الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد اكتفى بما يؤدي معنىً مستقلًا، ويشتمل على موضع الشاهد من البيت، فأورد عجز البيت وكلمة من صدره، وتَمامُ البيت:
خُدُودًا جَفَتْ في السَّيْرِ حتى كأَنَّمَا
…
يُبَاشِرنَ بِالمعزاءِ مَسَّ الآرائكِ (1)
3 - إيراد جزء من شطر البيت:
قد يكون جزء من شطر البيت الشعري كافيًا في الاستشهاد، قائمًا بمعناه، فربُّما اقتصر المفسر من البيت على هذا الجزء اليسير منه في استشهاده، ومن أمثلة ذلك قول الطبري وهو يفسر قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} [الأعراف: 145](2): «وأدخلت الألف واللام في «الألواح» بدلًا من الإضافة، كما قال الشاعر (3):
......................
…
والأَحْلامُ غَيْرُ عَوازبِ». (4)
وهذا الجزء الذي أورده الطبري هو جزء من عجز البيت، وتمام البيت:
لَهُمْ شِيْمَةٌ لَمْ يُعْطَهَا الدَّهْرَ غَيْرُهُمْ
…
من النَّاسِ، والأَحْلامُ غَيْرُ عَوَازِبِ (5)
غير أنه قد اكتفى به لشهرة البيت عند العلماء من جهة، ولأدائه للمعنى المراد من الاستشهاد من جهة أخرى.
ومن الأمثلة كذلك على اكتفاء المفسرين بجزء من شطر البيت الشعري قول ابن عطية عند شرحه لمعنى الكتاب في اللغة: «وأَمَّا لكتاب فهو مصدرٌ من «كَتَبَ» إذا جَمَع، ومنه قيل: كَتِيبةٌ؛ لاجتماعها، ومنه قول الشاعر (6):
....................
…
وَاكتُبْهَا بِأَسْيَارِ (7)
(1) انظر: ديوانه 3/ 1729.
(2)
الأعراف 145.
(3)
هو النابغة الذبياني في معلقته.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 13/ 106.
(5)
انظر: ديوانه 130.
(6)
هو سالم بن دارة. انظر: الإمتاع والمؤانسة 3/ 167.
(7)
انظر: الفاضل للمُبَرِّد 50.
أي: اجْمَعها». (1) فقد اكتفى بجزء من عجز البيت، وهو موضع الشاهد فيه، وربَّما يكونُ ذلك لاشتهارِ هذا البيت بين لعلماءِ، وتَمامُ البيت:
لا تَأْمَنَنَّ فَزَاريَّا حَلَلْتَ بهِ
…
على قَلوصِكَ واكتُبْهَا بأَسيَارِ (2)
ومِمَّن أكثر من الاقتصار على جزء من شطر البيت الزمخشريُّ في «الكشَّاف» ، ومن أمثلة ذلك قوله: «{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125](3)
…
فإن قلتَ: ما موقع هذه الجملة؟ قلتُ: هي جُملةٌ اعتراضيةٌ لا مَحلَّ لها من الإعراب، نحوِ ما يَجِيءُ في الشعر مِنْ قولِهم:
والحوادثُ جَمَّةٌ
…
..............................
فائدتُها تأكيدُ وجوبِ اتباع ملته». (4) فالزمخشري قد اكتفى بذكر موضع الشاهد، وهو جزء من شطر البيت الشعري، وهو يشير إلى جُمْلةٍ اعتراضيةٍ ترد كثيرًا في أشعار الشعراء، ومن ذلك قول هند بنت النعمان بن المنذر:
ما كُنت أَحسبُ وَالحوادثُ جَمّةٌ
…
أنّي أَموتُ وَلم يَعُدني العوّدُ (5)
وقولُ عَمْرَةَ بنتِ الحُبابِ التغلبيَّةِ:
ما كُنتُ أَحسَبُ وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ
…
أَنا عَبِيدُ الحَيِّ مِن غَسَّانِ (6)
وقول القُطاميِّ:
وإذا أصابَكَ والحوادثُ جَمّةٌ
…
حَدَثٌ حَداكَ الى أخيكَ الأوثَقِ (7)
(1) المحرر الوجيز 1/ 45.
(2)
وكَتْبُ الدَّابةِ هو الجَمعُ بين طرفي جلدها بِحَلقةٍ أو سَيْرٍ. انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/ 158، الدر المصون 1/ 85، الفاضل للمُبَرِّد 50.
(3)
النساء 125.
(4)
الكشاف 1/ 569.
(5)
انظر: الأغاني 5/ 145.
(6)
انظر: شعر تغلب في الجاهلية 222.
(7)
انظر: ديوان القطامي 257، الأغاني 2/ 50.
وغيرها من أبيات الشعر، التي يذكر فيها الشعراء هذه الجملة الاعتراضية. (1)
وقال الزمخشري كذلك مكتفيًا بجزء من شاهد مشهور عند النحويين: «فلما كان معنى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ} [البقرة: 249](2) في معنى: فلم يطيعوه، حُمِلَ عليه، كأَنَّهُ قيل: فلم يطيعوه إلا قليل منهم، ونحوه قول الفرزدق:
.......................... لَمْ يَدَعْ
…
مِن المَالِ إِلَّا مُسحِتٌ أَو مُجَلِّفُ
كأنه قال: لم يبق من المال إلا مُسْحِتٌ أو مُجَلِّفُ». (3)
وهو قد اكتفى بعجز البيت، وجزء من صدره، وتَمامُ البيت:
وعَضُّ زَمَانٍ يا ابنَ مروانَ لَمْ يَدَعْ
…
مِن المَالِ إِلَّا مُسْحِتٌ أَو مُجَلِّفُ (4)
وهذا الشاهد من أشهر الشواهد النحوية التي دار حولها خلافُ أهلِ الإِعرابِ، فاكتفى بِمَوضع الشاهد منه لشهرته.
- ومن الأمثلة كذلك عند الزمخشري قوله: «{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)} [الدخان: 7](5). فإن قلت: كيف قيل: {وَمَا بَيْنَهُمَا} على التثنية، والمرجوع إليه مجموع؟ قلتُ: أريد وما بين الجنسين، فَعَلَ بالمضمر مَا فَعَلَ بالظاهر مَنْ قَالَ:(6)
..........................
…
في الهَيْجَا جِمَالَيْنِ». (7)
فقد اكتفى الزمخشري بجزء من عجز البيت، وتمامه:
لأَصبحَ القومُ أَوبَادًا فَلَمْ يَجِدُوا
…
عندَ التفرُّقِ في الْهَيْجَا جِمَالَيْنِ (8)
(1) انظر: ديوان كثير عزة 140، ديوان ابن الرومي 3/ 200، 4/ 225، 329، ديوان ابن المقرب 26، 636، ديوان ابن حَمديس 124، ديوان ابن حيوس 1/ 264، ديوان الأبيوردي 1/ 435، ديوان الأخرس 414، 452.
(2)
البقرة 249.
(3)
الكشاف 1/ 295.
(4)
انظر: ديوانه 2/ 26.
(5)
الشعراء 24.
(6)
هو عمرو بن العداء الكلبي، كما في خزانة الأدب 7/ 579.
(7)
الكشاف 3/ 423.
(8)
انظر: خزانة الأدب 7/ 579.