الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغَريبُ والمعاني. ومن أراد الغريبَ من شعرِ المُحدَثِ ففي أَشعارِ ذي الرُّمَّةِ. ومَنْ أرادَ الغريب الشديدَ الثِّقةِ ففي شعرِ ابن مُقبلٍ، وابنِ أْحْمَر، وحُميدِ بن ثَورٍ الهلاليّ، والرَّاعي، ومزاحمٍ العقيليّ. ومَنْ أراد النسيب والغزل من شعرِ العَربِ الصُّلبِ فعليه بأَشعارِ عُذْرةَ والأنصارِ. ومن أراد النَّسيبَ من الشعر المُحدَثِ ففي شعر ابن أبي ربيعةَ، والحارثِ بن خالدٍ المخزوميِّ والطبقة الذين مع هؤلاء. ومن أرادَ طُرَفَ الشِّعرِ وما يُحتاجُ إلى مثلهِ عند مُحاورةِ الناس وكلامهم فذلك في شِعْرِ الفُرسان. ويقالُ: أشعرُ الفرسان دريد بن الصّمّة، وعنترة، وخفاف بن ندبة، والزّبرقان بن بدر، وعروة بن الورد، ونهيكة بن إساف، وقيس بن زهير، وصخر بن عمرو، والسّليك بن
سلكة، وأنس بن مدركة، ومالك ابن نويرة، ويزيد بن الصّعق ويعدُّ من الفرسان وفي الأشراف، ويزيد بن سنان بن أبي حارثة» (1).
وهذا النص يدل على أَنَّ العلماء كانوا يراعون في موضوعات الشواهد من الشعر عند اختيارهم شعر شاعر بعينه دون غيره، ولذلك عُنِي العلماءُ بشعر هذيلٍ وشرحوه كما فعل أبو سعيد الشكري، وأبو عمرو الشيباني، وعُنِي المفسرون بشعر العجَّاج ورؤبة فكثر استشهادهم بشعرهما في غريب القرآن، وقد ذكرتُ في موضعٍ لاحقٍ من البحث عدد الشواهد التي استشهد بها المفسرون لكل منهما. وقد تتبعت الشواهد الشعرية في كتب التفسير والدراسات القرآنية، فوجدتها لا تخرج من حيث الموضوعات عن الأنواع التالية:
1 - الشواهد اللغوية
.
وهي ما استشهد به المفسرون وأصحاب الغريب والمعاني من الشواهد الشعرية في استعمال لفظة ما، من حيث علاقة اللفظ باللفظ وما
(1) المصون في الأدب 169 - 170.
يتعلق به من موازنات، أو من حيث علاقة اللفظ بالمعنى، وهو ما عني به أصحاب المعاجم، أو من حيث علاقة اللفظ بالاستعمال ويشمل ما صنفه علماء اللغة من دراسات للمتن تدور حول الغريب، والدخيل، والموضوع، ونحو ذلك.
وقد شارك المفسرون والمصنفون في الدراسات القرآنية مشاركة فاعلة في العناية بالشواهد الشعرية اللغوية، يستشهدون بها لتوضيح لفظة غريبة، أو لبيان أصلها الاشتقاقي، أو لبيان ما طرأ عليها من تطور دلالي، أو نحو ذلك من مسائل تتعلق بالمفردات القرآنية. وقد حفلت كتب التفسير بهذا النوع من الشاهد الشعري، وكتب غريب القرآن كذلك، بل إن كتب التفسير والغريب والمعاني قد تنفرد ببعض الشواهد اللغوية التي لا توجد في معاجم اللغة (1).
والأمثلة على هذا النوع كثيرة، فقد عُنِي العلماء بها في فترة مبكرة، حيث رُويَ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر قوله تعالى:{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)} [النحل: 47](2) فسأَلَ عن التخوفِ. فقام رجلٌ من قبيلةِ هُذيلٍ وقال: «التخوفُ عندنا التنقصُ» ، ثم أنشدهُ:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنها تَامِكًا قَرِدًا
…
كَمَا تَخَوَّفَ عُوْدَ النبَّعْةِ السَّفِنُ (3)
(1) انظر شواهد معنى كلمة «رَبّ» في تفسير الطبري (شاكر) 1/ 141، 6/ 543 - 544.
(2)
النحل 47.
