الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جوانبها من الخارج، ولو كان ذلك ما كان مثلاً صحيحاً وإنما هي من داخل وهذه صورتها:
الجنة النار
الصبر الألم الجاه المال النساء
المكاره الغزو
وعن هذا قال ابن مسعود: حفت الجنة بالمكاره، والنار حفت بالشهوات فمن اطلع الحجاب فقد واقع ما وراء، وكل من تصورها من خارج فقد ضل عن معنى الحديث وعن حقيقة الحال.
فإن قيل: فقد حجبت النار بالشهوات.
قلنا: المعنى واحد لأن الأعمى عن التقوى: الذي أخذت سمعه وبصره الشهوات يراها ولا يرى النار التي هي فيها، وإن كانت باستيلاء الجهالة ورين الغفلة على قلبه كالطائر يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة عنه ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها، وجهله بما جعلت فيه وحجبت.
باب احتجاج الجنة والنار وصفة أهلهما
البخاري «عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجت الجنة والنار فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون.
وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء.
وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها» .
خرجه مسلم والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
فصل: قال الحاكم أو عبد الله في علوم الحديث: سئل محمد خزيمة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم تحاجت النار والجنة فقالت هذه: يدخلني الضعفاء من الضعيف قال الذي يبرىء نفسه من الحول والقوة.
يعني في اليوم عشرين مرة أو خمسين مرة.
قال المؤلف: ومثل هذا لا يقال من جهة الرأي فهو مرفوع، والله أعلم
وأما المساكين: فالمراد بهم المتواضعون وهم المشار إليهم في قوله عليه السلام: «اللهم أحييني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين» .
ولقد أحسن من قال:
إذا أردت شريف الناس كلهم
…
فانظر إلى ملك في زي مسكين
ذاك الذي عظمت في الله رغبته
…
وذاك يصلح للدنيا وللدين
ومعنى «تحاجت الجنة والنار» أي حاجت كل واحدة صاحبتها وخاصمتها وسيأتي بيانه عند قوله عليه السلام: «اشتكت النار إلى ربها» .
باب منه في صفة أهل الجنة وأهل النار وفي شرار الناس من هم؟
مسلم «عن عياض بن عمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
يوماً في خطبته: أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف ضعيف متضعف ذو عيال.
قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانة، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل والكذب والشنظير الفحاش» .
وفي رواية: «زنيم متكبر» .
خرجه ابن ماجه أيضاً.
«أبو داود عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري» قال: الجواظ: الغليظ الفظ.
«وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل النار إلا
شقي.
قيل يا رسول الله ومن الشقي؟ قال: من لم يعمل لله بطاعته ولم يترك له معصية» .
مسلم «عن أنس قال: مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثنى عليها شراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت.
فقال عمر: فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خيراً فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شراً فقلت: وجبت وجبت وجبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض» قالها ثلاثاً.
وقالت عائشة رضي الله عنها: الجنة دار الأسخياء، والنار دار البخلاء.
وقال زيد بن أسلم: أمرك الله تعالى أن تكون كريماً فيدخلك الجنة، ونهاك أن تكون بخيلاً فيدخلك النار.
وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث محمد بن كعب القرظي، «عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون اكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: من أكل وحده ومنع رفده وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من يبغض الناس ويبغضونه.
قال: أفأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفرذنباً.
قال: أفأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره، إن عيسى بن مريم قائم في بني إسرائيل خطيباً فقال: يا بني أسرائيل لا تتكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموها وقال: مرة فتظلموهم ولا تظلموا ظالماً.
ولا تكافئوا طالماً فيبطل فضلكم عند ربكم يا بني إسرائيل الأمر ثلاث: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله عز وجل» .
قال أبو نعيم وهذا الحديث لا يحفظ بهذا السياق عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس.
فصل: قوله: ذو سلطان مقسط وما بعده مرفوع على أنها صفات لذو وهي بمعن صاحب.
والمقسط: العادل، والمتصدق: المعطي الصدقات،
والموفق: المسدد لفعل الخيرات.
ورفيق القلب: لينه عند التذكرة والموعظة، ويصلح أن يكون بمعنى الشفيق.
وقوله: «ضعيف متضعف» يعني ضعيف في أمور الدنيا قوي في أمر دينه كما قال عليه السلام: «المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» الحديث خرجه مسلم.
