الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقفن أحدكم على رجل يضرب ظلماً، فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم تدفعوا عنه، ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلماً، فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم تدفعوا عنه» .
هذا حديث غريب من حديث أسد وعكرمة لم يروه عنه فيما أعلم إلا مندل بن علي الغنوي.
باب ما جاء في شهادة أركان الكافر والمنافق عليهما ولقائهما الله عز وجل
قال الله تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} وقال: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} وقال: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا} الآية.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة من «حديث معاوية بن حيدة القرشي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام وأول ما يتكلم من الإنسان فخذه وكفه» وقد تقدم.
مسلم «عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نضحك فقال: هل تدرون لم أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: من مخاطبة
العبد ربه، يقول يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلا، قال: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطق فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل» .
الترمذي «عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام، والحرث وترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا.
فيقول: اليوم أنساك كما أنسيتني» .
قال هذا حديث صحيح غريب، وأخرجه مسلم عن أبي هريرة بأطول من هذا وقد تقدم.
البخاري «عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملك الأرض ذهباً كنت تفتدى به؟ فيقول: نعم.
فيقال له: قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك» .
وأخرجه مسلم وقال بدل «قد كنت» «كذبت قد سئلت ما هو أيسر من
ذلك» .
فصل: قوله عليه السلام «فأول مايتكلم من الإنسان فخذه» يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك زيادة في الفضيحة والخزي على ما نطق به الكتب في قوله: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} لأنه كان في الدنيا يجاهر بالفواحش ويخلو قلبه عندها من ذكر الله تعالى فلا يفعل ما بفعل خائفاً مشفقاً فيجزيه الله بمجاهرته بفحشه على رؤوس الأشهاد.
والوجه الآخر: أن يكون هذا فيمن يقرأ كتابه ولا يعرف بما ينطق به بل يجحد فيختم الله على فيه عند ذلك، وتنطق منه الجوارح التي لم تكن ناطقة في الدنيا فتشهد عليه سيئاته، وهذا أظهر الوجهين يدل عليه أنهم يقولون لجلودهم أي لفروجهم في قول زيد بن أسلم.
لم شهدتم علينا؟ فتمردوا في الجحود فاستحقوا من الله الفضح والإخزاء.
نعوذ بالله منهما.
فصل: قوله [وتركتك ترأس وتربع] أي ترأس على قومك بأن يكون رئيساً عليهم ويأخذ الربع مما يحصل لهم من الغنائم والكسب، وكانت عادتهم أن أمراءهم كانوا يأخذون من الغنائم الربع ويسمونه المرباع قال شاعرهم:
لك المرباع منها والصفايا
…
وحكمك والنشيطة والفضول
وقال آخر:
منا الذي ربع الجيوش لصلبه
…
عشرون وهو يعد في الأحياء
يقال: ربع الجيش يربعه إذا أخذ ربع الغنيمة.
قال الأصمعي: ربع في الجاهلية وخمس في الإسلام.
وقوله: اليوم أنساك كما نسيتني أي اليوم أتركك في العذاب كما تركت عبادتي ومعرفتي.
فإن قيل: فهل يلقى الكافر ربه ويسأله؟ قلنا: نعم بدليل ما ذكرنا.
وقد قال تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم} في أحد التأويلين وقال: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم} وقال: {أولئك يعرضون على ربهم} وقال {وعرضوا على ربك صفاً} الآيتين.
وقال: {إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم} وقال: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} إلى قوله {وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون} والآي في هذا المعنى كثير.
فإن قيل: قد قال الله تعالى {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} وقال عليه السلام: «ويخرج عنق من النار فيقول: وكلت بثلاث بكل جبار عنيد وكل من جعل مع الله إلهاً آخر وبالمصورين» .
