الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن اللَّغا ورَفَثِ التكلُّمِ». (1)
فأورد الشاهد استشهادًا على معنى آخر غير المعنى الذي ورد في الآية الكريمة، للتفريق بين المعنيين.
الاستشهاد لبيان اشتقاق المفردات
.
من صور الاستشهاد اللغوي بالشعر، الاستشهاد به لبيان اشتقاق لفظة، أو الدلالة على لفظة مشتقة من لفظة أخرى وردت بمعنى آخر في الشِّعرِ، وهذا يعين المفسر على تتبع الدلالة الدقيقة للفظة القرآنية التي يفسرها. ومن أمثلة هذه الصورة في كتب التفسير ما يأتي:
1 -
عند تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة: 71](2) أراد الطبري تفسير معنى (الشِّيَةِ)، وبيانَ أصلِ اشتقاقِها فقال: «يعني بقوله: {لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا} لا لونَ فيها يُخالفُ لونَ جَلدِها، وأَصلُه مِن وَشْي الثوبِ، وهو تَحسينُ عُيوبِه التي تكون فيه، بضروبٍ مختلفةٍ من ألوان سُداهُ ولُحْمَتِه
…
ومنه قيل للساعي بالرَّجُلِ إلى السلطانِ أو غيره: واشٍ؛ لِكَذِبِه عليه عنده، وتَحسينِه كَذِبَهُ بالأباطيلِ. يقال منه: وَشَيْتُ به إلى السلطانِ وِشايةً، ومنه قول كعب بن زهير:
تَسعى الوُشاةُ جَنَابَيها وقَولهُمُ:
…
إِنَّكَ يا ابنَ أبي سُلْمى لَمَقْتولُ (3)
والوشاةُ جَمعُ واشٍ، يعني أنَّهم يتقولون بالأباطيلِ، ويُخبِرونَهُ أنه إِنْ لحقَ بالنبي صلى الله عليه وسلم قَتَلَه». (4)
فقد أبان عن أصل اشتقاق كلمة {شِيَةَ} في الآية، وأن كلمة (الواشي) مشتقة من هذا الأصل اللغوي، الذي هو أحد أصلين لهذه
(1) المحرر الوجيز 2/ 88.
(2)
البقرة 71.
(3)
انظر: ديوانه 89.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 2/ 215.
اللفظة، التي يقول عنها ابنُ فارس: «الواو والشين والحرف المعتل: أصلان. أحدُهما يدل على تحسينِ شيء وتزيينه، والآخرُ على نَماءٍ وزِيادة.
الأول: وَشَيتُ الثوبَ، أَشِيهِ وَشْيًا، ويقولون للذي يكذبُ ويَنِمُّ ويُزخرفُ كلامَه: قد وَشَى، وهو واشٍ.
والأصل الآخر: المرأةُ الواشيةُ: الكثيرةُ الوَلَدِ
…
والوَشْيُ: الكثرةُ». (1)
2 -
وقال الطبري عند تفسيره قوله تعالى: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعراف: 165](2) مبينًا القراءات في قوله {بَئِيسٍ} والوزن الصرفي لها: «وقرأهُ بعضُ الكوفيين (بَيْئِس) (3) بفتح الباء، وتسكين الياء، وهمزة بعدها مكسورة على مثال «فَيْعِل» ، وذلك شاذٌّ عند أهل العربية؛ لأنَّ «فَيْعِل» إذا لم يكن من ذواتِ الياء والواو فالفَتحُ في عَينهِ الفَصيحُ في كلام العربِ، وذلك مثلُ قولهم في نَظيرهِ من السَّالمِ:«صَيْقَل» و «نَيْرَب» ، وإنَّما تُكْسَرُ العينُ من ذلك في ذوات الياء والواو، كقولهم: سَيِّد، ومَيِّت. وقد أنشد بعضُهم قولَ امرئ القيسِ بن عابسٍ الكِنْديِّ:
كِلاهُما كانَ رَئِيْسًا بَيْئِسا
…
يَضْرِبُ في يومِ الهِياجِ القَوْنَسا (4)
بكسرِ العينِ مِنْ «فَيْعِل» وهي الهمزة من «بَيْئِس» ، فلعل الذي قرأَ ذلك كذلكَ قرأَهُ على هذه». (5)
وهذا فيه مع بيان الوزن الصرفي للفظة القرآنية، غرض آخر هو
(1) مقاييس اللغة 6/ 114.
(2)
الأعراف 165.
(3)
هذه قراءة عاصم في رواية نصر بن عاصم وأبي بكر وابن عباس وعيسى بن عمر والأعمش بِخُلْفٍ عنه. انظر: حجة القراءات 300، السبعة 296، الكشف عن وجوه القراءات 1/ 481.
(4)
لم أعثر عليه.
(5)
تفسير الطبري (شاكر) 13/ 200 - 201.