الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: أثر الشاهد الشعري في الحكم بعربية بعض الألفاظ وفصاحتها
.
نزل القرآن الكريم بأفصح لغات العرب، وربما يكون للعرب في لفظة من الألفاظ، أو تركيب من التراكيب لغتان أو أكثر. ولكن القرآن قد جاء بإحداهما، أو بهما معًا. وقد تكون إحدى هذه الألفاظ هي الفصحى، والأخرى دونها في الفصاحة. وقد تعرَّض المفسرون في مواضعَ متفرقة لمثل هذه الألفاظ أو التراكيب. فنصوا على اللغة الفصيحة في اللفظة، ويستشهدون على أقوالهم بالشاهد الشعري، ومن هنا يظهر أثر الشاهد الشعري في الحكم بعربية تلك الألفاظ وفصاحتها. وسأورد أمثلةً كاشفةً لِهذا الأَثرِ الذي ظَهَرَ للشاهد الشعري في هذه المسألةِ في كتب التفسير مع التعليق على كل مثال باختصارٍ.
أولًا: ظهر أثر الشاهد الشعري في الحكم بفصاحة عدد من الألفاظ العربية في كتب التفسير، ومن ذلك لفظة الجَدَثِ بِمعنى القَبْرِ، فقد ورد فيها لغةٌ أخرى هي الجَدَف، ولكنَّ الفصحى منهما هي الأولى. وقد تعرض لهذه المسألة الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)} [يس: 51](1) حيث قال: «{فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ} أي: القبور. وقُرِئَ بالفاء (من الأَجْدافِ)، ذكره الزمخشريُّ (2). يقال: جَدَثٌ وجَدَفٌ، واللغة الفصيحةُ الجَدَثُ بالثاء،
(1) يس 51.
(2)
انظر: الكشاف 5/ 182.
والجمعُ أَجْدُثٌ وأَجداثٌ». (1) ثم استشهد القرطبي على صحة قوله بأن اللفظة بالثاء أولًا، وأنها تجمع على أَجْدُثٍ بقولِ المتنخِّلُ الهُذَليُّ:
عَرفتُ بِأَجْدُثٍ فنِعافِ عِرْقٍ
…
علاماتٍ كتَحْبِيْرِ النِّماطِ (2)
والجَدَفُ هو القَبْرُ.
وقيل: الجدث بالثاء لغة أهل الحجاز، وبالفاء لغة تَميم (3).
وأنكرَ بعضُهُم جَمعَهُ على أَجدافٍ لإجْماعِ أهلِ اللغة أنه لا يُجمع إِلَّا على أَجداثٍ، وأَنَّ الإبدالَ خاصٌ بالمُفردِ (4)، وذكروا أَنَّهُ لم يُنقَل عن العرب.
وذهب آخرون إلى أَنَّ الفاء والثاء تتعاقبان على الموضع الواحد، قال الفراء:«العَرَبُ تُعقبُ بين الفاءِ والثاء في اللغةِ، فيقولونَ: جَدَفٌ وجَدَثٌ، وهي الأَجداثُ والأَجدافُ» . (5) والشاهد استشهاد القرطبي ببيت الهذلي على أن الأفصح في اللفظة أن تكون بالثاء لا بالفاء.
ثانيًا: قد يكون للعربِ في جَمعِ المُفردِ أكثر من لغة، غير أن إحدى هذه اللغات هي الشائعة الفصيحة عند العرب دون غيرها. ومن ذلك على سبيل المثال كلمة (حُجْرَة) فإِنَّها تُجمَعُ على حُجَرٍ، وحُجُراتٍ، وحُجَراتٍ، وحُجْرَاتٍ. وقد تعرض الإمام الطبري عند تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)} [الحجرات: 4](6) لهذه المسألة فقال: «والحُجُراتُ جَمعُ حُجْرةٍ، والثلاثُ حُجَرٌ، ثُمَّ
(1) الجامع لأحكام القرآن 15/ 40.
(2)
أَجدث ونِعافُ عِرقٍ موضعانِ، والنِّماطُ: جَمعُ نَمط، والتحبير هو التنقيش. انظر: ديوان الهذليين 2/ 18.
(3)
انظر: المحتسب 2/ 66، لغة هذيل للدكتور عبد الجواد الطيب 120، لغة تميم لضاحي عبد الباقي 119.
