الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه ونزعوا عنه ثيابه على أعين الناس كما يفعل بمن يراد قتله، وكان ما أصابه من ذلك في ذات الله عز وجل فلما صبر واحتسب وتوكل على الله تعال دفع الله عنه شر النار في الدنيا والآخرة، وجزاه بذلك العرى أن جعله أول من يدفع عنه العرى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وهذا أحسنها، والله أعلم.
وإذا بدئ في الكسوة بإبراهيم وثنى بمحمد صلى الله عليه وسلم أوتي محمد بحلة لا يقوم لها البشر لينجبر التأخير بنفاسة الكسوة، فيكون كأنه كسي مع إبراهيم عليهما السلام
قاله الحليمي.
وقوله «تجدون على أفواهكم الفدام» ، الفدام: مصفاة الكوز والإبريق قاله الليث.
قال أبو عبيد يعني أنهم منعوا الكلام حتى تتكلم أفخاذهم فشبه ذلك بالفدام الذي يجعل على الإبريق.
قال سفيان: وفدامهم أن يؤخذ على ألسنتهم وهذا مثل.
باب منه وبيان قوله تعالى: " لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
"
باب منه وبيان قوله تعالى: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
مسلم عن «عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً.
قلت يا رسول الله: الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» .
الترمذي «عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تحشرون حفاة عراة غرلاً فقالت امرأة: أيبصر بعضنا أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» قال حديث حسن صحيح.
فصل: قلت: هذا الباب والذي قبله يدل على أن الناس يحشرون حفاة عراة غرلاً أي غير مخنوتين كما بدأنا أول خلق نعيده.
قال العلماء: يحشر العبد غداً وله من الأعضاء ما كان له يوم ولد، فمن قطع منه عشو يرد في القيامة عليه حتى الختان.
وقد عارض هذا الباب ما روى أبو داود في سننه، «عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي دفن فيها» .
قال ابو عمر بن عبد البر: وقد احتج بهذا الحديث من قال: إن الموتى يبعثون جملة على هيئاتهم.
وحمله الأكثر من العلماء على الشهيد الذي أمر أن يزمل في ثيابه ويدفن فيها ولا يغسل عنه دمه ولا يغير عليه شيء من حاله بدليل حديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما.
قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد فتأوله على العموم، والله أعلم.
قلت: ومما يدل على قول الجماعة مما يواقف حديث عائشة وابن عباس قوله الحق: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} وقوله: {كما بدأكم تعودون} ولأن الملابس في الدنيا أموال ولا مال في الآخرة زالت الأملاك بالموت وبقيت الأموال في الدنيا وكل نفس يومئذ، فإنما يقيها المكاره ما وجب لها بحسن عملها أو رحمة ميتدأة من الله عليها.
فأما الملابس فلا غنى فيها يومئذ إلا ما كان من لباس الجنة على ما تقدم في الباب قبل.
وذهب أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة إلى «حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بالغوا في أكفان موتاكم فإن أمتي تحشر بأكفانها وسائر الأمم عراة» ورواه أبو سفيان مسنداً.
قال المؤلف رحمه الله: وهذا الحديث لم أقف عليه.
والله أعلم بصحته، وإن صح فيكون معناه فإن أمتي الشهداء تحشر بأكفانها حتى لا تتناقض الأخبار والله أعلم.
ولا يعارض هذا الباب ما تقدم أول الكتاب من أن الموتى يتزاورون في قبورهم بأكفانهم، فإن ذلك يكون في البرزخ، فإذا قاموا من قبورهم خرجوا عراة ما عدا الشهداء، والله أعلم.