شاهد مختلف فيه إلى قائله، لندرة هذه الشواهد، ولا يمكن إبراز هذا الجهد، ونسبته للمفسرين، وإنما محل مثل هذا كتب الشعر، وشروحه.
وقد ذكر الدكتور خالد عبدالكريم جمعة أهم الأسباب التي يمكن بها تعليل اختلاف نسبة الشواهد الشعرية لأكثر من شاعر فقال: «الذي أرى أن الخلاف في نسبة الشواهد ترجع إلى أسباب أهمها:
- أخذ الشعراء بعضهم من بعض.
- الخلاف بين الرواة في نسبة القصائد.
- كون الأب وابنه، أو الأخ وأخيه شاعرين، فيقع الخلط في نسبة الشاهد.
- قول القصائد في الحوادث، فتتداخل أبياتها، ويلتبس الأمر على بعض الرواة.
- كون الشاهد من الأبيات السائرة التي تتداولها الألسن، فيدخل لذلك في شعر أكثر من شاعر، دون أن يعرف قائله الأول.
- اتحاد القصائد في الوزن والروي والموضع، مما يؤدي إلى دخول أبيات من قصيدة في قصيدة أخرى.
- العَجَلَةُ والخطأ والسهو الذي وقع فيه بعض القدماء من العلماء والنساخ». (1)
(1) انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه 191، 211.