(4)
انظر: سر صناعة الإعراب 1/ 248 - 249، لسان العرب 2/ 197 (جدث).
(5)
معاني القرآن 1/ 41.
(6)
الحجرات 4.
تُجمَعُ الحُجَرُ فيقالُ: حُجُراتٌ، وحُجْراتٌ، وقد تَجمعُ بعضُ العرب الحُجُرَ: حُجَراتٍ بفتح الجيمِ، وكذلك كلُّ جَمعٍ كان من ثلاثةٍ إلى عشرة على فُعَلٍ، يَجمعونهُ على فُعَلاتٍ بفتحِ ثانيهِ، والرفعُ أَفصحُ وأَجودُ».
ثم استشهد على قوله هذا في الحكم بأن الضم للعين في (فُعُلات) أفصح وأجود في اللغة بشاهد شعري فقال: «ومنه قول الشاعرِ (1):
أَما كانَ عَبَّادٌ كَفِيئًا لِدارِمٍ
…
بَلى، ولأِبياتٍ بِها الحُجُراتُ (2)
يقول: بلى، ولِبَنِي هاشمٍ». (3)
وهذا البيت الذي استشهد به الطبري للفرزدق، قالهُ عندما سَمِعَ أَنَّ أحد بني الحارث بن عمرو بن تَميم المعروفين بالحَبَطات (4)، قد خَطَبَ امرأةً من بني دارمٍ قومِ الفرزدقِ فقال:
بَنُو دارمٍ أَكفاؤُهُمْ آَلُ مِسمَعٍ
…
وتَنْكِحُ في أَكفائِها الحَبِطاتُ (5)
ووجهُ الاستشهادِ يصحُّ للطبري على الرواية التي رواها، وأَنَّها بالضمِّ لا غيرُ. وقد سبق الفراء إلى ما ذكره الطبري، ولم يذكر الشاهد. (6) في حين ذكر أبو عبيدة الشاهد ولم يذكرِ اللغاتِ في جَمعِ الحُجْرَةِ. (7)
(1) هو رجل من الحبطات، وهم بنو الحارث بن عمرو بن تميم، يرد على الفرزدق لم أعثر على اسمه. انظر: الكامل للمبرد 1/ 64.
(2)
انظر: مجاز القرآن 2/ 219، الكامل 1/ 89، 2/ 586، خزانة الأدب 10/ 212.
(3)
تفسير الطبري (هجر) 21/ 344 - 345.
(4)
قيل: سُمِّي الحارثُ بن عمرو حَبِطًا لأَنَّه كان في سفر فأَكلَ أكلًا انتفخ منه بطنهُ فمات، فسمِّي حَبِطًا بذلكَ، لا كما قال ابن نباتة: إنه لقول زياد الأعجم: كما الحَبطاتُ شَرُّ بني تَميمِ؛ حيث إنهم سموا بذلك قبل هذا بدهور. انظر: خزانة الأدب 10/ 213، سرح العيون 389.
(5)
وآل مسمع من بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل وهم قوم الفرزدق. انظر: ديوانه 1/ 107.
(6)
انظر: معاني القرآن 3/ 70.
(7)
انظر: مجاز القرآن 2/ 219، وفي البيت فيه خطأ طباعي فيما يظهر، حيث كتب: أما كان عَبَّادٌ كفيًّا لِدارِهِمْ.
وعَبَّادٌ الذي في الشاهد هو عَبَّادُ بنُ حُصينٍ الحَبَطيُّ (1)، والكَفِيءُ فَعِيلٌ بِمَعنى الكُفْءِ، ومعنى البيت أَنَّ عَبَّادَ بن حصينٍ كان كُفْئًا لِدارمِ بن مالكٍ التميمي، وكُفْئًا لهاشمِ بن عبدِ منافِ جَدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأَشارَ إليه بصاحبِ الحُجُراتِ أخذًا من الآية الكريِمة. قال المُبَرِّدُ في شرح البيت:«يعني بني هاشم، من قول الله عَزَّوَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} (2)» . وقال ابن منظور: «والحُجْرَةُ من البيوت: معروفة لمنعها المال
…
والجمع حُجْراتٌ وحُجُراتٌ وحُجَراتٌ، لغاتٌ كُلُّها». (3) ولم ينص على الفصحى منها كما فعل الطبري.
