الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو كانَ يدري ما المُحَاورةُ اشتكى البيت
…
...................... ».
البيت ...... (1)
فتفسيرُ الشكوى في بيت عنترة أنه لو كان هذا الحصان يستطيعُ المُحاورةَ لشكى ما به، ولكنه لا يدري ما المُحاورة. وحَمَلَ عليه ابنُ عطية معنى قوله تعالى:{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77](2) وقرَّرَ أن «جَميعَ الأفعال التي حقُّها أن تكون للحي الناطق متى أُسندت إلى جَمادٍ أو بَهيمةٍ فإنما هي استعارةٌ، أَي لو كانَ مكانَ الجمادِ إنسانٌ لكانَ مُمتثلًا لذلكَ الفعلِ» . (3) وهذه المسألة بحثها العلماء تحت مُسمَّى «المَجاز» ، واختلفوا في وقوعه في اللغة والقرآن. (4)
والأمثلة على مثل هذه الشواهد في كتب التفسير كثيرة. (5)
ثانيًا: ما لا يعرف معناه من ظاهر ألفاظه وتركيبه
.
وأمَّا الثانية وهي أن لا يعرف المقصود من الشواهد بِمجردِ قراءتها، فإنك تجد أمثلةً متفرقةً لها في كتب التفسير، بحيث لا يعرف المعنى المقصود إلا بشرح شارحٍ، وهذه الشواهد في كتب التفسير وكتب الأدب وغيرها، غير أن المفسرين لم يشرحوها، ومن أمثلة هذه الشواهد قول عامر بن الطفيل:
فبِئسَ الفَتَى إِنْ كنتُ أَعورَ عَاقِرًا
…
جَبانًا فمَا عُذري لدَى كُلِّ مَحْضَرِ؟ (6)
فقد استشهدَ به ابنُ عطيةَ على أن العاقرَ هو الإنسانُ الذي لا يلد، وأن ذلك يقالُ للمرأة والرجل. (7) مع أنك لو قرأت البيت منفردًا لم
(1) المُحرر الوجيز 10/ 432.
(2)
الكهف 77.
(3)
المحرر الوجيز 10/ 432.
(4)
انظر: المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع للدكتور عبدالعظيم المطعني، فقد فصل القول في المسألة.
(5)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 13/ 209 - 210، المحرر الوجيز 1/ 104، 108، 147، 2/ 1، 3/ 36، 10/ 146 - 147.
(6)
انظر: ديوانه 64.
(7)
انظر: المحرر الوجيز 3/ 79.
يظهر لك هذا المعنى منه، إلا إذا عرفت أن عامر بن الطفيل الشاعر كان عقيمًا لا يولد له، وأنه قد فُقِئَت عينُه في حَربٍ فأصبح أعورَ عَقيمًا، فحينئذٍ تفهم البيت على وجهه، وابن عطية لم يذكر ذلك، وإنما عُرِفَ هذا بالرجوع إلى شرح الديوان. (1) وهذا يعني أنه على من يقرأ في كتب التفسير أن يكون عارفًا بمعاني العرب، ومقاصدها وأحوالها، وأيامها، فإن ذلك معينٌ على فَهمِ القرآن الكريم وتفسيره.
القانية: تحليل تركيب الشاهد وشرحه وبيان علاقة معناه بالآية.