أما من كان ضعيفاً في أمور دينه لا يعني بها فمذموم، وذلك من صفات أهل النار كما قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له أي لا عقل له ومن لا عقل له ينفك به عن المفاسد ولا ينزجر به عنها، فحسبك به ضعفاً وخسارة في الدين وقد قيل في الزبير: إنه المال وليس بشيء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بقوله الذين هم فيكم تبع لا يتبعون أهلاً ولامالاً.
قال شيخنا أبو العباس رضي الله عنه: فيعني بذلك أن هؤلاء ضعفاء العقول فلا يسعون في تحصيل مصلحة دنيوية ولا فضيلة نفسية ولا دينية، بل يهملون أنفسهم إهمال الأنعام ولا يبالون بما يثبون عليه من الحلال والحرام، وهذه الأوصاف الخبيثة الذاتية هي أوصاف هذه الطائفة المسماة بالقلندرية.
وقد قال مطرف بن عبد الله بن الشخير راوي الحديث: والله لقد أدركتهم في الجاهلية وإن الرجل ليرعى على الحي ما به إلا وليدتهم يطاولها،
ويخفى بمعنى يظهر وهو من الأضداد.
وقوله: وذكر البخل والكذب هكذا الرواية المشهورة بالواو الجامعة والكذب، وقد رواه ابن أبي جعفر عن الطبراني بأو التي للشك قاله القاضي عياض، ولعله الصواب وبه تصح القسمة، لأنه ذكر أن أصحاب النار خمسة: الضعيف الذي وصفه والخائن الذي وصف والرجل المخادع الذي وصف.
قال: وذكر البخل والكذب، ثم ذكر الشنظير والفحاش فرأى هذا القائل أن الرابع هو أحد الصنفين، وقد يحتمل لأن يكون الرابع قد جمعها على رواية واو العطف كما جمعهما في الشنظير الفحاش.
وقوله: أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال.
قال القاضي عياض: كذا قيدناه بخفض مسلم عطفاً على ما قبله.
وفي رواية أخرى ومسلم عفيف بالرفع وحذف الواو شيخنا.
انتهى كلام القاضي عياض رحمه الله.
والعفيف: الكثير العفة وهي الانكفاف عن الفواحش وعن ما لا يليق.
والمتعفف: المتكلف العفة.
والشظير: السيء الخلق ويقال شنظيرة أيضاً.
قاله الجوهري وأنشد قول أعرابية:
شنظيرة زوجنيه أهلي
…
من حمقه يحسب رأسي رجلي
كأنه لم ير أنثى قبلي
وربما قالوا شنذيرة بالذال المعجمة لقربها من الظاء لغة أو لثغة، والفحاش الكثير الفحش وقيل الشنظير: هو الفحاش.
قال صاحب العين: يقال شنظر بالقوم إذا شتم أعراضهم والشنظير: الفحاش من الرجال القلق وكذلك من الإبل.
والجواظ: الجموع المنوع ومنه قوله تعالى: {وجمع فأوعى} .
وقيل: الجواظ الكثير اللحم المختال.
وقيل: هو الجافي القلب.
والعتل: قيل: الجافي الشديد الخصومة.
وقيل: هو الأكول الشروب الظلوم.
قال المؤلف: ويقال: إنه الفظ الغليظ الذي لا ينقاد لخبر.
والجعظري: الفظ الغليظ القصير، وجاء في تفسيره في بعض الأحاديث هم الذين لا تصدع رؤوسهم.
قال شيخنا: والزنيم: المعروف بالشر.
وقيل: اللئيم، وأما الزنيم المذكور في القرآن فرجل معين له زنمة كزنمة التيس.
وقيل: هو الوليد وكان له زنمة تحت أذنه وقيل هو الملصق بالقوم
وقيل: هم الأخنس بن شريق.
وقوله عليه السلام: «من أثنيتم عليه شراً وجبت له النار» يعارضه قوله عليه السلام «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» .
أخرجه البخاري.
والثناء بالشر: سب.
فقيل ذلك خاص بالمنافقين الذين شهدت الصحابة فيهم بما ظهر لهم، ولذلك قال عليه السلام:«وجبت به النار» والمسلم لا تجب له النار واختار هذا القول القاضي عياض.
وقيل: ذلك جائز فيمن كان يظهر الشر ويعلن به، فيكون ذلك من باب لا غيبة لفاسق.
وقيل: إن النهي إنما هو بعد الدفن.
وأما قبله فممنوع لقوله عليه السلام: «لا تسبوا الأموات» .