ثالثًا: وقد تكون اللفظة ليست عربيةَ الأَصلِ، ولكنَّ العربَ عَرَّبتها وأَدخلتَها في لُغتِها قبلَ نزول القرآنِ، فوردت في القرآن بعد ذلك. وهذه مسألةٌ اختلف فيها العلماء، ولهم فيها أَقوالٌ معروفة في كتب علوم القرآن، وهي ما يُسمَّى بالمُعَرَّبِ. (4) وقد يتعرَّضُ المُفسِّرُ في أثناء تفسيرهِ لبعض المفردات للنص على أصلها، ويستشهد على ذلك بشواهد الشعر. ومن ذلك قول ابن عطية عند تفسير قوله تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13](5) وهو يُوَجِّه قراءة حَمزة والكسائي حيث قرأ الاثنان: {قَسِيَّةً} على وَزنِ فَعيلة (6): «وحكى الطبريُّ (7) عن قومٍ أَنَّهم قالوا: قَسِيَّةٌ، ليست من معنى القسوة،
(1) كان من أشد الناس وأشجعهم، وهو صاحب البغلة الشهباء. انظر: المحبر لابن حبيب 222، خزانة الأدب 10/ 213.
(2)
الكامل 1/ 89، خزانة الأدب 10/ 212.
(3)
لسان العرب 3/ 58 (حجر).
(4)
انظر: الصاحبي 28 - 30، البرهان في علوم القرآن 1/ 382، والمهذب فيما وقع في القرآن من المُعَرَّب للسيوطي.
(5)
المائدة 13.
(6)
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر {قَاسِيَةً} وقرأ حمزة والكسائي "قَسِيَّةً" انظر: السبعة 243.
(7)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 8/ 250.
وإِنَّما هي كالقَسِيِّ من الدراهم، وهي التي خالطها غِشٌّ وتدليسٌ، فكذا القلوب لم تَصْفُ للإِيْمانِ، بل خالطها الكفرُ والفسادُ، ومن ذلك قول أَبي زُبيدٍ:
لَها صَواهِلُ في صُمِّ السِّلامِ كما
…
صَاحَ القَسِيَّاتُ في أَيدي الصَّيَارِيفِ (1)
ومنه قول الآخر (2):
فمَا زَوَّدانِي غَيْرَ سَحْقِ عِمَامَةٍ
…
وخَمسِ مِئٍ مِنها قَسِيٌّ وزِائِفُ (3)
قال أبو عليّ (4): هذه اللفظةُ معرَّبةٌ، وليست بأصلٍ في كلامِ العرب (5)». (6)
(1) الصَّواهلُ: جَمعُ الصاهلة، مصدرٌ على فاعلة، بِمعنى الصَّهيلِ، وهو صوتُ الخيلِ. والقَسيَّاتُ: ضَربٌ من نقودِ الفِضةِ الزائفة، والصَّياريفُ والصَّيارفُ: جَمعُ الصَّرَّاف، والصَّيْرَفُ والصَّيْرفيُّ هو النَّقَّادُ البصير بالنقود. وهو يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه على الصخور، وهي السِّلامُ. انظر: ديوان أبي زبيد الطائي 38.
(2)
هو مزرد بن ضرار الغطفاني.
(3)
سَحقُ عِمَامةٍ: أي شيء زهيد. انظر: إصلاح المنطق 332.
(4)
هو أبو علي الفارسي. انظر: الحجة للقراء السبعة 3/ 184.
(5)
انظر: المعرب للجواليقي 305 وقد استشهد بالشاهدين اللذين استشهد بهما ابن عطية.
(6)
المحرر الوجيز 5/ 59 - 60.
(7)
تفسير الطبري (هجر) 8/ 250.
(8)
تفسير الطبري (هجر) 8/ 251.
