الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء أن الملاحم إذا وقعت بعث الله جيشاً يؤيد به الدين
ابن ماجه، «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعت الملاحم بعث الله جيشاً من الموالي هم أكرم العرب فرساناً وأجوده سلاحاً يؤيد الله بهم الدين» .
باب ما جاء في المدينة ومكة وخرابهما
مسلم «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبلغ المساكن أهاب أو يهاب» قال زهير: قلت لسهيل فكم ذاك من المدينة؟ قال كذا وكذا ميلاً.
أبو داود «عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح» قال الزهري: وسلاح قريب من خيبر.
قلت: المسالح: المطالع ويقال القوم مستعد بهم في المراصد ويرتبون لذلك، وسموا بذلك لحملهم السلاح، وقال الجوهري: والمسلحة كالثغر والمرقب.
وفي الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب
قال بشر:
بكل قياد مسنفة عنود
…
أضر بها المسالح والفرار
القياد: حبل تقاد به الدابة.
والمسنف: المتقدم.
يقال: أسنف الفرس أي تقدم الخيل، فإذا سمعت في الشعر مسنفة بكسر النون، فهي من هذا وهي الفرس التي تتقدم الخيل في سيرها، والعنود: من عند الطريق يعند بالضم عنوداً أي عدل فهم عنود، والعنود أيضاً من النوق التي ترعى ناحية، والجمع عند.
ومنه قوله تعالى: {إنه كان لآياتنا عنيداً} أي مجانياً للحق معانداً له معرضاً عنه.
يقال عند الرجل إذا عتا وجاوز قدره.
«وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة: ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي يعني السباع والطير» وعن «حذيفة قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى
يوم القيامة فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة» .
وذكر أبو زيد عمر بن شبه في كتاب المدينة على ساكنها الصلاة والسلام عن أبي هريرة قال: ليخرجن أهل المدينة خير ما كانت.
نصفها زهو ونصفها رطب قيل ومن يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال: أمراء السوء.
قال أبوزيد، «وحدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير، عن جابر أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج أهل المدينة منها ثم يعودون إليها إليها فيعمرونها حتى تمتلىء ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبداً» .
وخرج «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليخرجن أهل المدينة ثم ليعودون إليها، ثم ليخرجن منها ثم لا يعودون إليها أبداً، وليدعنها وهي خير ما تكون مونقة.
قبل فمن يأكلها؟ قال الطير والسباع» .
وخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والذي نفسي بيده لتكونن بالمدينة
ملحمة يقال لها الحالقة لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين فاخرجوا من المدينة ولو على قدر بريد.
وعن الشيباني قال: لتخربن المدينة والبنود قائمة.
البنود جمع بند وهو العلم الكبير قاله في النهاية.
قال مسلم، «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: يخرب الكعبة ذو السويقتين رجل من الحبشة» .
البخاري «عن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً» الفحج: تباعد ما بين الفخذين.
وفي حديث «حذيفة الطويل عنه صلى الله عليه وسلم: كأني بحبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن، وأصحابه ينقضونها حجراً حجراً ويتناولنها حتى يرموا بها إلى البحر يعني الكعبة» ذكره أبو الفرج بن الجوزي وهو حديث فيه طول، وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام في حديث علي عليه السلام استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصعل أصمع أحمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم.
قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن حفصة، عن أبي العالية، عن علي
قال الأصمعي قوله أصعل هكذا يروى، فأما كلام العرب فهو صعل بغير ألف وهو الصغير الرأس الحبشة كلهم قال، والأصمع الصغير الأذن يقال منه رجل أصمع وامرأة صمعاء وكذلك غير الناس.
ذكر الحليمي فيما ذكر أنه يكون في زمن عيسى عليه السلام، وأن الصريخ يأتيه بأن ذا السويقتين الحبشي قد سار إلى البيت لهدمه، فيبعث إليه عيسى عليه السلام طائفة من الناس ما بين الثمان إلى التسع.
وذكر أبو حامد في كتاب مناسك الحج له وغيره، ويقال: لا تغرب الشمس يوماً إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدل، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به واحد من الأوتاد، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة ليس فيها أثر، وهذا إذا أتى عليها
سبع سنين لم يحجها أحد، ثم يرتفع القرآن من المصاحف فيتصبح الناس فإذا الورق أبيض يلوح ليس فيه حرف، ثم ينسخ القرآن من القلوب فلا يذكر منه كلمة واحدة، ثم ترجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية، ثم يخرج الدجال وينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقتل الدجال والساعة عند ذلك بمنزلة الحامل المقرب تتوقع ولادتها.
وفي الخبر استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يرفع فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة.
قال المؤلف رحمه الله وقيل: إن خرابه يكون بعد رفع القرآن من صدور الناس ومن المصاحف، وذلك بعد موت عيسى عليه السلام وهو الصحيح في ذلك على ما يأتي بيانه.
فصل: ثبت في الصحيح الدعاء للمدينة والحث على سكناها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمن يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم كانوا يعلمون، والذي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه إلا أن المدينة كالكير تخرج الخبث.
لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد» رواه أبو هريرة وخرجه مسلم.
ونحوه عن
أبي هريرة رضي الله عنه ومثل هذا كثير وهو خلاف ما تقدم، وإذا كان هذا فظاهره التعارض وليس كذلك، فإن الحض على سكناها ربما كان عند فتح الأمصار ووجود الخيرات بها، كما جاء في حديث «سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يعيشون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» رواه الأئمة واللفظ لمسلم فحض صلى الله عليه وسلم على سكناها حين أخبر بانتقال الناس عنها عند فتح الأمصار، لأنها مستقر الوحي وفيها مجاورته، ففي حياته صحبته ورؤية وجهه الكريم وبعد وفاته مجاورة حدثه الشريف ومشاهدة آثاره العظيمة، ولهذا قال:«لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت شفيعاً أو شهيداً له يوم القيامة» .
