الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدَّهْرُ بالإِنسانِ دَوَّارِيُّ (1)
وقول الآخر:
.............................
…
وَيَعْلَمُ أَنَّ النَّائباتِ تَدُورُ (2)
وقول الآخر:
يَرُدُّ عنكَ القَدَرَ المَقْدُورا
…
ودَائراتِ الدَّهرِ أَنْ تَدُورَا (3)
ويعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الزمانَ قد استدَارَ
…
(4)». (5)
فقد أورد ثلاثة من شواهد الشعر، ثم أتبعها بشاهد من الحديث النبوي، وقد تعددت صيغ موضع الشاهد في الآية «دائرة» ، فوردت في الشواهد الشعرية بصيغة المبالغة «فَعَّال» وهي «دَوَّاريُّ» ، وبصيغة الفعل المضارع «تَدُورُ» ، وبصيغة الجمع «دائراتُ الدَّهرِ» . كما وردت في الحديث النبوي بصيغة الفعل الماضي المزيد «استدار» ، وكلها تتفق في المعنى الأصلي وهو تقلب الزمان، وكثرة حوادثه ونكباته.
3 - إيراد الشواهد الشعرية مع شواهد من كلام العرب:
الصورة الثالثة من صور إيراد الشواهد الشعرية مع غيرها من الشواهد، هي أن ترد مع شواهد من كلام العرب النثري، كالأمثال والعبارات السائرة بين الناس ونحو ذلك من شواهد النثر.
- ومن أمثلة هذه الصورة في إيراد الشواهد عند المفسرين قول ابن عطية: «والقَسَمُ بـ «ـلَعَمْرُكَ» في القُرآنِ، وبـ «لَعَمْريَ» ، ونَحوه في أَشعارِ العربِ، وفصيحِ كلامها في غَيْرِ موضعٍ، كقوله:(6)
(1) انظر: ديوانه 293.
(2)
عجز بيت لم أعرف صدره، ولا قائله.
(3)
لم أقف عليه.
(4)
رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين 3/ 1167 (3025)، وغيره من المواضع.
(5)
المحرر الوجيز 5/ 128 - 129.
(6)
هو النابغة الذبياني.
لَعَمْرِي - ومَا عَمْرِيْ عَليَّ بِهَيّنٍ
…
.............................. (1)
وقول الآخر: (2)
لَعَمْرُ أَبيكَ ما نُسِبَ المُعَلَّى
…
............................. (3)
وكقول الآخر: (4)
لعمرُكَ إِنَّ الموتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى
…
لَكَالطِّوَلِ المُرْخَى وُثُنْيَاهُ باليَدِ (5)
والعَرَبُ تقولُ: «لَعَمْرُ اللهِ» ، ومنه قول الشاعر:(6)
إذا رَضِيَتْ عَليَّ بنو قُشَيْرٍ
…
لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضَاها (7)
وقال الأعشى:
ولَعَمْرُ مَنْ جَعَلَ الشُّهورَ عَلامةً
…
فيها فَبَيَّنَ نِصفَهَا وَكَمَالَهَا (8)
ويروى: وهِلالَهَا». (9)
وقد حرص ابن عطية هنا في إيراده للشواهد أن يأتي بالصيغ التي تضاف إليها لفظة «لَعَمْر» في كلام العرب، فأورد منها الإضافة لكاف المخاطَب «لعمرك» ، وبهذه الصيغة وردت في القرآن مقصودًا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأورد منها إضافتها إلى ياء المتكلم «لَعَمْرِي» ، وإضافتها إلى
(1) صدر بيت، وعجزه:
................................
…
لقدْ نَطَقَتْ بُطْلًا عَليَّ الأَقَارِعُ
انظر: ديوانه 34.
(2)
هو أبو علي البصير.
(3)
صدر بيت، وعجزه:
...............................
…
إِلى كَرَمٍ وفي الدنيَا كَرِيْمُ
انظر: الأمالي للقالي 2/ 287.
(4)
هو طرفة بن العبد.
(5)
انظر: ديوانه 33.
(6)
هو القُحَيْفُ العُقَيليُّ.
(7)
انظر: مجاز القرآن 2/ 84، نوادر أبي زيد 176.
(8)
الرواية الثانية التي ذكرها ابن عطية هي رواية الديوان. انظر: ديوان الأعشى 81.
(9)
المحرر الوجيز 10/ 143.
لفظة الأب «لَعَمْرُ أَبيكَ» ، وإضافتها إلى لفظ الجلالة «لَعَمْرُ اللهِ» ، وإضافتها إلى الله دون لفظ الجلالة «لَعَمْرُ مَنْ جَعَلَ الشهورَ عَلامةً» ، فتعدد الشواهد الشعرية لا يعني التكرار الذي يَخلو من فائدة، بل اشتمل كل شاهد على فائدة ليست في الآخر.
- ومن الأمثلة كذلك قول ابن عطية عند تفسيره قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30](1)، مِنْ أنَّ العرب قد تسْتعِيْرُ البُنُوَّةَ للمُناسبةِ والملازمة بين الأشياء إذا لم يُشْكِلِ ذلك على السامع، وكان أمرُ النَّسْلِ مستحيلًا في حقها:«من ذلك قول عبدالملك بن مروان: «وقد زَبَنَتْنَا الحربُ وَزَبَنَّاهَا، فنحنُ بَنُوهَا وهِيَ أُمُّنَا» (2)، يريدُ المُلازمةَ، ومن ذلك قول حُرَيثِ بن مُحَفِّض (3):
بَنُو المَجْدِ لَمْ تَقْعُد بِهِم أُمَّهَاتُهُمْ
…
وآباؤُهُم أَبناءُ صِدْقٍ فَأَنْجَبوا (4)
ومن ذلك «ابنُ نَعْشٍ» ، و «ابنُ مَاءِ السَّبيلِ» ، ونحو ذلك، ومنه قول الشاعر:
والأَرضُ تَحْمِلُنَا وَكانتْ أُمَّنَا (5)». (6)
فقد مزج ابن عطية في استشهاده هنا بين شواهد الشعر، وكلام العرب النثري الذي حفظ عنهم، دون التزام بترتيب مطرد، والبُنُوَّةُ في هذه الشواهد يقصدُ بِها الملازمةُ للحربِ، وللمَجدِ، وللصِّدقِ؛ لأنَّ التناسلَ فيها مستحيل، ولا يشكل على السامع.
(1) التوبة 30.
(2)
جزء من خطبته بعد قتل مصعب بن الزبير ودخول الكوفة. انظر: الأمالي للقالي 1/ 11.
(3)
هو حُريثُ بن مُحَفِّض التميمي، شاعر إسلامي من شعراء بني أمية. انظر: خزانة الأدب 6/ 32.
(4)
انظر: خزانة الأدب 6/ 34.
(5)
شطر من بيت لم أقف عليه.
(6)
المحرر الوجيز 8/ 164.