(3)
انظر: البيت في اللسان 9/ 101 (خوف) منسوبًا إلى ابن مقبل، وهو في ملحق ديوانه 405، وفي الصحاح 4/ 1359 منسوبًا لذي الرمة، وفي تاج العروس كذلك، وقال: «أروده أبو عدنان في كتاب النبل لابن مزاحم الثمالي، وقال: لم أجده في شعر ذي الرمة، وقال غيره: هو لعبدالله بن عجلان النهدي، جاهلي، كما وجد بخط أبي زكريا). ورواه صاحب الأغاني 6/ 72 منسوبًا لابن مزاحم الثمالي، وعزاه البيضاوي في تفسيره لأبي كبير الهذلي 3/ 99، وليس في ديوان الهذليين، وفي أساس البلاغة منسوبًا لزهير، ولم أجده في ديوانه، وهو في القلب والإبدال 31، وأمالي القالي 2/ 113، والمخصص لابن سيده من غير نسبة. ونسبه البكري في اللآلي 2/ 738 =
فقال عمر: «أيها الناس، تَمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم فإن فيه تفسير كتابكم» (1). وسيأتي لهذا الشاهد مزيد بيان في موضع آخر، والمقصود هنا بيان أنَّ عمر رضي الله عنه من أقدم من فتح باب الاستعانه بالشعر في تفسير القرآن الكريم، وهو باب دخل منه الشعر الجاهلي إلى الحياه الإسلامية، وحظي فيها بمكانةٍ لم يكن ليظفر بها من غير هذا الطريق.
وأكثر المفسرين استعانة بالشاهد الشعري اللغوي في تفسير القرآن الكريم من الصحابة رضي الله عنهم عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما، في الأسئلة التي سأله عنها نافع بن الأزرق، وكلها تدخل تحت الشاهد الشعري اللغوي (2).
ومنها أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن تفسير قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)} [الرحمن: 35](3) ما النُّحَاسُ؟
فأجابه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: هو الدخان الذي لا لهب فيه.
فقال ابن الأزرق: وهل كانت العرب تعرف ذلك؟ قال نعم، أما سمعت بقول النابغة (4):
يُضِيءُ كَضوءِ سِراجِ السَّليـ
…
ـطِ لم يجعل اللهُ فيهِ نُحَاسَا (5)
يعني دخانا (6).
وهذا الشاهد قد استشهد به علماء اللغة على أن معنى النحاس في
= لقعنب بن أم صاحب، تفسير القرطبي 10/ 110، تفسير الألوسي روح المعاني 14/ 152.
(1)
الموافقات 1/ 58.
(2)
ستأتي دراستها مفصلة في الفصل الثاني من الباب الأول ص 219.
(3)
الرحمن 35.
(4)
هو الجعدي.
(5)
انظر: ديوانه 81، مجاز القرآن 2/ 245، معاني القرآن للفراء 3/ 117، غريب القرآن لابن قتيبة 438، الجامع لأحكام القرآن 17/ 112، الكشاف 4/ 449، ونسبه الطبري (هجر) 22/ 226 للنابغة الذبياني في نُسَخٍ.
(6)
انظر: مسائل نافع بن الأزرق ص 36 - 37.
الآية هو ما ذهب إليه ابن عباس من الدخان الذي لا لهب فيه (1). قال الأزهري: «وهو قَولُ جَميعِ المفسرين» (2).
ومن أمثلة هذا النوع من الشاهد الشعري ما ورد عند ابن عطية في تفسير قوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [البقرة: 3](3)، حيث قال: «والصلاة مأخوذة من صَلَّى يُصلِّي إذا دعا، كما قال الشاعر (4):
عَليكِ مِثلُ الذي صَلَّيْتِ فَاغتمِضِي
…
يَومًا فإِنَّ لجَنْبِ المرءِ مُضْطَجَعا (5)
ومنه قول الآخر (6):
لها حَارِسٌ لا يَبْرحُ الدهرَ بَيْتَهَا
…
وإِن ذبحت صَلَّى عليها وَزَمْزَمَا (7)» (8)
وهذان الشاهدان قد استشهد بهما اللغويون على معنى الصلاة في اللغة، وأنها بمعنى الدعاء (9).
وكذلك قول الشمَّاخ بن ضرار الغطفاني:
ذَعَرْتُ بهِ القَطا ونَفَيتُ عنهُ
…
مَكانَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ اللَّعِيْنِ (10)
حيث استشهد به المفسرون على أن «أصل اللعن الطرد والإبعاد والإقصاء» (11). واستشهد به اللغويون على المعنى نفسه (12). وهو الشاهد
(1) تهذيب اللغة 4/ 320، الصحاح 3/ 981، لسان العرب 14/ 71 (نحس).
(2)
تهذيب اللغة 4/ 320.
(3)
البقرة 3.
(4)
هو الأعشى.
(5)
انظر: ديوانه 151.
(6)
هو الأعشى أيضًا.
(7)
انظر: ديوانه 343.
(8)
المحرر الوجيز 1/ 101، وانظر: مجاز القرآن 1/ 62، 268، 2/ 138، تفسير الطبري (شاكر) 1/ 242، الجامع لأحكام القرآن 1/ 118.
(9)
انظر: تهذيب اللغة 12/ 236، مقاييس اللغة 3/ 300.
(10)
من قصيدته المشهورة في مدح عرابة الأوسي. ومعناه: مقام الذئب اللعين كالرجل. انظر: ديوانه 321.
(11)
انظر: مجاز القرآن 1/ 46، تفسير الطبري (شاكر) 2/ 328، و 3/ 254.
(12)
انظر: تهذيب اللغة 2/ 396، مقاييس اللغة 5/ 253، لسان العرب 12/ 292، الصحاح 6/ 2196.