الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كل أحوالك من فعلك ومقالك وأعظم الشهود لديك المطلع عليك الذي لا تخفى عليه خافية عين ولا يغيب عنه زمان ولا أين.
قال الله تعالى {لا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه} فاعمل عمل من يعلم أنه راجع إليه وفادم عليه يجازي على الصغير والكبير والقليل والكثير.
سبحانه لا إله إلا هو.
باب لا يشهد العبد على شهادة في الدنيا إلا شهد بها يوم القيامة
ابن المبارك قال: أخبرنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد ابن أبي هلال، عن سليمان بن راشد أنه بلغه أن امرأً لا يشهد على شهادة في الدنيا إلا شهد بها يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، ولا يمتدح عبداً في الدنيا إلا امتدحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
قلت: هذا صحيح، يدل على صحته من الكتاب قول الحق {ستكتب شهادتهم ويسألون} .
وقوله: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} والله أعلم.
باب ما جاء في سؤال الأنبياء وفي شهادة هذه الأمة للأنبياء على أممهم
قال الله تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} ، وقال: {فوربك لنسألنهم
أجمعين} .
فيبدأ بالأنبياء عليهم السلام {فيقول: ماذا أجبتم} قيل: في تفسيرها كانوا قد علموا ولكن ذهبت عقولهم وعزبت أفهامهم ونسوا من شدة الهول وعظيم الخطب وصعوبة الأمر فقالوا: {لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب} ثم يقربهم الله تعالى فيدعى نوح عليه السلام، ويقال: إن الهيبة تأخذ بمجامع قلوبهم فيذهلون عن الجواب.
ثم إن الله يثبتهم ويحدث لهم ذكراً فيشهدون بما أجابت به أممهم ويقال إنما قالوا ذلك تسليماً كما فعل المسيح في قوله {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب} .
والأول أصح لأن الرسل يتفاضلون، والمسيح من أجلهم لأنه كلمة الله وروحه، قاله أبو حامد.
وخرج ابن ماجه، حدثنا أبو كريب وأحمد بن سنان قالا: «حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك
فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم.
فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: لا فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه.
قال فذلك قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} » .
أخرجه ابن المبارك في رقائقه مرسلاً بأطول من هذا فقال: «أخبرني رشدين ابن سعد قال: أخبرني ابن أنعم المغافري عن حبان بن أبي جبلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل عليه السلام، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم قد بلغت جبريل فيدعى جبريل عليه السلام فيقول: هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم يا رب قد بلغني، فيخلي عن إسرافيل، ويقال لجبريل هل بلغت عهدي؟ فيقول جبريل: نعم قد بلغت الرسل فيدعي الرسل فيقول: هل بلغكم جبريل عهدي؟
فيقولون: نعم.
فيخلي عن جبريل، ثم يقال للرسل هل بلغكم عهدي؟ فيقولون: قد بلغنا أممنا، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمنهم المصدق ومنهم المكذب فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهوداً يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك فيقول: من يشهد لكم؟ فيقولون محمد وأمته فتدعى أمة محمد فيقول: تشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم، رب شهدنا أن قد بلغوا، فتقول تلك الأمم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب: كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك وقصصك علينا إنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا، فيقول الرب: صدقوا.
فذلك قوله عز وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} ، والوسط العدل {لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيد} » قال ابن أنعم: فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد إلا من كان في قلبه حنة على أخيه.
قلت: وذكر هذا الخبر أبو محمد في كتاب العاقبة له، فذكر بعد قوله: والوسط العدل، ثم يدعى غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ثم ينادي كل إنسان باسمه واحداً واحداً ويسألون واحداً واحداً، وتعرض أعمالهم على رب العزة جل جلاله قليلها وكثيرها حسنها وقبيحها.
قال المؤلف: وذكر أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة أن هذا يكون بعد ما يحكم الله تعالى بين البهائم ويقتص للجماء من القرناء ويفصل بين الوحش والطير، ثم يقول لهم: كونوا تراباً فتسوى بهم الأرض وحينئذ {يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض} ويتمنى الكافر فيقول: {يا ليتني كنت تراباً} .
ثم يخرج النداء من قبل الله تعالى: أين اللوح المحفوظ؟ فيؤتى به له هرج عظيم، فيقول الله تعالى: أين ما سطرت فيك من توارة وزبور وإنجيل وفرقان؟ فيقول: يارب نقله مني الروح الأمين فيؤتى به يرعد وتصك ركبتاه، فيقول الله تعالى: يا جبريل هذا اللوح المحفوظ يزعم أنك نقلت منه كلامي ووحيى أصدق؟ قال: نعم يا رب.
قال: فما فعلت فيه؟ قال: أنهيت التوراة إلى موسى، وأنهيت الزبور إلى داود وأنهيت الإنجيل إلى عيسى، وأنهيت الفرقان إلى محمد عليه السلام، وأنهيت إلى كل رسول رسالته وإلى أهل الصحف صحائفهم، فإذا بالنداء يا نوح فيؤتى به يرعد وتصطك فرائصه فيقول: يانوح زعم جبريل أنك من المرسلين ، قال: صدق، فقيل له: ما فعلت مع قومك؟ قال دعوتهم ليلاً نهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، فإذا بالنداء يا قوم نوح فيؤتى بهم زمرة واحدة.
