الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصيف يبس، واسمه إذا كان عليه ورقة شبرق، وإذا تساقط ورقه فهو الضريع، فالإبل تأكله أخضر، فإذا يبس لم تذقه، وقيل: هو حجارة، وقيل الزقوم واد في جهنم.
وقال المفسرون: إن شجرة الزقوم أصلها في الباب السادس وأنها تحيا بلهب النار كما تحيا الشجرة ببرد الماء، فلا بد لأهل النار من أن يتحدر إليها من كان فوقها فيأكلون منها.
وقال أبو عمران الجوني في قوله تعالى {إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون} قال بلغنا أن ابن آدم لا ينهش منها نهشة إلا نهشت منه مثلها.
والمهل ما كان ذائباً من الفضة والنحاس، وقيل المهل عكر الزيت الشديد السواد، وقوله تعالى {يغلي في البطون * كغلي الحميم} يعني الماء الشديد الحر.
باب منه وما جاء أن أهل النار يجوعون ويعطشون وفي دعائهم وإجابتهم
قال الله تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} الآية.
البيهقي عن محمد بن كعب القرظي قال: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله في أربع، فإذا كان في الخامسة لا يتكلمون بعدها أبداً، يقولون:{ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} .
قال: فيجيبهم الله تعالى {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم، وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} .
ثم يقولون: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون} فيجيبهم الله تعالى: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم، وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} .
ثم يقولون: {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} ، فيجيبهم الله تعالى {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} .
ثم يقولون: {ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل} فيجيبهم الله تعالى: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} .
ثم يقولون: {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين} فيجيبهم {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} فلا يتكلمون بعدها أبداً.
وخرجه ابن المبارك بأطول من هذا فقال: أخبرنا الحكم بن عمر بن ليلى، حدثني عامر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني ـ أو ذكر لي ـ أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله تعالى:{وقال الذين في النار لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب} ، فسألوا يوماً واحداً يخفف عنهم فيه العذاب فردت عليهم الخزنة:{أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} ؟ .
فيقولون: بلى، فردت عليهم الخزنة:{فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} .
قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكاً ـ وهو عليهم.
وله مجلس في وسطها وجسور تمر عليهم ملائكة
العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها ـ فقالوا:{يا مالك ليقض علينا ربك} .
قال: اسألوا الموت، فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة.
قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يوماً، واليوم {كألف سنة مما تعدون} .
ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: {إنكم ماكثون} .
فلما سمعوا منه ما سمعوا وأيسوا مما قبله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا:{سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} أي من منجى.
قال: فقام إبليس عند ذلك فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم} يقول: بمغن عنكم شيئاً {وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} .
قال: فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال فنادوا {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} إلى قوله:{فهل إلى خروج من سبيل} .
قال: فرد عليهم ذلك بأنه {إذا دعي الله وحده كفرتم، وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} .
قال: فهذه واحدة: فنادوا الثانية {فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون} .
قال: فيرد عليهم {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} .
يقول: لو شئت لهديت الناس جميعاً فلم يختلف منهم أحد {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} .
قال: فهذه اثنتان، فنادوا الثالثة:{ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} .
فيرد عليهم: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما
لكم من زوال * وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} إلى قوله تعالى: {الجبال} .
قال: فهذه الثلاثة قال: ثم نادوا الرابعة: {ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل} .
قال فيجيبهم: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} .
ثم مكث عنهم ما شاء الله.
ثم ناداهم: {ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} ؟ .
قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرضى ربنا، فقالوا عند ذلك:{ربنا غلبت علينا شقوتنا} ـ أي: الكتاب الذي كتب علينا ـ {وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} فقال عند ذلك: {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} فانقطع عند ذلك الرجاء والدعاء {وأقبل بعضهم على بعض} ينبح بعضهم في وجه بعض وأطبقت عليهم.
قال: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه لما ذكر له أن ذلك قوله تعالى {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} .
قال ابن المبارك: وحدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: فذكره عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص: إن أهل جهنم يدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً ثم يرد عليهم: {إنكم ماكثون} .
قال: هانت والله دعوتهم على مالك، ورب مالك.
قال: ثم يدعون ربهم.
قال فيقولون {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} .
قال فسكت عنهم قدر
الدنيا مرتين.
قال ثم يرد عليهم: {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} .
قال: فو الله ما نبس القوم بعدها بكلمة، وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم، فشبه أصواتهم بصوت الحمير.
أولها زفير وآخرها شهيق، ومعنى ما نبس ما تكلم.
قال الجوهري: يقال ما نبس بكلمة، أي ما تكلم.
وما نبس بالتشديد أيضاً، وقال الراجز:
إن كنت غير هلك فنبس
قال الأعمش: ثبت أن بين
دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام، قال فيقولون ادعو ربكم، فلا أحد خير من ربكم، قال فيقولون:{ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} قال فيجيبهم: {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} .
قال: فعند ذلك يئسوا من كل خير، وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل.
رفعه قطبة بن عبد العزيز، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر، وهو ثقة عند أهل الحديث، والناس يوقفونه على أبي الدرداء.
«وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وهم فيها كالحون} قال: تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته.
ولسرادق النار أربعة جدر، كثف كل جدار مسيرة أربعين سنة، ولو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا» .
قال: هذا حديث صحيح غريب.
قال أبو عيسى: هذا حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد، ورشدين قد تكلم فيه من جهة حفظه.
قلت: وقع في هذا الحديث فروة وجهه وهو شاذ، إنما يقال: فروة رأسه أي جلدته، هذا هو المشهور عند أهل اللغة، وكذا جاء في حديث أبي أمامة.
قال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
«وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} .
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
خرجه ابن ماجه أيضاً.