رابعًا: وقد تكونُ هذه اللفظةُ من المُولَّدِ الذي لم تعرفه العرب في الجاهلية، وإنما عرفته بعد ذلك، فينص المفسر على أن هذه اللفظة مولدة، ويستشهد على ذلك بالشاهد الشعري. ومن ذلك قول القرطبي وهو يفسر معنى البسملة: «قال الماوردي (1): ويُقالُ لِمَن قال: بسم الله، مُبَسْمِلٌ، وهي لغةٌ مُولَّدَةٌ، وقد جاءت في الشعرِ، قال عمر بن أبي ربيعة:
لقدْ بَسْمَلَتْ لَيلى غَداةَ لَقِيتُها
…
فَيا حَبَّذا ذَاكَ الحَبيبُ المُبَسْمِلُ (2)». (3)
فقد حَكَمَ الماورديُّ بأَنَّ لفظة «بَسمَلَ» مُولَّدةٌ، وعارضه المَعريُّ فقال: «وبَسْمَلَ إذا قالَ: بسم الله، وأَنشدوا بيتًا يَجوزُ أَنْ يكونَ مُولَّدًا، ولا أَحكمُ عليهِ بالتوليدِ:
لقدْ بَسْمَلَتْ لَيلى غَداةَ لَقِيتُها
…
فَيا حَبَّذا ذَاكَ الحَبيبُ المُبَسْمِلُ». (4)
وعُمرُ بنُ أبي ربيعةَ من شعراء الاحتجاج، حيث توفي سنة 93 هـ، وإن كانت اللفظةُ إِسلاميَّةً مأخوذةً من قول القائل:(بسم الله)، فلعلَّ قولَ أبي العلاء أولى، لاتفاق العلماءِ على الاستشهاد بشعرِ عمرَ بن أبي ربيعة وطبقته.
خامسًا: كل ما تقدم يعنى ببيان الفصاحة في المفردة، غير أن المفسرين قد تعرضوا إلى بعض التراكيب النحوية، ونصوا على أن هذا التركيب أجود من ذاك، أو هو الأكثر أو نحو ذلك من عبارات المفاضلة بين التراكيب النحوية. ومن ذلك قول القرطبي عند تفسير قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94](5) وهو يتكلم عن «إذا» ومتى يُجزم جوابُها: «وفي «إذا» مَعنى الشرط، فلذلك دخلت الفاء في قوله:{فَتَبَيَّنُوا} وقد يُجازَى بِها كما قال (6):
(1) انظر: النكت والعيون 1/ 50.
(2)
انظر: ديوانه 498.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 97.
(4)
رسالة الملائكة 212.
(5)
النساء 94.
(6)
هو عبد قيس بن خفاف البُرجُمي، شاعر جاهلي تميمي.
...........................
…
وإِذا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ (1)
والجيدُ أَلَاّ يُجازى بِها، كما قال الشاعر (2):
والنَّفْسُ راغِبَةٌ إذا رَغَّبْتَها
…
وإذا تُرَدُّ إلى قَليلٍ تَقْنَعُ (3)». (4)
وهذا أَثَرٌ واضحٌ للشاهد الشعري في الاستشهاد على التركيب الأجود في «إذا» وهو أَلَاّ يُجزم جوابُها إذا كانت للشرطِ كما في بيت أبي ذؤيب. وإن كان الجزم بها إذا تضمنت معنى الشرط واردًا عن العرب كما في بيت عبد قيس البُرجُميِّ. (5)
والقرطبي وهو يحكم على بعض التراكيب بمثل هذه الأحكام ينقل عن النحويين الكبار مثل سيبويه وغيره، وينقل شواهدهم الشعرية التي يستشهدون بها في اختيار الأجود من التراكيب النحوية، كما في قوله عند تفسير قوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83](6) حيث قال: «في «إذا» معنى الشرط، ولا يُجازى بِها وإِنْ زيدت عليها «ما» ، وهي قليلة الاستعمال. قال سيبويه (7): «والجيِّدُ ما قال كعب بن زهير:
وإذا ما تَشاءُ تَبْعَثُ مِنها
…
مَغْرِبَ الشَّمْسِ ناشِطًا مَذْعُورا (8)
يعني أَنَّ الجيدَ لا يُجزمُ بـ «إذا ما» ، كما لم يُجزمْ في هذا البيت». (9) وقد ذكر سيبويه عِلَّةَ ذلك نقلًا عن الخليل فقال:«وسألته - أي الخليل - عن «إذا» ، ما منعهم أن يُجازوا بِها؟ فقال: الفعل في
(1) عجز بيت، صدره:
وَاِستَغنِ ما أَغناكَ رَبُّكَ بِالغِنى
…
...................................
