الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«مَهِيل» يأتي على «مَهْيُول» ، وهاتان لغتان لقبيلتين من قبائل العرب، في اسم المفعول من ذوات الياء، ومجيئه صحيحًا، مثل مَبِيع يأتي مَبْيُوع، ومخيط يأتي مخيوط، وقد أَتموا ذوات الياء خاصة لِخفَّتِها (1)، وعَدَّهُ بعضهم خطأً. (2)
الاستشهاد لبيان اللغة الفصيحة في اللفظة
.
من صور الاستشهاد اللغوي بالشعر الاستشهاد به لبيان اللغة الفصيحة في لفظة من الألفاظ التي وردت في القرآن، أو عرضت في أثناء التفسير. ومن أمثلة ذلك:
1 -
ناقش الطبري عند قوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف: 150](3) القراءات في قوله: {ابْنَ أُمَّ} فقال: «واختلفت القرأة في قراءة قوله: {ابْنَ أُمَّ}، فقرأ ذلك عامةُ قَرَأَةِ المدينة وبعض أهل البصرة: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} بفتح الميم، من الأَمِّ. (4) وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: {أُمِّ} بكسر الميم (5) من الأُمِّ» . (6)
ثم ذكر اختلاف النحويين في توجيه النصب والكسر مع إجماعهم على أنهما لغتان مستعملتان في العرب، وأنَّ مَنْ قرأ بفتح الميم فمرادٌ به النُّدبةُ (7)، أي: يا ابن أُمَّاه. ومَن قرأ بكسرها فمرادٌ به الإضافة، ثم
(1) انظر: أمالي المرزوقي 50.
(2)
انظر: درة الغواص 259، التصحيف والتحريف للصفدي 461.
(3)
الأعراف 150.
(4)
قرأ بفتح الميم نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب. انظر: السبعة 295، التيسير 113، النشر 2/ 272.
(5)
قرأ بكسر الميم حمزة والكسائي وشعبة عن عاصم وابن عامر وخلف. انظر: الحاشية السابقة.
(6)
تفسير الطبري (شاكر) 13/ 128.
(7)
النُّدْبَةُ اصطلاحًا هي نداءُ المُتَفَجَّعِ عليهِ أو المُتوجَّعِ منه بـ «وا» أو بـ «يا» . انظر: عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك لمحمد محي الدين عبد الحميد 4/ 49.
حُذفت الياء التي هي كناية اسمُ المخبرِ عن نفسه. ثم قال: «قالوا: أمَّا اللغةُ الجيدة، والقياس الصحيح فلغة من قال: «يا ابن أمي» بإثبات الياء، كما قال أبو زبيد:
يا ابنَ أُمِّي ويا شُقَيِّقَ نَفسِي
…
أنتَ خَلَّفتني لِدهرٍ شَديدِ (1)
وكما قال الآخر (2):
يا ابنَ أُمِّي ولو شَهِدتُكَ إِذ تَد
…
عو تَميمًا وأَنتَ غَيْرَ مُجابِ (3)
وإنما أثبت هؤلاء الياءَ في الأُمِّ؛ لأنها غير مناداة، وإنما المنادى هو الابنُ دونَها، وإنما تُسقط العربُ الياءَ من المنادى إذا أضافته إلى نفسها، لا إذا أضافته إلى غير نفسها كما قد بَينَّا». (4) وللنحويين في توجيه قراءة الفتح مذهبان اقتصر الطبري على أحدهما:
الأول: مذهب البصريين، أنهما اسمان بُنيا على الفتح كاسمٍ واحدٍ كخمسَةَ عَشَر ونحوه، فعلى هذا ليس «ابن» مضافًا إلى «أُمّ» بل مُركَّبٌ معها، فتكونُ الحركةُ حركةَ بناءٍ.
الثاني: مذهب الكوفيين وهو ما ذهب إليه الطبري، أنَّ «ابن» مضافٌ إلى «أُمّ» و «أُمّ» مضافة لياء المتكلم، وياء المتكلم قلبت ألفًا كما تقلب في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم. وأصله ابنَ أماه، حذفت الألف تخفيفًا، وسقطت هاء السكت لأنه دَرْجٌ. (5)
وأَمَّا قراءة الكسر فعلى رأي البصريين هو كَسْرُ بناءٍ لأجلِ ياء المتكلم، بِمعنى إضافةِ هذا الاسم المُركَّبِ لياء المتكلمِ فكُسِرَ آخرُهُ، ثُمَّ
(1) انظر: أمالي اليزيدي 9.
(2)
هو غلفاء بن الحارث.
(3)
انظر: الوحشيات برقم 213، الأغاني 12/ 213.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 13/ 129 - 131، وانظر: معاني القرآن للفراء 1/ 394.
(5)
انظر: الكتاب 2/ 213 - 214، الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/ 478، الدر المصون 5/ 467.
اجتزئ عن الياءِ بالكسرة. وعلى رأي الكوفيين يكون الكسرُ كسرَ إعرابٍ، وحذفت الياءُ مُجتزأً عنها بالكسرة كما اجتزئ عن ألفها بالفتحة (1).
وقد قرأ بالوجه الذي عَدَّهُ أهلُ اللغةِ فصيحًا ابنُ السميفع (2)، قال الأخفش:«وهو القياس، ولكنَّ الكتابَ ليست فيه ياءٌ، فلذلك كُرِهَ هذا» . (3) في حين قال أبو حيان: «وأجود اللغات الاجتزاء بالكسرةِ عن ياء الإضافة» . (4)
والغرض من الشاهد الشعري في كلام الطبري الاستشهاد على اللغة الفصيحة في قولهم: «يا ابن أمي» وهو إثبات الياء كما في شواهد الشعر، غير أن في ورودها في القرآن الكريم ما يُضعِّفُ هذا القول، وإن كان قد يُقالُ: إِنَّ القُرآنَ ترد فيه صيغٌ متعددةٌ كلها مستعملٌ معروفٌ عند العرب، وربما وردت اللغةُ القليلةُ، وتُركت الشائعةُ لحكمةٍ.
2 -
في قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152](5) ذكر الطبري أن هذه هي اللغة الفصيحة في التعبير، وأنَّ «العرب تقولُ: نَصَحتُ لك، وشكرتُ لكَ، ولا تكاد تقول: نصحتكَ، ورُبَّما قالت: شكرتُكَ ونصحتُكَ، من ذلك قول الشاعر (6):
هُمُ جَمعوا بُؤسَى ونُعْمَى عَليكمُ
…
فَهلَاّ شَكَرْتَ القومَ إِذْ لَمْ تُقاتِلِ (7)
وقال النابغةُ في «نَصحتُكَ» :
(1) انظر: الدر المصون 5/ 467.
(2)
هو أبو عبد الله مُحمَّدُ بن عبد الرحمن بن السَّمَيْفَعُ اليماني، من فصحاء العرب، له اختيارٌ في القراءة شَذَّ فيه، احتج لها أبو العلاء الهمذاني بشواهد ومتابعات. انظر: غاية النهاية 2/ 161 - 162.
(3)
معاني القرآن 2/ 310، مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه 51.
(4)
البحر المحيط 4/ 396.
(5)
البقرة 152.
(6)
هو عمرو بن لجأ.
(7)
انظر: البحر المحيط 1/ 198.