الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقطعًا (1)، وبعض الباحثين يقف من تلك المحاولات الأولى لفن الشعر موقفًا يرفض فيه تلك الفروض التي رجحها المستشرقون وغيرهم من الأدباء، ويشك في أن يكون الرَّجَزُ هو أقدم أوزان الشعر، فيقول:«وكلُّ ما يُمكنُ أَن يقالَ هو أَنَّ الرَّجزَ كان أكثر أوزان الشعر شيوعًا في الجاهلية؛ إذ كانوا يرتجلونه في كل حركةٍ من حركاتِهم، ولكنَّ شُيوعَهُ لا يعني تقدُّمهُ ولا سَبقهُ للأوزان الأخرى، إِنَّما كان يعني أَنَّهُ كان وزنًا شعبيًا لا أقلَّ ولا أكثر» (2).
ويقترب من هذا الرأي ما ذهب إليه الدكتور إبراهيم أنيس من أَنَّ بَحرَ الرَّجَزِ مرحلةٌ متطورةٌ عن بحر الكامل؛ نظرًا لِما لا حظَهُ من أَنَّ اللغةَ العربية تتجه من المتحرك إلى الساكنِ، وليس العكس (3). وهناك من لا يعدُّ الرَّجَزَ من الشعرِ، فقد نقل عن الخليلِ بن أَحْمدَ أَنَّ الرَّجَزَ ليسَ بشعرٍ، وإِنَّما هو أَنصافُ أبياتٍ أو أثلاث (4)، وهذه مسألة تعرض لها نقاد الشعر بتفصيل (5).
أثر الإسلام في الشعر:
لم يَدَعِ الإسلامُ جانبًا من جوانب حياة العرب في الجاهلية إلا أتى عليه فغيَّرهُ أو قوَّمهُ وهذَّبه، والشعرُ من أَهمِّ جوانبِ الحياة العربية، وقد تأثر الشعر العربي بالإسلام تأثرًا كبيرًا، وظهر هذا للدارسين بعد جَمعِ شعرِ صدر الإسلامِ ودراسته، وبعض الباحثين يزعم أنه لم يكن للإسلام تأثير في الشعر (6). وهذه الدعوى تعني أن الإسلام لم يُحدِث أثرًا على
(1) انظر: تاريخ آداب العرب 3/ 24 - 25.
(2)
العصر الجاهلي لشوقي ضيف 186.
(3)
انظر: موسيقى الشعر 15 وما بعدها.
(4)
تهذيب اللغة 10/ 610 - 611.
(5)
انظر: المرشد إلى فهم أشعار العرب لعبدالله الطيب 1/ 230، دراسة لغوية في أراجيز رؤبة والعجاج لخولة الهلالي 1/ 11.
(6)
انظر: تاريخ الأدب العربي لبلاشير 13.
ثقافةِ المُجتمعِ، ولم يكن هناك أثر للإسلام في الثقافة والشعر إلا في فترة متأخرة (1). وهناك من الباحثين من يرى أن فن الهجاء ظلت معايِيْرهُ جاهليةً دون تغيِيْرٍ بعد مَجيء الإسلام (2)، وأن المديح ظلَّ يتغنَّى بالصفات الجاهلية التي كان الجاهليون يَعدُّونَها المَثَلَ الأعلى (3)، ومثل ذلك يقال في شعر الحرب والفخر والرثاء، هذا من ناحية الأغراض والموضوعات.
أما ناحية الأساليب فيرون أن الشعراء لم يهجروا ما درجوا عليه في الجاهلية من أساليب، فلم يتأثروا بأسلوب القرآن الكريم في التذكير والوعد والوعيد والمحاجة ونحوها من الأساليب، ويرون أَنَّهُ إن صحَّ أَنْ يُقالَ: إِنَّ هناك تغيرًا ما فيقال في حقِّ شعراءِ المدينةِ فحسب (4).
وقد أرجع بعض الباحثين السبب الذي حَملَ هؤلاء الباحثين على القول بأنه لم يكن هناك أثر يذكر للإسلام على الشعر وعلى الشعراء الذين عاصروا صدر الإسلام إلى عدم توفرِ نصوصٍ كافيةٍ تُمثلُ أَدب هذا العصر، بسبب إهمالِ الرواة لها في كتب الأدب والشعر، في حين حفلت بها كتبُ السيرةِ وكتب التراجم، وهو مع ذلك متفرق فيها لا تكاد تَجدهُ مُجتمعًا في كتاب منها دون كتاب (5).
وسبب آخر يُمكن إضافته وهو أَنَّ هناك من الباحثين من يخلط بين موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر، وبين نفي صفة الشاعرية عن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وذكروا أنَّ الإسلام قد قَلَّلَ من شأن الشعرِ، وذَكَرَهُ في موطنِ الذمِّ. والصحيحُ عند الباحثين المطلعين على شعر هذه المرحلة أَنَّها قد
(1) انظر: تاريخ الأدب العربي لعمر فروخ 1/ 256.
(2)
انظر: الهجاء والهجاءون لمِحمد محمد حسين 167.
(3)
انظر: شعر المخضرمين للجبوري 348.
(4)
انظر: المصدر السابق 255، 349.
(5)
انظر: العصر الإسلامي لشوقي ضيف 45، والتطور والتجديد في الشعر الأموي له 21.