الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث الاستعارة. (1)
ويُعَدُّ كتابُ «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة أحفل الكتب - التي شملتها هذه الدراسة - بالشواهد البلاغية، وقد صنف كتابه هذا للرد على الملاحدة وأشباههم الذين يطعنون على القرآن الكريم، فيقولون: إن به تناقضًا وفسادًا في النظم، واضطرابًا في الإعراب، وهو طعن مرده إلى جهلهم بأساليب العربية، ومن ثَمَّ ألف كتابه، ليحق الحق ويبطل الباطل، عارضًا فيه بعض آيات القرآن، مستشهدًا لتفسيرها بالشواهد الشعرية الكثيرة التي بلغت ثلاثمائة وواحد وستين شاهدًا شعريًا، غالبها شواهد بلاغية اعتمدها البلاغيون في كتب البلاغة بعد ابن قتيبة، وستأتي أمثلة لهذه الشواهد. وقد تعرض ابن قتيبة في كتابه هذا لموضوعات بلاغية مثل المجاز والاستعارة والكناية والتعريض والمقلوب، وتكرار الكلام والزيادة فيه، والحذف والاختصار، ومخالفة ظاهر اللفظ معناه.
وفيما يلي أمثلة للشواهد البلاغية في كتب غريب القرآن، ومعاني القرآن، ثم أختم بذكر أمثلة للشواهد البلاغية في كتاب ابن قتيبة تأويل مشكل القرآن.
أولًا: أمثلة الشواهد البلاغية في كتب الغريب
.
1 -
عند تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 2](2) فسره بأن معناه: هذا القرآن، ثم قال: «وقد تخاطب العرب الشاهد فتظهر له مخاطبة الغائب، قال خفاف بن ندبة السلمي، وهي أمه، كانت سوداء حبشية، وكان من غربان العرب في الجاهلية:
فإِنْ تَكُ خَيْلي قَدْ أُصِيْبَ صَمِيمُها
…
فَعَمْدًا على عَيْنٍ تَيمَّمْتُ مالِكا
(1) انظر: أثر النحاة في البحث البلاغي لعبد القادر حسين 145.
(2)
البقرة 2.
أَقولُ لَهُ والرُّمحُ يَأْطُرُ مَتْنَهُ
…
تَأَمَّلْ خُفافًا إِنَّنَي أَنا ذَلكا
يعني مالك بن حَمّاد الشَمْخِيَّ. وصميمُ خَيلِه معاويةُ أخو خنساء، قتله دُريد وهاشم ابنا حَرْملة المُرِيَّان». (1)
وهذا شاهدٌ بلاغيُّ على أَنَّ العربَ تُخاطبُ الشاهدَ بِخطابِ الغائبِ البعيدِ، لِتفخيمهِ، وقد جاء الخطاب في الآية بصيغة الغائب لتفخيم أمر القرآن الكريم، وعلو قدره، وجاء الخطاب بصيغة الغائب في الشاهد لتفخيم الشاعر لأمر نفسه.
2 -
وقال أبو عبيدة عند تفسيره للتشبيه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: 14](2): «مجازه: إن الذي يبسط كفه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه لا يتم له ذلك، ولا تَسِقْهُ أَناملهُ، أي: تَجمعهُ» . (3) ثُمَّ استشهدَ بشاهدٍ بلاغي فيه معنى الآية من حيث التشبيه، وهو قول ضابئ بن الحارث البُرْجُمي:
فَإِنِّي وإِيَّاكمْ وشَوقًا إِليكمُ
…
كقابضِ ماءٍ لَم تَسِقْهُ أَنامِلُهْ (4)
ثم شرحه فقال: «يقول: ليس في يدي من ذلك شيءٌ، كما أَنَّه ليسَ في يدِ القابض على الماء شيءٌ» . (5) وهذا مَثَلٌ تَضربهُ العربُ لِمَن سعى فيما لا يدركه. (6)
3 -
عند تفسير قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)} [آل عمران: 127](7) ذكر أنَّ أبا عبيدة فسر قوله تعالى: {يَكْبِتَهُمْ} بأنه من الكبت وهو الإهلاك. وقال غير أبي عبيدة أَنَّ معناهُ من
(1) مجاز القرآن 1/ 28 - 29.
(2)
الرعد 14.
(3)
مجاز القرآن 1/ 327.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 13/ 487، خزانة الأدب 9/ 323.
(5)
مجاز القرآن 1/ 327.
(6)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 13/ 487.
(7)
آل عمران 127.