الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: الاستدلال بالشاهد الشعري للحكم بعربية الألفاظ والأساليب
.
يعقب المفسرون على بعض المفردات أو الأساليب بوصفها بالفصاحة، أو الجودة، أو ناسبين تلك اللغة إلى قبيلة من قبائل العرب، معتمدين في ذلك الحكم على شاهد من شواهد الشعر، ويكثر ذلك عند الموازنة بين القراءات القرآنية، ولا سيما الإمام الطبري.
ومن ذلك قوله رحمه الله: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)} [القيامة: 10](1) وبفتح الفاء، قرأ ذلك قرأةُ الأمصار؛ لأن العين في «يَفْعِل» مكسورة، وإذا كانت العين من «يفعِل» مكسورة، فإن العرب تفتحها في المصدر منه، إذا نطقت به على «يَفْعِلُ» ، فتقول: فَرَّ يَفِرُّ مَفَرًّا. بمعنى: فرارًا، كما قال الشاعر:(2)
يا لَبَكْرٍ أَنشِروا لي كُليبًا
…
يا لبَكْرٍ أينَ أينَ الفرارُ (3)
فإذا أُريد بهذا هذا المعنى من مَفْعلٍ قالوا: أين المَفَرُّ؟ بفتح الفاء. وكذلك المدَبُّ من دبَّ يَدِبُّ، كما قال بعضهم:
كأَنَّ بقايا الأَثْرِ فوقَ متونهِ
…
مَدَبُّ الدَّبَى فوق النَّقَا وهو سارحُ (4)
وقد يُنشَدُ بكسر الدال، والفتح فيها أكثر، وقد تنطق العرب بذلك، وهو مصدر بكسر العين، وزعم الفراء أنهما لغتان، وأنه سمع: جاءَ على مَدَبِّ السَّيلِ، ومَدِبِّ السيلِ، وما في قميصِهِ مَصَحٌّ ومَصِحٌّ» (5). فهو قد جعل الشاهد الشعري مستندًا في تصحيح اللغتين في الكلمة، وذلك بناء على رواية الفراء وهو ثقة لذلك عن العرب (6).
ومن الأمثلة كذلك قوله: «والصواب من القول في ذلك: أَنَّ
(1) القيامة 10.
(2)
هو مهلهل بن ربيعة.
(3)
انظر: ديوانه 24.
(4)
لم أجده.
(5)
تفسير الطبري (هجر) 23/ 482 - 483.
(6)
انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 210.
الشِّهابَ إذا أريد به أنه غيرُ القَبَسِ، فالقراءة فيه بالإضافة؛ لأَنَّ معنى الكلام حينئذ، ما بَيَّنَا من أنه شُعلَةُ قَبَسٍ، كما قال الشاعر (1):
في كفهِ صَعدةٌ مُثقفَةٌ
…
فيها سِنَانٌ كَشُعلةِ القَبَسِ (2)
وإذا أريد بالشهاب أنه هو القَبَسُ، أو أنه نعتٌ له، فالصواب في الشهابِ التنوينُ؛ لأنَّ الصحيح في كلام العرب تركُ إضافةِ الاسم إلى نعته، وإلى نفسه، بل الإضافات في كلامها المعروفةُ إضافةُ الشيء إلى غير نفسه وغير نعته» (3). وهذه مسألة نحوية.
ويقول الطبري: «ومعنى قولهم: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259](4) لم تأت عليه السنون فيتغير، على لغة من قال: أَسْنَهْتُ عندَكُم، أَسْنَهُ، إذا قامَ سَنَةً، كما قال الشاعر (5):
وليستْ بِسَنْهَاءٍ ولا رُجَّبِيَّةٍ
…
ولكنْ عَرايَا في السنينِ الجوائحِ (6)
فجعل الهاء في السنة أصلًا، وهي اللغةُ الفصحى» (7).
ومن الأمثلة كذلك قول القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)} [يس: 51](8): «أي القبور.
وقُرئ بالفاء: (من الأَجْدَافِ)(9)، ذكره الزمخشري (10). يقال: جَدَثْ
(1) هو أبو زبيد الطائي.
(2)
انظر: ديوانه 105.
(3)
تفسير الطبري (هجر) 18/ 9.
(4)
البقرة 259.
(5)
هو سويد بن الصامت الأنصاري، ويقال: أحيحة بن الجلاح.
(6)
الأمالي 1/ 21، سمط اللآلي 361.
(7)
تفسير الطبري (شاكر) 5/ 461.
(8)
يس 51.
(9)
أنكرَ بعضُهم جَمع أجداف، وذكروا أنه لم ينقل عن العرب، وذهب آخرون إلى أن الفاء والثاء تتعاقبان على الموضع الواحد، وذهب السهيلي إلى أنه بالفاء أصلٌ. انظر: البحر المحيط 7/ 325، معجم القراءات للخطيب 7/ 499.
(10)
انظر: الكشاف 4/ 20.