قلنا: هذا يحتمل أن يكون يكون بعد الوزن والحساب وتطاير الكتب في اليمين والشمال وتعظيم الخلق كما تقدم
ويدل عليه قوله: وبالمصورين فإنهم كانوا موحدين فلا بد لهم من سؤال وحساب وبعده يكونون أشد الناس عذاباً، وإن كانوا كافرين مشركين فيكون ذكرهم تكراراً في الكلام على أنا نقول:
قال بعض العلماء: ذكر الله تعالى الحساب جملة وجاءت الأخبار بذلك، وفي بعضها ما يدل على أن كثيراً من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب، فصار الناس إذاً ثلاث فرق: فرقة لايحاسبون أصلاً، وفرقة تحاسب حساباً يسيراً، وهما من المؤمنين، وفرقة تحاسب حساباً شديداً يكون منها مسلم وكافر، وإذا كان من المؤمنين من يكون أدنى إلى رحمة الله فلا يبعد أن يكون من الكفار من هو أدنى إلى غضب الله فيدخله النار بغير حساب.
وقد ذكر ابن المبارك في دقائقه عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أن بعد أخذ النار هؤلاء تنشر الصحف وتوضع الموازين، وتدعى الخلائق للحساب.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} وقال: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} وقال: {ولا يكلمهم الله} وهذا يتناول بعمومه جميع الكفار.
قلنا: القيامة مواطن فموطن يكون فيه سؤال وكلام وموطن لا يكون ذلك فلا يتناقض الآي، والأخبار والله المستعان.
قال عكرمة: القيامة مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها.
وقال ابن عباس: لا يسألون سؤالاً شفا وراحة، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لم عملتم كذا وكذا والقاطع لهذا قوله تعالى: {فوربك
لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون} .
قال أهل التأويل عن لا إله إلا الله: وقد قيل إن الكفار يحاسبون بالكفر بالله الذي كان طول العمر دثارهم وشعارهم وكل دلالة من دلائل الإيمان خالفوها وعاندوها، فإنهم يبكتون عليها ويسألون عنها عن الرسل وتكذيبهم إياهم لقيام الدلائل على صدقهم.
وقال تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء، إنهم لكاذبون * وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون} والآي في هذا المعنى كثيرة، ومن تأمل آخر سورة المؤمنين {فإذا نفخ في الصور} إلى آخرها تبين له الصواب في ذلك والحمد لله على ذلك.
وذكر ابن المبارك، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن بعد أخذ النار هؤلاء الثلاثة: تنشر الصحف وتوضع الموازين ويدعى الخلائق للحساب.
وشهر: ضغفه مسلم في كتابه وغيره.
فإن قيل: فقد ذكر اللالكائي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا يحاسب رجل يوم
القيامة إلا دخل الجنة قالوا: ولأن الحساب إنما يراد للثواب والجزاء ولا حسنات للكافر فيجازي عليها بحسابه ولأن المحاسب له هو الله تعالى، وقد قال:{ولا يكلمهم الله يوم القيامة} .
قلنا: ما روي عن عائشة قد خالفها غيرها في ذلك للآيات والأحاديث الواردة في ذلك وهو الصحيح، ومعنى [لا يكلمهم الله] أي بما يحبونه، قال الطبري: وفي التنزيل {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} وقد قيل إن معنى قوله تعالى: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} {لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} سؤال التعرف لتمييز المؤمنين من الكافرين.
أي أن الملائكة لا تحتاج أن تسأل أحداً يوم القيامة أن يقال ما كان دينك وما كنت تصنع في الدنيا حتى يتبين لهم بإخباره عن نفسه أنه مان مؤمناً أو كان كافراً.
لكن المؤمنين يكونون ناضري الوجوه منشرحي الصدور، ويكون المشركون سود الوجوه زرقاً مكروبين، فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار وتميزهم في الموقف كفتهم مناظرهم عن تعرف أديانهم، ومن قال هذا فيحتمل أن يقول إن الأمر يوم القيامة يكون بخلاف ما هو كائن قبله على ما