كان العلماء يذكرون وجه العلاقة بين المعنى في الآية القرآنية والشعر، ويكثرون منه في تفاسيرهم، حتى أن بعض اللغويين ممن لم يشتغل بالتفسير كان يخطر له الخاطر من ذلك كما قال ابن جني عن نفسه: «ومن طريف حديث هذا الخاطر أنني كنت منذ زمان طويل رأيتُ رأيًا جَمعتُ فيه بين معنى آيةٍ ومعنى قولِ الشاعر:
وكنتُ أَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ مُعتدِلًا
…
فَصِرْتُ أَمْشِي عَلى أُخْرى مِن الشَّجَرِ (2)
ولم أثبت حينذٍ شرح حال الجمع بينهما ثقة بحضوره متى استحضرته، ثم إني الآن - وقد مضى له سنون - أُعَانُّ الخاطرَ وأَستَثْمِدُه، وأُفَانيهِ وأَتَوددهُ، على أن يسمح لي بما كان أَرانيهِ من الجمع بين معنى الآية والبيت، وهو مُعتاصٌ مُتأَبٍّ، وضَنِينٌ به غير مُعطٍ». (3)
وقال الراغب الأصفهاني: «قوله تعالى: {{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)} [آل عمران: 189]} (4) أتبع تكذيبهم فيما قالوا: إن الله فقير، وتبكيتهم فيما فعلوه، وما وعدهم به من العذاب بما
(1) انظر: شرح ثعلب للديوان برواية ابن الأنباري 61.
(2)
نُسب لأبي حية النميري كما في الحيوان 6/ 483، ، ونُسب لابن أحْمر الباهلي في الموشح 118 وخزانة الأدب 9/ 359، ولعبدٍ من عبيد بَجيلة في الأمالي 2/ 16، وسِمْط اللآلي 785.
(3)
الخصائص 1/ 207.
(4)
آل عمران 189.
أنبأ عن قدرته عَزَّوَجَلَّ وسعة ملكه، وأن لا سبيل لهم إلى النجاة وإلى الخروج عن ملكه وسلطانه. وهذا هو المعنى الذي تَحرَّاه النابغةُ بقوله:
فإِنَّكَ كالليلِ الذي هُو مُدركي (1)
…
...................................
لكنَّ على الآية رونق الإلهية، وتعميم الملك والقدرة بلا مثنوية، وإضافة الفعل إلى موجد الليل والنهار». (2) فهذه موازنة بين المعنى في الآية، والمعنى في الشاهد الشعري، وبيان وجه تفضيل المعنى في الآية، حيث شبه النابغةُ سعةَ ملكِ النعمان بن المنذر بالليل الذي يدرك كل شيء، فجاءت الآية لتبلغ بسعة ملك الله أوسع مدى سبحانه وتعالى، وتُبكِّتَ المنكرين.
ومن أمثلة ذلك قول أبي عبيدة وهو يفسر قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116](3): «هذا باب تفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلم، وهو يخرج مخرج الاستفهام، وإنما يراد به النهي عن ذلك ويتهدد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجل لعبده: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله ولكن يحذره، وقال جرير:
أَلَسْتُم خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا
…
وأَنْدَى العَالمَينَ بُطونَ رَاحِ (4)
ولم يستفهم، ولو كان استفهامًا ما أعطاه عبدالملك مائة من الإبل برعاتها». (5)
فقد استخرج أبو عبيدة معنى البيت من حال الشاعر وإكرام الخليفة له، واتخذها قرينة تعضد ما ذهب إليه في تفسير البيت، وأنه لا يقصد
(1) صدر بيت، وعجزه:
.................................
…
وإِنْ خلتُ أَنَّ المُنتأى عنكَ واسعُ
انظر: ديوانه: 52.
(2)
تفسير الراغب الأصفهاني 2/ 1038.
(3)
المائدة 116.
(4)
انظر: ديوانه 1/ 89.
(5)
مجاز القرآن 1/ 183.
منه الاستفهام، وكذلك الآية. وقد ورد في حاشية إحدى نسخ شرح ابن حبيب للديوان:«هذا أمدح بيت قالته العرب، ولما أنشد هذا البيت لعبدالملك قال له: من أراد أن يمدح فبمثل هذا البيت أو ليسكت» (1).
