الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استشهدوا بها غُفْلًا من الشرح. وقد تتبعت هذه الشواهد التي لم يتعرض المفسرون لشرحها فوجدتها لا تَخلو من حالين:
الأولى: أن يُعرفَ معناها، والمعنى المُسْتَشهدُ عليه من خلال ظاهر ألفاظها، وسياقها، أو بالقرائن الدالة على ذلك وهذه كثيرة.
الثانية: أن لا يُعرفَ المقصودُ منها بِمُجردِ قراءتها، ولا بد من مراجعة شرحها لمعرفة المقصود.
أولًا: ما يُعرفُ معناهُ من مبناه وسياقه
.
فأما ما يعرف معناه من ألفاظه الظاهرة، وتركيبه المفهوم فمن أمثلته قول الطبري: «والبُعُولةُ جَمعُ بَعْلٍ، وهو الزَّوجُ للمرأة، ومنه قول جرير:
أَعِدُّوا مع الحُلِي الملابَ فإِنَّمَا
…
جَريرُ لكمْ بَعْلٌ وأنتمْ حَلائِلُه». (1)
والطبري لم يشرح هذا الشاهد، والشاهد ظاهر لأنه جاء البعل في مقابل الحلائل وهن الزوجات، فدل على أن البعل هو الزوج، ويعني هذا أنَّ العربيَّ لو قرأ البيت بمفرده لعرفَ المعنى دون حاجة إلى شرح. وقد نبَّهَ إلى مثل هذه الشواهد ابن جني فقال: «مَنْ قالَ إنَّ اللغةَ لا تُعرفُ إِلَّا نقلًا فقد أخطأَ؛ فإنها قد تُعلمُ بالقرائنِ أيضًا، فإنَّ الرجلَ إذا سَمِعَ قول الشاعر (2):
قَومٌ إذا الشرُّ أَبدى ناجِذَيهِ لَهمْ
…
طاروا إليهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانا (3)
يعلمُ أنَّ الزَّرَافَاتِ بِمعنى الجماعات». (4) وهو يعني بمعرفة اللغة، معرفة معاني المفردات خاصة، من خلال سياق الكلام كما في الشاهد السابق.
ومن الأمثلة أيضًا على هذا قول الزمخشري وهي يشرح معنى
(1) تفسير الطبري (شاكر) 4/ 526.
(2)
أحد شعراء بلعنبر، وهو من الحماسية الأولى في ديوان الحماسة.
(3)
شرح الحماسة للمرزوقي 1/ 15.
(4)
المزهر 1/ 59.
السُّورةِ واشتقاقها: «وإما أَنْ تُسمى بالسورةِ التي هي الرُّتبة، قال النابغة:
ولِرَهطِ سَوَّارٍ وقَدٍّ سورةٌ
…
في المَجْدِ ليسَ غُرابُها بِمُطارِ (1)». (2)
ولم يشرح الزمخشري البيت، لأنه يمكن معرفة المقصود من خلال إضافة الشاعر السورة إلى المَجد، مما يعني أنها مكانة عالية، بدليل وصفها بأنه «ليسَ غُرابُهَا بِمُطارِ» مِمَّا يعني ثبات هذه الرتبة، وبقائها للممدوح.
وقد يشرح الشاعرُ المعنى في شعره فيكفي المفسرَ مؤونةَ شرح الشاهد، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الزمخشري في تفسيره لمعنى الختم في قوله تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7](3) فقال: «وقد جعل بعضُ المازنييّن الحُبْسَةَ في اللسانِ والعِيَّ خَتْمًا عليه فقال:
خَتَمَ الإلهُ على لسانِ عُذافرٍ
…
خَتمًا فليسَ على الكَلامِ بِقَادرِ
وإذا أَرادَ النُّطقَ خِلْتَ لِسَانَهُ
…
لَحْمًا يُحَرِّكهُ لِصَقْرٍ نَاقِرِ». (4)
فالمعنى في البيتين ظاهر يدل على أَنَّ المقصودَ بالختمِ الحُبْسَةُ في اللسان كما ذكر الزمخشري، لقول الشاعر «فليسَ على الكلامِ بقَادِر» .
ومن الأمثلة عند ابن عطية أنه أورد شاهدًا من معلقة عنترة، وهو قوله:
وشَكا إِليَّ بِعَبْرَةٍ وتَحَمْحُمِ
ثم فسَّره ابنُ عطيةَ بِمَا قالَهُ عنترةُ بعده فقال: «وفُسِّرَ هذا المعنى بقوله:
(1) رواية الديوان:
ولِرَهطِ حَرَّابٍ وقَدٍّ سُورةٌ، وهما رجلان من بني أسد
…
انظر: ديوانه 55.
(2)
الكشاف 1/ 97.
(3)
البقرة 7.
(4)
الكشاف 1/ 49.