والخَصاصَةُ: الحاجة والفقر، والتجمُّلُ: التجلُّد والصبر.
…
انظر: المفضليات 385.
(2)
هو أبو ذؤيب الهذلي.
(3)
انظر: ديوان الهذليين 1/ 3.
(4)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 338.
(5)
انظر: مغني اللبيب 2/ 48 - 110.
(6)
النساء 83.
(7)
انظر: الكتاب 3/ 62.
(8)
الناشط: الثور، والمذعور: الفَزِعُ. انظر: ديوانه 127.
(9)
الجامع لأحكام القرآن 5/ 291.
«إذا» بِمَنْزِلتهِ في «إذ» ، إذا قلتَ: أَتذكرُ إِذْ تقولُ، فإذا فيما تَستقبلْ بِمنْزِلة إِذ فيما مَضى. ويُبَيِّنُ هذا أَنَّ «إذا» تَجيءُ وقتًا معلومًا». (1) وقد استعان بالشاهد الشعري لتصويب اختياره، وإن كان سيبويه قد استشهد بشواهد من الشعر في المجازاة بها، غَير أَنَّهُ حَمَلَ ذلك على الاضطرار. (2)
ومن الأمثلة عند الزمخشري قوله عند تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28](3): «وقُرئَ: "بالغُدُوةِ" (4)، وبالغداةِ أَجودُ؛ لأنَّ «غُدْوَةً» عَلَمٌ في أكثر الاستعمال، وإدخالُ اللام على تأويل التنكيْرِ كما قال (5):
.......................
…
والزَّيدُ زيد المعارك (6)
ونَحوهُ قَليلٌ في كلامِهِم». (7) وكلام الزمخشري يتعلق بالعَلَمِ الذي يُمكنُ تأويلهُ بواحدٍ مِنْ جِنسهِ، فيُنَكَّرُ لذلك، وتُدخِلُ عليه العربُ «أل» ، كقولهم: مُضرُ الحَمراءُ، ورَبيعةُ الفَرَسِ، والقول بقلة هذا في كلام العرب قَولٌ انفرد به الزمخشريّ فيما عثرتُ عليه. (8)
وقال الزمخشري أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: 112](9): «{عِيسَى} في مَحلِّ النصبِ على إتباعِ حركةِ الابنِ، كقولك: يا زيدَ بنَ عَمرو، وهي اللغةُ الفاشيةُ، ويَجوزُ أن يكون مضمومًا كقولك: يا
(1) الكتاب 3/ 60.
(2)
انظر: الكتاب 3/ 60 - 62.
(3)
الكهف 28.
(4)
قرأَ الجمهور {بالغَداةِ} ، وقرأ ابن عامر وأبو عبد الرحمن السُّلَميُّ وغيرهما {بالغُدْوَةِ}. انظر: السبعة 258، 390، التيسير 143، النشر 2/ 310.
(5)
هو الأخطل التغلبي.
(6)
والبيت بتمامه:
وقدْ كانَ مِنهُمْ حَاجِبٌ وابنُ عَمِّهِ
…
أَبُو جَندلٍ والزَّيدُ زَيْدُ المعاركِ
انظر: ديوانه 242.
(7)
الكشاف 3/ 580 - 581.
(8)
انظر: المفصل للزمخشري 24 - 25، والمقتضب 4/ 48.
(9)
المائدة 112.
زَيدُ بنَ عَمروٍ، والدليل عليه قوله (1):
أَحَارُ بنَ عَمروٍ كأَنِّي خَمِرْ
…
ويَبْدو عَلى المَرْءِ ما يَأْتَمِرْ (2)
لأَنَّ الترخيمَ لا يكونُ إِلَّا في المَضمومِ». (3)
هذه أمثلة متفرقة من كتب التفسير التي تعرضت لها في هذا البحث، تدل على أثر الشاهد الشعري في الحكم بعربية بعض الألفاظ وفصاحتها، وكذلك بعض التراكيب النحوية، وهي أمثلة قليلة موازنة بأثر الشاهد الشعري في غيرها من الجوانب.
* * *
(1) هو امرؤ القيس.
(2)
انظر: ديوانه 154.
(3)
الكشاف 1/ 692.