الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجَدَفْ. واللغة الفصيحة الجدث بالثاء، والجمع أَجْدُثٌ وأَجْدَاثٌ، قال المتنخلُ الهُذَليُّ:
عَرَفْتُ بِأَجْدُثٍ فَنِعَافِ عِرْقٍ
…
عَلامَاتٍ كَتَحْبِيْرِ النِّمَاطِ (1)» (2).
رابعًا: الاعتماد على الشاهد الشعري في توجيه القراءات
.
يعتني المفسرون في كتب التفسير بتوجيه القراءات القرآنية من حيث الإعراب، ويستعينون على ذلك بشواهد الشعر التي تؤيد مذاهبهم الإعرابية. وهذه المواضع من أكثر المواضع التي يلجأ فيها المفسرون إلى دعم ما يذهبون إليه من الآراء بالشواهد الشعرية، ولا سيما النحوية منها. ومن الأمثلة على ذلك:
عند تفسير ابن عطية لقوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة: 9](3) قال: «واختلف القُراءُ في {يُخَادِعُونَ} الثاني، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:{يُخَادِعُونَ}
…
فوجهُ قراءة ابن كثير ومَنْ ذُكِرَ إحراز تناسب اللفظ، وأن يُسَمَّى الفعلُ الثاني باسم الفعل الأول المسبب له، ويجيء ذلك كما قال الشاعر (4):
ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علينَا
…
فنجهلَ فوقَ جهلِ الجَاهلينَا (5)
فجعلَ انتصارَهُ جَهْلًا» (6). حيث وَجَّهَ قراءة ابن كثير ومن وافقه أنه من باب تناسب اللفظ، وأن قوله {يُخَادِعُونَ} ههنا بِمعنى:{يَخْدَعُونَ} ؛ «فإِنَّ فاعلَ قد جاءَ والفعلُ فيه من واحدٍ، كعاقبتُ اللصَّ، وطَارقتُ النَّعلَ، وإِنَّمَا جاء ههنا فَاعَلَ بِمعنى فَعَلَ لِيُشَاكِلَ لفظهُ لفظَ الأَوَّلِ، وإن
(1) أَجْدُث ونِعَافِ عِرْقٍ أسماء مواضع، والنِّمَاطُ جَمع نَمَطٍ، وتحبير أي تنقيش. انظر: شرح أشعار الهذليين 3/ 1266.
(2)
الجامع لأحكام القرآن 8/ 28.
(3)
البقرة 9.
(4)
هو عمرو بن كلثوم.
(5)
انظر: ديوانه 189.
(6)
المحرر الوجيز 1/ 112.
كان المعنى غير الأول طلبًا لمزاوجة اللفظ». (1) واستشهد على صحة ذلك، وأن العرب تفعله، بقول الشاعر (2).
وقال ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} [الطلاق: 8](3): «وقرأ ابنُ كثيرٍ وعبيد عن أبي عمرو: {وَكَائِنْ} ممدودٌ مهموزٌ (4)، كما قال الشاعر:
وكائِنْ بالأَبَاطحِ من صديفٍ (5)» (6)
…
.......................................
فقراءة أبي عمرو هنا صحيحة، وابن عطية يلتمس ما يشهد لهذه القراءة من اللغة، فاستشهد بالشاهد الشعري على صحة هذا الوجه لغةً.
وقال ابن عطية: «وقراءة أبي بن كعب فيما حكى الكسائي: {أو يُسْلِمُوا} بنصب الفعل على تقدير: أو يكون أن يسلموا، ومثله من الشعر قول امرئ القيس:
فقلتُ لهُ: لا تبكِ عَيناكَ إِنَّمَا
…
نُحاولُ ملكًا أو نَموتَ فَنُعذرا (7)
يروى: نَمُوتَ بالنصبِ، ونَموتُ بالرفع. فالنصبُ على تقدير: أو يكونَ أَنْ نَموتَ، والرفعُ على القطعِ، أَو نَحنُ نَموتُ» (8).
فهو هنا يشير إلى القراءة في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16](9) فقد قرأ الجمهور بإثبات النون رفعًا، وهو عطف على {تُقَاتِلُونَهُمْ} ، أو على الاستئناف، على تقدير: أو هم يسلمون.
(1) الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم 1/ 244 - 245.
(2)
انظر: السبعة 141، ، النشر 2/ 207.
(3)
الطلاق 8.
(4)
انظر: السبعة 639.
(5)
صدر بيت لجرير، وعجزه: يَراني لَو أُصِبْتُ هوَ المُصَابَا
…
انظر: ديوانه 1/ 649.
(6)
المحرر الوجيز 16/ 43.
(7)
انظر: ديوانه 245.
(8)
المحرر الوجيز 15/ 102 - 103.
(9)
الفتح 16.
وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وزيدُ بن علي، وعبدالله بن مسعود {أَوْ يُسْلِمُوا} بحذف النون، وهو منصوب بتقدير (أن) في قول الجمهور من البصريين على تقدير: إِلَّا أَن يُسْلِموا. وعند الكسائي والجرمي على تقدير: (حتى يسلموا)(1).