فيقال: هذا أخوكم نوح يزعم أنه بلغكم الرسالة.
فيقولون: يا ربنا كذب ما بلغنا من شيء وينكرون الرسالة، فيقول الله: يا نوح ألك بينة؟ فيقول: نعم يا رب بينتي عليهم محمد وأمته، فيقولون: كيف ونحن أول الأمم وهم آخر الأمم؟ فيؤتى بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول يا محمد هذا نوح يستشهد فيشهد له تبليغ الرسالة فيقرأ صلى الله عليه وسلم {إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه} إلى آخر السورة، فيقول الجليل جل جلاله: قد وجب عليكم الحق وحقت كلمة العذاب على الكافرين فيؤمر بهم زمرة واحدة إلى النار من غير وزن عمل ولا حساب،
ثم ينادي: أين هود؟ فيفعل قوم هود مع هود كما فعل قوم نوح مع نوح فيستشهد عليهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وخيار أمته فيتلو {كذبت عاد المرسلين} فيؤمر بهم إلى النار مثل أمة نوح، ثم ينادي: يا صالح ويا ثمود فيأتون فيستشهد صالح عندما ينكرون فيتلوا النبي صلى الله عليه وسلم {كذبت ثمود المرسلين} إلى آخر القصة فيفعل بهم مثلهم ولا يزال يخرج أمة بعد أمة قد أخبر عنهم القرآن بياناً وذكرهم فيه إشارة كقوله تعالى {وقروناً بين ذلك كثيراً} وقوله {ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها} وقوله {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات} وفي ذلك تنبيه على أولئك القرون الطاغية كقوم تارخ وتارح ودوحاو أسرا وما أشبه ذلك حتى ينتهي النداء إلى أصحاب الرس وتبع وقوم إبراهيم، وفي كل ذلك لا يرفع لهم ميزان ولا يوضع لهم حساب وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون، والترجمان يكلمهم لأن الرب تعالى من نظر إليه وكلمه لم يعذبه، ثم ينادي بموسى ابن عمران فيأتي وهو كأنه ورقة في ريح عاصف قد اصفر لونه واصطكت ركبتاه فيقول له: يا ابن عمران جبريل يزعم أنه بلغك الرسالة والتوراة فتشهد له بالبلاغ؟ قال: نعم: قال فارجع إلى منبرك واتل ما أوحى إليك من ربك فيرقى المنبر، ثم يقرأ فينصت له كل من في الموقف فيأتي بالتوراة غضة طرية على حسنها يوم أنزلت حتى تتوهم الأحبار أنهم ما عرفوها يوماً ثم ينادي يا داود فيأتي وهو يرعد وكأنه ورقة في ريح عاصف تصطك ركبتاه فيصفر لونه، فيقول الله جل ثناؤه يا داود: زعم جبريل أنه بلغك الزبور فتشهد له البلاغ؟ فيقول: نعم يا رب فيقال له: ارجع إلى منبرك واتل ما أوحى إليك.
فيرقى ثم يقرأ وهو حسن الناس صوتاً.
وفي الصحيح أنه صاحب المزامير.
ثم ينادي المنادي أين عيسى بن مريم؟ فيؤتى به على باب المرسلين فيقول: {أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} ثم يحمد تحميداً ما شاء الله تعالى ويثنى عليه كثيراً ثم يعطف على نفسه بالذم والاحتقار ويقول {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب} ، فيضحك الله ويقول {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} يا عيسى ارجع إلى منبرك واتل الإنجيل الذي بلغك جبريل، فيقول: نعم ثم يرقى ويقرأ فتشخص إليه الرؤوس لحسن ترديده وترجيعه فإنه أحكم الناس به رواية فيأتي به غضاً طرياً حتى يظن الرهبان أنهم ما عملوا به قط، ثم ينقسم قومه فرقتين المجرمون مع المجرمين والمؤمنون مع المؤمنين.
ثم يخرج النداء أين محمد؟ فيؤتى به صلى الله عليه وسلم فيقول يا محمد هذا جبريل يزعم أنه بلغك القرآن، فيقول: نعم يا رب فيقال له ارجع إلى منبرك واقرأ فيتلوا صلى الله عليه وسلم القرآن فيأتي به غضاً طريا له حلاوة وعليه طلاوة ويستبشر به المتقون وإذا وجوههم ضاحكة مستبشرة والمجرمون وجوههم مغبرة مقترة فإذا تلا النبي القرآن توهمت الأمة أنهم ما سمعوه قط.
وقد قيل للأصمعي تزعم أنك أحفظهم لكتاب الله قال: يا ابن أخي يوم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني ما سمعته، فإذا فرغت قراءة الكتب خرج النداء من قبل سرداقات الجلال:{وامتازوا اليوم أيها المجرمون} فيرتج الموقف ويقوم فيه روع عظيم