فصل:
وأما قوله: «من أراد أهل المدينة بسوء» فذلك محمول على زمانه وحياته، كما في الحديث الآخر «لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه» وقد خرج منها بعد موته صلى الله عليه وسلم من الصحابة من لم يعوضها الله خيراً منه، فدل على أن ذلك محمول على حياته، فإن الله تعالى كان يعوض أبداً رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً ممن رغب عنه وهذا واضح، ويحتمل أن يكون قوله: أذابه الله كناية عن إهلاكه في الدنيا قبل موته، وقد فعل الله ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله عند مصرفه عنها إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير.
بلاه الله بالماء الأصفر في بطنه فمات بقديد بعد الوقعة بثلاث.
وقال الطبري مات بهرشي وذلك بعد الوقعةبيثلاث ليال، وهرشي جبل من بلاد تهامة على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة، وكإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغرائه أهل المدينة حرم النبي المختار وقتله بها بقايا المهاجرين والأنصار، فمات بعد هذه الوقعة وإحراق الكعبة بأقل من ثلاثة أشهر، ولأنه توفي بالذبحة وذات الجنب في نصف ربيع الأول بحوارين من قرى حمص، وحمل إلى دمشق وصلى عليه ابنه خالد.
وقال المسعودي: صلى عليه ابنه معاوية ودفن في
مقبرة باب الصغير، وقد بلغ سبعاً وثلاثين سنة فكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوماً.
فصل:
وأما قوله: «تتركون المدينة» حدثنا المخاطب فمرداه غير المخاطبين، لكن نوعهم من أهل المدينة أو نسلهم وعلى خير ما كانت عليه فيما قبل، وقد وجد هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنها صارت بعده صلى الله عليه وسلم معدن الخلافة وموضعها، ومقصد الناس وملجأهم معلقهم حتى تنافس الناس فيها وتوسعوا في خططها وغرسوا وسكنوا منها ما لم يسكن قبل، وبنوا فيها وسيدوا حتى بلغت المساكن أهاب، فلما انتهت حالها كمالاً وحسناً تناقص أمرها إلى أن أقفرت جهاتها بتغلب الأعراب عليها وتوالي الفتن فيها، فخاف أهلها وارتحلوا عنها وصارت الخلافة بالشام، ووجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزي في جيش عظيم من أهل الشام، فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم وقتلهم بحرة المدينة قتلاً ذريعاً واستباح المدينة ثلاثة أيام، فسميت وقعة الحرة لذلك، وفيه يقول الشاعر:
فإن تقتلونا يوم حرة واقم
…
فإنا على الإسلام أول من قتل
وكانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا لذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ويقال لها حرة زهرة، وكانت الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبع مائة، وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها من حملة القرآن سبعمائة رجل من قريش، وسبعة وتسعون قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً.
وقال الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم في المرتبة الرابعة وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالت وراثت بين القبر والمنبر أدام الله تشريفها، وأكره الناس على أن يبايعوا ليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق، وذكر له يزيد بن عبد الله بن زمعة البيعة على حكم القرآن والسنة، فأمر بقتله فضربت عنقه صبراً.
وذكر الأخباريون أنها خلت من أهلها وبقيت ثمارها لعوافي الطير والسباع كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم تراجع الناس إليها وفي حال خلوها غدت الكلاب على سواري المسجد، والله أعلم.
وذكر أبو زيد عمر بن شبة قال: حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد أنه قرأ كتاباً بالكعبة: ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم أمر يفزعهم حتى يتركوها وهي مذللة، وحتى تبول السنانير على قطائف الخز ما يروعها شيء، وحتى تخرق الثعالب في أسواقها ما يروعها شيء،
وأما قوله في الراعيين حتى إذا بلغا ثنية المداع خرا على وجهيهما فقيل سقطا ميتين.
قال علماؤنا: وهذا إنما يكون في آخر الزمان وعند انقراض الدنيا بدليل ما قال البخاري في هذا الحديث: آخر من يحشر راعيان من مزينة.
قيل: معناه آخر من يموت فيحشر، لأن الحشر بعد الموت، ويحتمل أن يتأخر حشرها لتأخر موتهما.
قال الداودي أبو جعفر أحمد بن نصر في شرح البخاري له: وقوله الراعيين ينعقان بغنمهما يعني يطلبان الكلأ.
وقوله: وحشا يعني خالية، وقوله ثنية الوداع يعني موضعاً قريباً من المدينة مما يلي مكة.
وقوله: خرا على وجهيهما يعني أخذتهما الصعقة حين النفخة الأولى وهو الموت.
وقوله: آخر من يحشر يعني أنهما بأقصى المدينة فيكونان في أثر من يبعث منها ليس أن بعض الناس يخرج بعد بعض من الأجداث إلا بالشيء المتقارب يقول الله تعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدةً فإذا هم جميع لدينا محضرون} .
وقوله النبي صلى الله عليه وسلم «يصعق الناس فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو كان من الذين استثنى الله» .
وقال شيخنا أبو العباس القرطبي: ويحتمل أن يكون معناه آخر من يحشر إلى المدينة أي يساق إليها، كما في كتاب مسلم رحمه الله تعالى.
قال المؤلف رحمه الله: وقد ذكر ابن شبة خلاف هذا كله، فذكر عن حذيفة بن أسيد قال: آخر الناس يحشر رجلان من مزينة يفقدان الناس، فيقول أحدهما لصاحبه: قد فقدنا الناس منذ حين انطلق بنا إلى شخص بني فلان،