فالنهي عن سب الأموات متأخر فيكون ناسخاً، والله أعلم.
وقوله: «أنتم شهداء الله في الأرض» معناه عند الفقهاء إذا أثنى عليه أهل الفضل والصدق والعدالة لأن الفسقة قد يثنون على الفاسق فلا يدخل في الحديث، وكذلك لو كان القائل فيه عدواً له وإن كان فاضلاً لأن شهادته في حياته لو كانت عليه كانت غير مقبولة، وكذلك الحكم في الآخرة والله أعلم.
وقيل إن تكرار «أنتم شهداء الله في الأرض» ثلاثاً إشارة إلى القرون الثلاثة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم.
ثم الذين يلونهم» .
قلت: الأول أصح، لأن الله تعالى مدح هذه الأمة بالفضل العدالة إلى يوم القيامة قال الله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس} يعني في الآخرة كما تقدم فلا يشهد إلى العدول.
وقد خرج البخاري، «عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال وجبت ثم مر عليه بأخرى فأثنوا عليها شراً أو قال غير ذلك فقال وجبت فقيل يا رسول الله قلت لهذا وجبت ولهذا وجبت فقال: المؤمنون شهداء الله في الأرض» وخرجه ابن ماجه بهذا الإسناد وقال شهادة القوم والمؤمنون شهود الله في الأرض.
وفي البخاري أيضاً «عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة.
قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة: فقلنا: وإثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد» قال أبو محمد عبد الحق وهذا الحديث مخصوص والله أعلم،
والذي قبله يعطي العموم وإن كثرت شهوده وانطلقت ألسنة المسلمين فيه بالخير والثناء الصالح كانت له الجنة والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: ومن هذا المعنى ما ذكره هناد بن السري، أخبرنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن عبد الله بن السائب قال: مرت جنازة بعبد الله بن مسعود فقال لرجل قم فانظر من أهل الجنة هو أم من أهل النار؟ قال الرجل: ما يدريني أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار؟ وكيف أنظر؟ قال: ثناء الناس عليه فإنهم شهداء الله في الأرض.
قال أبو محمد: وغير مستنكر إذا أحب الله عبداً أمر أن يلقى على ألسنة المسلمين الثناء عليه وفي قلوبهم المحبة له قال الله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} .
وقال عليه السلام: «إذا أحب الله عبداً قال يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه قال فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض، وذكر في البغضاء مثل ذلك» وهذا حديث صحيح خرجه البخاري ومسلم.
قال أبو محمد عبد الحق: وقد شوهد رجال من المسلمين علماء صالحون كثر الثناء عليهم وصرفت القلوب إليهم في حياتهم وبعد مماتهم، ومنهم من كثر المشيعون لجنازته وكثر الحاملون لها والمتشغلون بها، وربما كثر الله
الخلق بما شاء من الجن المؤمنين أو غيرهم مما يكون في صور الناس.
ذكر قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: أخبرنا محمد يزيد الرفاعي، قال مات عمرو بن قيس الملائي بناحية فارس فاجتمع لجنازته من الخلق ما لا يحصى، فلما دفن نظروا فلم يروا أحداً قال الرفاعي: سمعت هذا ممن لا أحصى كثرة، وكان سفيان الثوري يتبرك بالنظر إلى عمرو بن قيس هذا.
ولما مات أحمد بن حنبل رضي الله عنه صلى عليه من المسلمين ما لا يحصى، فأمر المتوكل أن يمسح موضع الصلاة عليه من الأرض، فوجد موقف ألفي ألف وثلاثمائة ألف أونحوها، ولما انتشر خبر موته أقبل الناس من البلاد يصلون على قبره فصل عليه ما لا يحصى، ولما مات الأوزاعي رضي الله عنه اجتمع للصلاة عليه من الخلق ما لا يحصى وروي أنه أسلم في ذلك اليوم من أهل الذمة اليهود والنصارى نحو من ثلاثين ألفاً لما روأوا من كثرة الخلق على جنازته ولما رأوا من العجب في ذلك اليوم.
ولما مات سهل بن عبد الله التستري رحمه الله انكب الناس على جنازته وحضرها من الخلق ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكانت في البلد ضجة فسمع بها يهودي شيخ كبير، فخرج فلما رأى الجنازة صاح وقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: وما ترى؟ قال: أرى قوماً ينزلون من السماء يتمسحون بالجنازة ثم أسلم وحسن إسلامه،