ومثل ذلك قول ابن عطية: «تقول العرب: زعم فلان كذا، في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق، وتتقوى فيه شبهة الإبطال، فغاية درجة الزعم إذا قوي أن يكون مظنونًا
…
وقد قال الأعشى:
ونُبِّئتُ قَيسًا ولَمْ أَبْلُهُ
…
كمَا زَعموا خَيْرَ أَهْلِ اليَمَنْ (2)
فقال الممدوح: وما هو إلا الزعم؟ ! وحَرَمَهُ». (3)
ومن الأمثلة عند المفسرين قول الطبري: «وقرأ آخرون (وَأَرْنَا مَناسِكَنَا) بتسكين الراء، وزعموا أن معنى ذلك: وعَلِّمْنَا ودُلَّنا عليها، لا أن معناه: أرناها بالأبصار. وزعموا أن ذلكَ نَظِيْرُ قول حطائط بن يَعْفُر أخي الأسود بن يَعْفُر:
أَرِيْنِي جَوادًا مَاتَ هُزْلًا لأَنَّنِي
…
أَرَى مَا تَرينَ أَو بَخيلًا مُخَلَّدا (4)
يعني بقوله: أريني، دُلِّيني عليهِ وعَرِّفيني مكانَهُ، ولم يَعْنِ رؤيةَ العين، وهذه قراءة رويت عن بعض المتقدمين». (5)
(1) شرح محمد بن حبيب لديوان جرير 1/ 89.
(2)
انظر: ديوانه 75.
(3)
المحرر الوجيز 4/ 160.
(4)
هذا البيت مختلف في نسبته، فنسب لحاتم الطائي (انظر: ديوانه 218، الحماسة البصرية 2/ 802)، ومنه أخذه حطائط بن يعفر كما ذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء 1/ 248، وإن لم يشر إلى ذلك في عيون الأخبار 3/ 181، ونسبه أبو تَمَّام لحطائط في الحماسة 4/ 254، وكذلك ابن السكيت في الكنْزِ اللغوي 23، وجزم بذلك البكري في اللآلي 714 - 715، وقال ابن بري:«ذكرَ أبو عبيدة أنَّ هذا البيت لحطائط بن يَعفُر، وذكر الحوفيُّ أنَّه لدريد، وهذا البيت في قصيدة لحاتم معروفة مشهورة» . انظر: لسان العرب 9/ 370 (علل)، الصحاح 5/ 1774، مَجاز القرآن 1/ 55، وخرجه محقق الحماسة البصرية في 2/ 920.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 3/ 78 - 79.
فكانت دلالة (أَرِنَا) في الآيةِ ودلالة (أَرِينِي) في البيت بِمعنى الدلالة والتعريف، وقد عوَّلَ المفسرون على الشاهد في إثبات صحة المعنى واستعمال العرب إياها.
ومن الأمثلة قول الطبري: «وقوله: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)} [مريم: 92](1) يقول: وما يصلح لله أن يتخذ ولدًا، لأنه ليس كالخلق الذين تغلبهم الشهوات، وتضطرهم اللذات إلى جماع الإناث، ولا ولد يحدث إلا من أنثى، والله يتعالى عن أن يكون كخلقه، وذلك كقول ابن أَحْمَر:
في رأسِ خَلْقَاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشرفةٍ
…
ما يَنْبَغِي دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ (2)
يعني: لا يصلح ولا يكون». (3)
فدلالة الفعل (ينبغي) في الآية هي عينها دلالة الفعل في البيت، كلاهما بمعنى لا يصلح أن يكون، فإن الشاعر في قوله هذا «يصف جبلًا. يقول: لا ينبغي أن يكون فوقها سهلٌ ولا جبلٌ أحصن منها» (4)، وهذا من الطبري من باب الموازنة بين المعنى في الآية والمعنى في الشاهد الشعري.
وقال الزمخشري: «أن تكون مما يقلب من الكلام لأمن الإلباس، كقوله (5):
..........................
…
وتشقى الرماحُ بالضَياطرةِ الحُمْرِ (6)
(1) مريم 92.
(2)
خلقاء: أي صخرة ملساء، التبيان في إعراب القرآن 2/ 136.
(3)
تفسير الطبري (هجر) 15/ 641.
(4)
الصحاح 4/ 1533 وروايته فيه: «لا يُبْتَغَى دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ» .
(5)
هو خداش بن زهير.
(6)
صدره:
............................
…
نَزَلْتُ بِخَيلٍ لا هوادةَ بينها
انظر: الأضداد لابن الأنباري 153.