ويقول القرطبي: «وقرأ طلحة بن سليمان: {يُدركُكُمُ} برفع الكاف على إضمار الفاء، وهو قليل لم يأت إلا في الشعر نحو قوله:
مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشكرُهُا (2)
أراد: فالله يشكرها» (3). وهو هنا يشير إلى قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78](4) وقد رَدَّ ابنُ مُجاهد هذه القراءة في العربية، وحكم عليها أبو حيان بالضعف (5). غير أن ابن جني لم يرتض ذلك وقال: «وهو لعمري ضعيف في العربية، وبابه الشعر والضرورة، إلا أنه ليس بمردود؛ لأنه قد جاء عنهم، ولو قال [أي ابن مجاهد]: مردود في القرآن لكان أصح معنى، وذلك أنه على حذف الفاء، كأنه قال: فيدرككم الموت
…
» (6).
وقد ظهر اهتمام المفسرين بالشعر في فهم الدلالة اللغوية للألفاظ القرآنية مبكرًا منذ بدء التفسير، فقد كان المفسرون من علماء اللغة الذين يحرصون على حفظ الشعر، وقراءة الدواوين ودراستها، حتى ذكر الواحدي أنه درس اللغة ودواوين الشعراء على شيخه العروضي ثم قال: «وقرأت عليه الكثير من الدواوين، وكتب اللغة، حتى عاتبني شيخي رحمه الله يومًا من الأيام، وقال: إنك لم تبق ديوانًا من الشعر إلا قضيت
(1) انظر: معاني القرآن للفراء 2/ 71، معاني القرآن للزجاج 5/ 24، إعراب القرآن للنحاس 3/ 191، الكشاف 3/ 138، البيان للأنباري 2/ 377، مغني اللبيب 624.
(2)
تقدم تخريجه ص 000.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 3/ 182.
(4)
النساء 78.
(5)
البحر المحيط 3/ 299.
(6)
المحتسب 1/ 193.
حقه، أما آن لك أن تتفرغ لتفسير كتاب الله العزيز، تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداءُ من أقاصي البلاد، وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار، يعني الأستاذ الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي رحمه الله.
فقلتُ: يا أَبتِ! إِنَّما أَتدرَّجُ بِهذا إلى ذلك الذي تريدُ، وإذا لم أُحْكِمِ الأدبَ بِجِدٍّ وتَعَب، لم أَرْمِ في غَرضِ التفسيرِ عَنْ كَثَب
…
» (1).
وهذا الطبري يقول في التأكيد على أن الشواهد الشعرية الصحيحة عمدة المفسر في معرفة الدلالة اللغوية للألفاظ القرآنية فيقول في ذلك: «وأصحهم برهانًا فيما ترجمَ وبَيَّنَ من ذلك مما كان مدركًا من جهة اللسان، إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة .. » (2).
بل لم يكن هذا محل عناية المفسرين فحسب، بل إن ابن هشام في السيرة النبوية، يعرض لتفسير بعض الآيات مستعينًا على ذلك بالشعر، فمن ذلك: «قال ابن هشام: (أَيَّانَ مُرسَاها): متى مرساها. يعني بذلك: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187](3) قال قيسُ بنُ الحداديةِ الخزاعيُّ (4):
فَجِئْتُ وَمَخْفَى السِّرِّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
…
لأَسْأَلَهَا أَيَّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ (5)
(1) مقدمة تفسير البسيط للواحدي 1/ 228 - 229 رسالة دكتوراه بتحقيق الدكتور محمد بن صالح الفوزان.
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 1/ 93.
(3)
الأعراف 187.
(4)
هو قيس بن منقذ بن عمرو بن عبيد بن ضاطر الخزاعي، والحدادية أمه، من شعراء الجاهلية، كان فاتكًا شجاعًا خليعًا، خلعته خزاعة بعكاظ، فلا تحتمل جرائره. انظر: الأغاني 14/ 144.
(5)
انظر: الأغاني 14/ 154.
ومرساها: منتهاها، وجَمعهُ: مَرَاسٍ، قال الكميت بن زيد الأسدي:
وَالمُصِيْبِيْنَ بَابَ مَا أَخْطَأَ النَّا
…
سُ وَمُرْسَى قَواعدِ الإِسْلامِ (1)
ومُرْسَى السفينةِ: حيثُ تَنْتهي» (2).
وكذلك أشار شُرَّاحُ الشعر، وجامعو المَجموعات الشعرية إلى أهمية الشعر في تفسير القرآن، قال القرشي في مقدمة مختاراته من شعر العرب:«هذا كتابُ جَمْهَرَةِ أشعار العرب في الجاهلية والإسلام الذين نزل القرآن بألسنتهم، واشتقت العربية من ألفاظهم، واتُّخِذَت الشواهدُ في معاني الحديث من أشعارهم» (3). وقال أبو هلال العسكري وهو يعدد فضائل الشعر: «ومن ذلك أيضًا أن الشواهد تنزع من الشعر، ولولاه لم يكن على ما يلتبس من ألفاظ القرآن، وأخبار الرسول شاهد» (4).
(1) انظر: ديوانه 2/ 178.
(2)
السيرة النبوية 2/ 218.
(3)
جمهرة أشعار العرب 11.
(4)
الصناعتين 138.