الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - تعدد رواية الشاهد الشعري
.
وردت للشواهد الشعرية في كتب التفسير روايات متعددة، وكذلك في كتب النحو، ورُبَّما مسَّ الاختلافُ موضعَ الشاهدِ، فيسقط الاحتجاجُ به على المُرادِ، وإن كان هذا لا يعني سقوط الاحتجاج بالشاهد على وجه آخر إذا كان من غيره يحتج بقوله كما تقدم. أما إذا لم يَمَس الاختلاف موضع الشاهد فلا إشكال في الاستشهاد به.
ومن أمثلة ذلك ما استشهد به ابن جرير في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36](1) حيث قال: «وقال: {أُولَئِكَ} ولم يقل: «تلك» كما قال الشاعر (2):
ذُمَّ المنازلَ بعدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى
…
والعيشَ بعدَ أولئكَ الأَيَّامِ (3)» (4).
والشاهد في البيت عند الطبري هو استعمال «أولاء» للإشارة إلى الجمع سواء كانوا عقلاء أو غير ذلك.
وكذلك عند الزمخشري (5). وقد ورد هذا البيت في ديوان جرير «الأقوام» (6) بدل «الأيام» ، وكذلك عند أبي عبيدة (7)، وزعم ابن عطية أن هذه الرواية هي الصحيحة، وأن الطبري قد غلط في روايته «الأيام» بدل «الأقوام» ، وأن الزجاج قد تبع الطبري في هذا الخطأ (8). غير أن المبرِّد - وهو معاصر للطبَريِّ - يرويه كما عند الطبري (9). وإذا صح ما ذهب إليه
(1) الإسراء 36.
(2)
هو جرير بن الخطفى.
(3)
انظر: ديوانه 657.
(4)
تفسير الطبري (هجر) 14/ 596.
(5)
انظر: الكشاف 2/ 667، تَنْزِيلُ الآيات لمحب الدين أفندي 449.
(6)
انظر: شرح ديوان جرير 657.
(7)
انظر: شرح نقائض جرير والفرزدق 1/ 417.
(8)
انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/ 240، المحرر الوجيز 10/ 294.
(9)
انظر: المقتضب 1/ 321، الكامل 1/ 439.
ابن عطية، لم يكن في الشاهد حجة لما ذهب إليه الطبري والزمخشري (1).
ومن الأمثلة قول الطبري: «وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد؛ لأن العربَ تُسمِّي كُلَّ صانعٍ خالقًا، ومنه قول زهير:
وَلأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ
…
وبعضُ القومِ يَخلُقُ ثُمَّ لا يَفْري
ويُروى:
ولأَنتَ تَخْلُقُ ما فَريتَ
…
وبعضُ القومِ يَخلقُ ثُمَّ لا يَفري» (2).
ومن الأمثلة كذلك قول ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42](3): «وعلى نحو {حَيَّ} جاء قول الشاعر (4):
عَيّوا بِأَمْرِهِمُ كَمَا
…
عَيَّتْ بِبَيْضَتِهَا الحَمَامَة (5)
ومنهُ
…
قولُ المتلمس:
فهذا أَوانُ العِرْضِ حَيَّ ذُبَابُهُ
…
زَنَابيرُهُ والأَزْرَقُ المُتَلَمَّسُ (6)
ويُروى: جُنَّ ذُبَابُه» (7). وعلى الرواية الثانية لا شاهد في البيت، وقد نبه ابن عطية هنا على الرواية الثانية، ولا يضر ذلك لأن الشاهد لم يكن وحيدًا للاستشهاد في هذه المسألة وإنما جاء مع غيره من الشواهد الصحيحة، غير أنه يسقط الاستشهاد بهذا الشاهد.
وربَّمَا يرجعُ الخطأُ في الشاهد إلى الناسخ، من مثل ما ورد في «مجاز القرآن» المطبوع عند تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
(1) انظر: خزانة الأدب 5/ 430.
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 19/ 19.
(3)
الأنفال 42.
(4)
هو عبيد بن الأبرص.
(5)
انظر: ديوانه 43.
(6)
العِرْضُ وادٍ باليمامة. والبيت لجرير بن عبدالمسيح المعروف بالمتلمس الضبعي، وهو في ديوانه 123.
(7)
المحرر الوجيز 8/ 77 - 78.
أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: 2](1): «مَجازهُ: ولا يَحملنَّكم ولا يُعدِينَّكُم، وقال:
ولقد طَعَنْتَ أَبَا عُيَينةَ طَعنةً
…
جَمَعَتْ فزارة بعدها أن يَغْضَبُوا (2)» (3).
والبيت بهذه الرواية محرَّف، ولا شاهد فيه، على هذه الرواية. ولم ينبه المُحققُ على هذا، فيغلب على الظن أن الخطأ طباعي.
وقد ورد هذا الشاهد عند الطبري بروايته الصحيحة وهي:
ولقدْ طعنتَ أَبا عُيينةَ طَعنةً
…
جَرَمَتْ فَزارةَ بعدها أَنْ يَغضبوا (4)
فالشاهد في قوله: «جَرَمَتْ» ، بِمعنى حَمَلَتْ.
وكذلك هو عند ابن قتيبة (5)، والزمخشري (6)، وابن عطية (7)، والقرطبي. (8)
وقد عُنِيَ العلماء ببيان الروايات الأخرى للشاهد الشعري، وبعضهم عُنِيَ عناية خاصة ببيان الروايات الأخرى التي يبطل معها وجه الاستشهاد كما فعل ابن السيرافي في شرحه لشواهد سيبويه (9). وقد كان الشعراء أنفسهم ينشدون شعرهم مع تغيير بعض العبارات التي تؤدي معنى متقاربًا، ومن أمثلة ذلك أن ذا الرمة أنشد شعره يومًا فقال:
وظاهِرْ لَها مِنْ يابسِ الشَّخْتِ واستَعِنْ
…
عليها الصَّبا واجْعَلْ يَدَيكَ لَها سِتْرا (10)
(1) المائدة 2.
(2)
البيت لأبي أسماء بن الضريبة، وقيل لعطية بن عفيف. انظر: الكتاب 3/ 138 حاشية المُحقق هارون.
(3)
مجاز القرآن 1/ 147.
(4)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 9/ 483.
(5)
انظر: تأويل مشكل القرآن 550.
(6)
انظر: الكشاف 2/ 421 ذكر الشطر الثاني فقط، وهو موضع الشاهد.
(7)
انظر: المحرر الوجيز (طبعة قطر) 4/ 329.
(8)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 6/ 31 - 32.
(9)
انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه لخالد عبد الكريم جمعة 82.
(10)
انظر: ديوانه 2/ 1642.